بعد ممارسات استعمارية استمرت لعقود
هل اقتربت نهاية عصر الهيمنة الفرنسية على غرب افريقيا؟
تواجه دول غرب أفريقيا عددًا من التحديات الأمنية والتنموية والبيئية، بما في ذلك الإرهاب والفقر والتغير المناخي و غيرها من التحديات، و الكثير من هذه الدول يعتقدون أن الغرب و فرنسا تحديدا لا يفعلون ما يكفي لمساعدتهم في مواجهة هذه التحديات بل على العكس، يقومون باستغلالها للتدخل وفقا لمصالحهم.
و يتهم الإفريقيون فرنسا بإهمال مصالحهم وحقوقهم، وإفلاس مواردهم وإضعاف قدراتهم، وإخضاعهم لشروط غير عادلة في المساعدات والديون ،و علاوة على ذلك التدخلات السياسية و العسكرية و ما رافقها من انتهاكات قامت بها فرنسا هناك، و غيرها من الأمور تسببت في ظهور مشاعر معادية لفرنسا في غرب أفريقيا، ومن المحتمل أن تستمر هذه المشاعر في الزيادة في السنوات المقبلة. وهذا قد يكون له عواقب خطيرة على مصالح فرنسا في غرب أفريقيا، بما في ذلك وجودها العسكري وعلاقاتها الاقتصادية ونفوذها الثقافي.
استعمار اقتصادي
فرنسا كانت قوة استعمارية في غرب أفريقيا من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. وخلال هذه الفترة، استغلت فرنسا الموارد الطبيعية والبشرية لصالحها، وفرضت ثقافتها ولغتها ودينها على الشعوب الأفريقية. وبعد الاستقلال، استمرت فرنسا في التأثير على المنطقة ففي الجانب الاقتصادي، تتهم فرنسا بالاستفادة من الموارد الطبيعية والأسواق في غرب أفريقيا، دون أن تعود بالمنفعة على الشعوب المحلية. فمثلا، تحتل فرنسا مكانة متقدمة في قطاعات مثل التعدين والطاقة والاتصالات والنقل في غرب أفريقيا وأحد أبرز مظاهر هذا التأثير أيضا هو منطقة الفرانك CFA، وهي عملة إقليمية تستخدم في 14 دولة أفريقية، معظمها من المستعمرات الفرنسية السابقة. وهذه العملة مرتبطة باليورو بضمان من الحكومة الفرنسية، وتخضع لسياسات نقدية صارمة. ويرى نقاد هذه العملة أنها تحد من قدرة الدول الأفارقة على التحكم في سياساتها الاقتصادية، وتجعلها معتمدة على فرنسا. كما يرون أن هذه العملة تؤدي إلى انخفاض قيمة صادراتهم وزيادة قيمة وارداتهم، مما يزيد من عجز الميزان التجاري. ولذلك، يطالب بعض الزعماء والخبراء والنشطاء بإصلاح أو إلغاء هذه العملة، كخطوة نحو تحقيق السيادة المالية.
