الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة - ١٢ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة - ١٢ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

إنّها ثقافة الرحمة والوعي

التبرع بالأعضاء، عندما يهب الموت أملاً


"يكفيني دعاء أمّ استفاد ابنها من أعضاء إبني، هذا ما قاله والد علي حسن شرف الدين الذي وهب أعضاء إبنه لبنك وهب الأعضاء في لبنان، واستفاد منها حتى الآن ستة أشخاص. رغم الحزن الشديد الذي يلفّ عائلة علي إبن الـ15 ربيعاً، الذي قضى بحادث دراجة نارية، يدخل الفرح إلى العائلة المفجوعة من باب الإنسانية. مات "علي" لكنّه عاش في كثير من الناس. ما فعلته العائلة غير مألوف في لبنان، نظراً إلى أنّ ثقافة وهب الأعضاء لا تزال نادرة، إذ لم يعتد الناس هذه الفكرة، علماً أنها قد تنقذ حياة العشرات ممن ينتظرون كلى أو كبداً أو حتى قلباً.
الحكاية بدأت بعدما تبين أن الفتى أصيب بتلفٍ دماغي نتيجة لحادث سير وفاضت روحه في مستشفى الرسول الأعظم(ص) في ضاحية بيروت الجنوبية بعد محاولات حثيثة لإنقاذه، فاتخذ الأهل بعدها قرارهم الجريء .
وفي التفاصيل، وهب أهل شرف الدين أعضاء ابنهم لـ ٦ أشخاص يصارعون من أجل البقاء أحياء ويعيشون على أمل إيجاد متبرع.
ووفق المعلومات، فقد حظيت طفلة بكليته وكُتبت لها فرصة العيش حياة صحية من جديد أمّا كبده فحصل عليه شخص اخر.
عادت قضية وهب الأعضاء إلى الواجهة في هذه الأيام، بعد طول غياب. استفزّت خطوة العائلة العديد من الناس لأنّها كانت مفاجئة، وفي الوقت ذاته، شكّلت حافزاً لكلّ إنسان للتفكير في وهب أعضائه لينقذ طفلاً أو شاباً أو كهلاً. إنّها ثقافة الرحمة والوعي. ما فعلته العائلة يُشكّل مدماكاً أساسيّاً ومحرّكاً معنويّاً مهمّاً لتعزيز ثقافة وهب الأعضاء في لبنان.
إنسان يحي ثمانية
سنوياً، يموت 17 مليوناً و300 ألف شخص في العالم بسبب أمراض القلب، وهو ما يمثل 30% من الوفيات، وفق ما تشير منظمة الصحة العالمية، فيما تنتهي حياة نحو 700 ألف شخص بسبب أمراض الكبد. من ناحيةٍ أخرى، يموت نحو 2.3 مليون مريض بالفشل الكلوي بسبب عدم قدرتهم على تلقّي العلاج المناسب. ولأنّ تكلفة زراعة عضو اصطناعي باهظة ومرتفعة وليست بمقدور الكثيرين، يفضّل المريض الموت بسلام على أن يترك من ضمن إرثه ديوناً تتحمّلها العائلة.
غير أنّه بمقدورنا أن نلعب دوراً إيجابيّاً في تغيير هذه الأرقام. بـ"الوهب"، إنّ هذا العطاء يستطيع أن يغيّر الكثير، إذ أن كلّ واهب يستطيع إحياء 8 أشخاص بعد وفاته. بتفصيلٍ أكثر، هذا الأمر يمكن أن يلغي، أو في أحسن الأحوال، أن يخفّض نسبة الوفيات بسبب أمراض القلب، لو أن المريض قد حصل على قلب من إنسانٍ آخر، وترتفع هذه النّسبة إلى 85% بالنسبة لأمراض الكبد، كما يمكن أن يحيا شخصان سنوياً لو أنّهما حصلا على كلية من واهبٍ آخر
وهب الأعضاء في لبنان
ما زال عدد الواهبين المتوفين يتراوح ما بين 7 و 12 واهباً بالسنة وفق المنسقة العامة للهيئة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء والانسجة (NOD-Lb) فريدة يونان، التي اعتبرت ان الوهب من الأحياء يخضع الى شروط وضوابط قانونية وأخلاقية لحماية الواهب ومنع المتاجرة. منها: "الجنسية نفسها ومن الاقارب حتى الدرجة الرابعة، وبلوغ سن ال ٢١".
وتشرح يونان أن" مراحل عدة تمر بها عملية الوهب، الأولى: موافقة الفريق الطبي المعني بزرع الأعضاء في المستشفى على أنّ المريض يمكنه أن يخضع إلى عملية زرع من واهب حي غير قريب، بينما المرحلة الثانية: تسجيله على لائحة الإنتظار في الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة وفقاً للنموذج المعتمد من الهيئة المذكورة موقعاً من الطبيب المعالج والجرّاح والمريض. المرحلة الثالثة: يُقدم الطبيب المعالج أو الجراح ملف المريض الذي لم يحصل على وهب بعد ستة أشهر من تاريخ قبول تسجيله على لائحة الانتظار الوطنية إلى لجنة طبية وطنية خاصة بوهب الأعضاء، ومن ثم إلى لجنة أخلاقيات وطنية خاصة بوهب وزرع الأعضاء من الأحياء (تشكل بقرار من وزارة الصحة العامة) لدراسة طلبه بالقيام بعملية زرع من واهب غير قريب. أمّا في المرحلة الرابعة فيُقدم المريض المتلقي ملفه وملف الواهب إلى مكتب اللجنة العلمية في نقابة أطباء لبنان.
 تعزيز ثقافة الوهب
