«شارة جديدة للنصر » تبشّر بأدب مقاوم حديث (2)
حسن نعيم
كاتب لبناني
وفي قصة "رسّام من هذا الزمن" يحدّثنا حجازي عن ذلك المقاوم الذي حيّر رجال الأمن العام بسبب الرنين المتواصل الذي تصدره آلة تفتيش المسافرين مؤشّرة إلى وجود معادن، رغم أنه أبعد المفاتيح والحزام والساعة والخاتم وكل معدن لديه، ليكتشف الضابط أخيراً أن الرنين مصدره جرح قديم يخفي سفوداً معدنياً وضعه الطبيب بعد إصابته في إحدى عمليات اقتحام المقاومة لمواقع الإسرائيليّين في جنوب لبنان.
ليقرأ الضابط المعني في آثار الجراح المزروعة في جسد المقاوم الجريح تأشيرة دخول إلى القلوب، لا ينبغي لأحدث الآلات الفاحصة أن تحول دون عبوره إلى كلّ جغرافيا الأرض.
أما قصة "قبضتا أبي الفضل تكملان الحكاية" فتشير إلى شاب مقاوم قدّم قبضته هدية سخية للأرض العامليّة المشتعلة بالثورة، ليرزق بعد العملية التي فقد فيها قبضته بطفل له قبضتان، ستتوالد منهما قبضات مقاومة عديدة.
هنا نجد القاص يحيل بميثولوجية واضحة لحظة التضحية العاملية الراهنة إلى عمقها التاريخي الكربلائي، فتضحية أبي الفضل العباس في معركة كربلاء تتناسل في أرض عاملة قبضات يانعة، تنتظر ميقات قطافها بفرح غامر، كما في قصة "عاشق الأرض والحياة" التي يضع بطلها أطروحة الدكتوراه جانباً ويطلب من الله شهادة أخرى، شهادة حسينية تنطلق من كربلاء على أجنحة زمن طليق يحتضن أزمنة آتية لا استبداد فيها ولا قهر ولا احتلالات.
تمضي بنا قصص حجازي الثلاث عشرة لنصل إلى قصة "شارة النصر الجديدة" التي حملت عنوان المجموعة من باب تسمية الجزء بالكل. في هذه القصة التي تجري أحداثها في بلدة الغندورية الجنوبية يتلو وصيته أمام صديقه وفيها يتمنى زوال الاحتلال عن بلدته القنطرة ليدفن فيها، وإن لم يتحقّق حلمه بزوال الاحتلال عن بلدة القنطرة، فإنه يوصي بأن يدفن في الغندورية، لكنه يفاجأ بصديقه وهو يخبره أن الاحتلال في هذه اللحظات يغادر الجنوب، وأنّ قوافل العائدين تجد السير إلى القرى التي أشرقت عليها شمس الحرية في هذا الصباح.
لتنبت في اللحظة أمنية أخرى: "هذا المشهد نذرت له عمري، دعوت الله أن يؤخّر قبض روحي إلى الساعة التي أرى الرجال يطردون هذا العدو… يا الله بقدرتك بحلالك خذ روحي الآن، الفرحة تكاد تقتلني…
الناس تدخل القرى، تعلو الزغاريد ويرشون الأرّز، ينحرون الخراف على أصداء النشيد: "هنا صاح الصبح بنا قوموا زمن الهزائم قد ولّى…. وامرأة جنوبية انتشرت صورتها على وسائل الإعلام تصرخ بلكنتها الجنوبية "الحمد لله تحررنا... الحمد لله تحررنا".
لا يرى بطل القصة إشارة النصر التي تحمل رقم 7 المرسومة على الأصابع، وإنما تلفته الإشارة رقم 8 التي ترسمها الأقدام السائرة إلى نصر جديد. كأن هذه القصة لا تكتب حلماً تحقّق فحسب، وإنما تعيد بناء الحلم وفقاً لبواعث ومحرّضات الأزمنة اللاحقة، فهي لا تكتفي بإضاءة حلم التحرير الذي حدث عام 2000، وإنما تطمح إلى تنويرية كاشفة تستشرف فجر الجنوب الجديد الواعد بانتصارات مقبلة لا محالة.
يتبع...