تدخلات سياسية و عسكرية مشبوهة
و من الأمور التي عقدت العلاقات بين فرنسا و افريقيا هي التدخلات السياسية و العسكرية المشبوهة، ففي عام 2013 تدخلت فرنسا عسكريًا في مالي لمساعدة الحكومة في محاربة تمرد جهادي. وكان هذا التدخل جزءًا من عملية سيرفال، والتي تحولت لاحقًا إلى عملية بارخان، والتي تشمل خمس دول في منطقة الساحل (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد). وزعمت فرنسا أن هذه العملية تهدف إلى حفظ الأمن والإستقرار في المنطقة، والحيلولة دون انتشار التطرف والإرهاب. ولكن هذا التدخل كان مثيرًا للجدل، حيث انتقدت فرنسا لكونها قاسية جدًا وغير فعالة وغير محترمة للشعب المالي. فقد اتهمت فرنسا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، والتواطؤ مع بعض الجماعات المسلحة، والتدخل في شؤون الدولة الداخلية. و فرنسا لم تظهر احترامًا للديمقراطية وحقوق الإنسان في أفريقيا. ففي بعض الأحيان، دعمت فرنسا حكامًا استبداديين أو تدخلت في شؤون دول أفريقية دون موافقة شعبها. وفي بعض الأحيان، ارتكبت فرنسا انتهاكات لحقوق الإنسان في أفريقيا، سواء خلال الفترة الاستعمارية أو بعدها. و من بعض الأمثلة في رواندا، حيث اعترف الرئيس ماكرون في مايو/آيار 2023 بأن فرنسا لم تفعل ما يكفي لمنع إبادة التوتسي عام 1994، التي قُتل فيها نحو 800 ألف شخص. كما اعتذر عن دور فرنسا في دعم نظام هوتو المذنب في المجزرة، والذي كان حليفًا استعماريًا لفرنسا. و هناك اتهامات اخرى لتدخلات فرنسا في دول افريقيا و التأثير على اختيار قادتها وسياساتها، فمثلا، في عام 2010، اتهم الرئيس الإيفواري لوران غباغبو فرنسا بدعم منافسه ألاسان واتارا، الذي فاز في الانتخابات المتنازع عليها. كما اتهم رئيس غينيا ألفا كوندي فرنسا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب التي تعرض لها في سبتمبر 2021.
هيمنة ثقافية
في الجانب الثقافي، تتهم فرنسا بالحفاظ على هيمنتها على التعليم والإعلام والثقافة في غرب أفريقيا، دون أن تحترم التنوع والهوية الغرب أفريقية. فمثلا تدير فرنسا حوالي 500 مؤسسة تعليمية في غرب أفريقيا، تضم نحو 150 ألف طالب، وتنشر اللغة والثقافة الفرنسية. وهذا يثير انتقادات من قبل بعض المثقفين والسياسيين الغرب أفارقة، الذين يرون في ذلك محاولة لإخضاع الأجيال الجديدة للتأثير الفرنسي، وإهمال التراث والقيم الغرب أفارقية. كما يطالبون بتعزيز دور اللغات الوطنية في التعليم، ودعم المدارس والجامعات المحلية، وتشجيع التبادلات الثقافية مع دول أخرى غير فرنسا.
كما تمتلك فرنسا قنوات إعلامية مؤثرة في غرب أفريقيا، مثل فرانس 24 وراديو فرنسا الدولية ومونت كارلو الدولية، وتسعى فرنسا عبر هذه الوسائل للهيمنة على افريقيا و التحكم بالرأي العام فيها وفقا لما تقتضيه مصالحها. وهذا يثير احتجاجات من قبل بعض المواطنين والصحفيين الغرب أفارقة، الذين يرون في ذلك تدخلا في شؤونهم الداخلية، وتشويها لصورتهم الخارجية، وإغفالا لآرائهم ومطالبهم. كما يطالبون بزيادة حرية التعبير والصحافة في غرب أفريقيا، ودعم المؤسسات الإعلامية المستقلة والمتنوعة، وتشجيع التعاون الإعلامي مع دول أخرى غير فرنسا.
و أخيرا، تتهم فرنسا بالحفاظ على هيمنتها على الثقافة في غرب أفريقيا، دون أن تحترم التنوع والإبداع الغرب افريقي. فمثلا تدير فرنسا حوالي 50 مؤسسة ثقافية في غرب أفريقيا، تضم نحو 300 ألف مستفيد، وتروج للأدب والفنون والسينما والموسيقى الفرنسية. وهذا يثير اعتراضات من قبل بعض المثقفين والفنانين الغرب أفارقة، الذين يرون في ذلك محاولة لإقصاء الثقافة الغرب أفارقية، وإهدارا للمواهب والموارد الغرب أفارقية. كما يطالبون بتعزيز دور الثقافة الوطنية في التنمية، ودعم المؤسسات والمشاريع الثقافية المحلية، وتشجيع التبادلات الثقافية مع دول أخرى غير فرنسا.