ما لم يُقال حول الإفراج عن الأصول الإيرانية المُجمّدة
زعم الأمريكيون في الأشهر الأخيرة خاصة بعد أعمال الشغب، أنه ليس لديهم مفاوضات مع إيران، وسارعوا لإغلاق أبواب التفاوض التي كانت مفتوحة على مصراعيها ليثبتوا حجم المؤامرة التي كانوا يحيكونها حينها. الاتفاق الذي تم التوصل إليه، والذي جاء نتيجة شهور من المفاوضات غير المباشرة في دول المنطقة، يظهر بشكل جيد ادعاءاتهم الإعلامية الكاذبة.
أعلنت وزارة الخارجية مساء الخميس (12 آب) عن بدء عملية الإفراج عن مليارات الدولارات من أصول إيران المجمّدة، التي استولت عليها أمريكا بشكل غير قانوني منذ عدة سنوات. لكن هذا الحدث المهم له أبعاد مختلفة لا يمكن تجاهلها بسهولة، أبعاد تظهر ضعف وتراجع أمريكا واليد العليا لفريق التفاوض الإيراني منذ بدء عملية التفاوض.
فشل سيناريو التبعية للإتفاق النووي وحظر الأصول
تحاول أمريكا منذ سنوات حل قضية الأصول الإيرانية المحجوبة مقابل الحد من برنامج ايران النووي السلمي. وكان اقتراح الإفراج عن مليار إلى ملياري دولار من الأموال الإيرانية المُجمّدة مقابل تخلي طهران عن التخصيب والعودة الى نسبة تخصيب 20٪ وذلك في ظلّ الحكومة السابقة. وأثناء معارضتها لهذه القضية، حددت الحكومة الثالثة عشرة قضية تجميد الأموال على أنها لا علاقة لها بالإتفاق النووي وحاولت معالجة هذه القضية إلى جانب قضية السجناء الأمريكيين في إيران والسجناء الإيرانيين المسجونين لدى أمريكا. لذلك فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يعتبر بمثابة انسحاب أمريكا من أحد سيناريوهات البيت الأبيض ضد إيران.
فشل الخطة ب وفضيحة الفبركات
في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد أعمال الشغب زعم الأمريكيون أنهم لن يتفاوضوا مع إيران لدعم أعمال الشغب حينها، خصوصاً أنهم كانوا يراهنون على تغيير نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية. الاتفاق الذي تم التوصل إليه والذي جاء نتيجة شهور من المفاوضات غير المباشرة بوساطة دول المنطقة، يظهر بشكل جيد ادعاءاتهم الإعلامية الكاذبة. تتزامن هذه الحادثة مع ذكرى بدء أعمال الشغب في ايران، مما يدل على أن واشنطن لا أمل لها في تحريك الشعب الايراني نحو مشروع التخريب وأن الخطة (ب) التي إعتمدتها امريكا ضد إيران قد عانت من مصير الخطة أ (حملة الضغوط القصوى).
إتفاق من دون روبرت مالي
روّجت بعض التيارات السياسية المعادية لايران بأن فضيحة روبرت مالي، رئيس فريق التفاوض الأمريكي، وإقالته من منصبه، تعتبر بمثابة طريق مسدود في المفاوضات. اليوم فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مقاومة الفريق المفاوض الإيراني، إلى جانب الخلافات في الفريق المفاوض الأمريكي واستقالة أو إقالة بعض الأعضاء يشير الى عدم صحّة تلك التوقعات الفاشلة، ومؤشر على صحّة توقعات ايران. إذ أنه من السمات الفريدة للاتفاقية الحصول على الضمان اللازم من أمريكا. وتبين أدلة وبيان وزارة الخارجية أن من أهم الضمانات الإفراج عن الأسرى التي تعتبرها الولايات المتحدة بعد التحويل الكامل للأموال الإيرانية المجمّدة. إذ لن تقوم إيران بنقل الأسرى إلا إذا تأكدت من التحويل الكامل للأموال المُجمّدة والوصول المباشر إليهم.
حرية تصرّف إيران بأصولها
وفقًا للاتفاقية سيتم الإفراج عن أكثر من عشرة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المُجمّدة، بما في ذلك 6 مليارات دولار من الأموال المحجوزة في كوريا الجنوبية، إلى جانب مبلغ كبير من الأموال الإيرانية في بنك TBI العراقي ومبلغ آخر في أحد البنوك الأوروبية. حيث سيتم تحويل هذه الأموال إلى قطر، وإيران لديها وصول كامل ومباشر إلى جميع أصولها المُفرج عنها. كما سيتم إنفاق هذه الموارد لتلبية الاحتياجات المختلفة للبلد على النحو الذي تحدده السلطات المختصة.
منجزات الميدان والدبلوماسية معاً
تحاول العديد من الأطراف من تلك التي لا تضمر خيراً لايران ولشعبها، التقليل من شأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، لهذا السبب يزعمون أن الأموال المُفرج عنها لن تكون متاحة لإيران. هذا بينما وفقا لاعتراف بلينكين سيتم استخدام الأموال المفرج عنها بالكامل لأغراض غير خاضعة للعقوبات. مع الموارد المُفرج عنها، يمكن لإيران توفير سلعها الأساسية التي تم شراؤها سابقا من الموارد المحلية واستخدام الموارد المحلية في أمور أخرى مثل قضايا البنية التحتية وغيرها من الإحتياجات.
بعيدا عن مستجدات هذه الاتفاقية تم في السابق استخدام الموارد التي تم الحصول عليها من بيع النفط الإيراني في كوريا لشراء السلع الأساسية للبلاد.كما أن ادعاء تقليص الأموال الإيرانية في كوريا كاذب. وقد تم بالفعل استخدام جزء من هذه الأموال لدفع نفقات إيران للمنظمات الدولية، وانخفض مبلغ صغير منها بسبب انخفاض قيمة الوون. إن مقارنة الاختلاف بين الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع مشروع "النفط مقابل الغذاء" الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق قبل عقود قليلة سنصل الى أن الأخير كان أشبه بمهزلة سياسية.
الإفراج عن موارد إيران لا علاقة له ببيع نفط ايران تحت العقوبات، وتستمر إيران في زيادة مبيعاتها النفطية بأساليب جديدة للإلتفاف على العقوبات الأحادية من قبل الأمريكان، كما أنها تضخ العملة الناتجة في البلاد من خلال قنوات غير خاضعة للعقوبات. لكن العراق دون امتلاك البنية التحتية لتجاوز العقوبات، ترك الحق في بيع نفطه إلى دول أخرى. يمكن النظر إلى الاتفاقية الحالية على أنها نتيجة جهود مشتركة في المجال والدبلوماسية. من ناحية تصر إيران على حقوقها القانونية من خلال تعظيم قوتها النووية، ومن ناحية أخرى من خلال الاستخدام الأمثل للأدوات الدبلوماسية، مثل المفاوضات، ورفع الشكاوى إلى كوريا الجنوبية والتبادلات السياسية، واستخدام قدرات الدول في المنطقة، وذلك في إطار تشديدها على تأمين حقوق الشعب الإيراني. لهذا كل من يتجاهل ثمار ومنجزات الإتفاق الأخير الذي يعدّ بمثابة انتصار دبلوماسي كبير لإيران متوقع فقط من الجهات والأطراف المعادية لايران وشعبها.