انطلقت فكرة جمعيّة "من أحياها"، والتي تتخذ من مستشفى الرّسول الأعظم (ص) مكاناً لها، من عجز الناس أمام مرض أحبائهم، إضافةً إلى بروز الحاجة إلى طرح فكرة وهب الأعضاء بشكل جدّي والعمل عليها. ولأنّ هدفها الأسمى هو بث الحياة في المجتمع، تعمل الجمعيّة على نشر ثقافة وهب الأعضاء وإيضاح مفاهيمها للناس، خصوصاً أولئك الذين قد يخافون من الفكرة أو يتشاءمون من الحديث عن الموت.
ولهذا، تطمح لأن تكون ثقافة التّبرّع بالأعضاء عاديّة بل ومرغوبة، أي أن نصل إلى مرحلة يكون فيها كل إنسان فرداً واهباً في المستقبل، لأن الواهب يمكن أن يصبح متلقّياً في أي لحظة بسبب الظروف وبفعل الحاجة.
تنطلق الجمعية بعملها وفق رؤية قائمة على الشريعة في كل تحركاتها، لذلك جالت الجمعيّة على المرجعيّات الشّيعيّة الأكثر نفوذاً في لبنان لتوضيح فكرة وهب الأعضاء ولاستحصال الفتوى الشرعيّة التي تسمح لها بالتحرّك بحريّة. وكانت الإشكاليّة التي توقّفت عندها المرجعيّات الدّينيّة هي في عدم حصول أي تشويه للجثة، أي أن تُسلّم الجثّة إلى ذويها بعد عمليّة سحب الأعضاء كما كانوا قد سلّموها إلى المستشفى. فعندما تُستأصل الأعضاء، يتم إعادة ترميم الجسد كما الأحياء. وتؤكّد الجمعيّة أنها تستهدف الأعضاء التي تعتبر أساساً لحياة الإنسان، كالقلب والكبد والكلى، أمّا الأطراف كاليدين والقدمين والأذنين فهي تعتبر كماليّات ولا يسمح الشّرع بأخذها. كما كان هناك إشكاليّة أخرى لدى المراجع تكمن في تأكيد حصول الموت الدّماغي لدى المريض. أي أن المستشفى وأولياء الأمر غير مخوّلين شرعاً المساس بالجثّة في حالة الموت السّريري، والتي قد تستمرّ شهوراً وسنين على غرار حالة "الكوما"، والقرار مباح لهم في حالة الموت الدّماغي التي لا مجال لعودة الإنسان بعدها للحياة.
وبعد إعلان المرجعية موافقتها على وهب الأعضاء بشروط، لاحظت الجمعية إقبالاً واسعاً من الناس لتسجيل أسمائهم كواهبين لدى الجمعيّة.
بدأت هذه الثقافة بالانتشار في لبنان مع تشجيع من الأديان، إلا أنها ما زالت في بداياتها وبحاجة إلى دعم من الدولة وزيادة في الميزانية للهئية الوطنية وتكريس فكرة التبرع على القنوات وفي المدارس والجامعات، إضافةً الى التشديد على المستشفيات للتعاون، إلا أن انقاذ حياة شخص تبقى الرسالة الأولى للطبيب.
التبرع بالأعضاء في مصر قضية لم تحسم بعد
بين الحين والآخر يُهيمن على الشارع المصري ذلك النقاش القديم المتجدد حول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وأحقية الشخص في التصرف بجسده، وسط موجات جدل متشعبة حول حكم الدين والشرع في القضية، وذلك رغم إقرار الدولة المصرية قانوناً عام 2010 يسمح بنقل وزراعة الأعضاء عبر التبرع، وتأكيد كثير من الأطباء أهميته في إنقاذ حياة كثيرين.
وفي حين كان الأمر مطروحاً في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، احتلت القضية ولا تزال مساحة كبيرة من اهتمامات النخبة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي وناشطيه، في وقت اتخذت أبعاداً جديدة من بينها تحرك الدولة، وفق ما أعلن مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، باتجاه دراسة إضافة إختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي على غرار ما هو معمول به في كثير من بلدان العالم، فضلاً عن توجه من يؤيدون الفكرة إلى جهات التوثيق الرسمية لتسجيل رغبتهم في إتمام الأمر بعد الوفاة.
وعلى مدار عقود مضت رافق طرح القضية في مصر خلاف بين المؤسسات الرسمية التي أباحت التبرع أو النقل بضوابط، وبعض علماء الدين الذين رفضوه واعتبروه مخالفة وتعدياً على خلق الله، وبين هذا وذاك، شهد المزاج الشعبي صعوداً وهبوطاً حول تقبل الفكرة، وبقيت في النهاية حالات التبرع محدودة للغاية، لا سيما مع عدم تقبل كثيرين السماح بنقل أعضاء ذويهم المتوفين.
غياب الفاعلية
وعلى الرغم من كل هذا الجدل القديم المتجدد في مصر في شأن قضية التبرع بالأعضاء، فإن حالات التبرع في الدولة العربية الأكثر تعداداً للسكان بأكثر من 100 مليون نسمة تبقيها بين أقل الدول التي تشهد رواجاً للفكرة. في وقت تحتل البلاد مكاناً متقدماً في عدد الوفيات بسبب حوادث الطرق التي تعد مصدراً مهماً للتبرع بالأعضاء حول العالم، إذ سجلت الإحصاءات الرسمية نحو 12 ألف حالة وفاة في حوادث الطرق عام 2019.
وعلى الرغم من وجود قوانين تنظم عملية التبرع بالأعضاء في مصر، فإن هناك غياباً لمثل هذه الثقافة نظراً إلى اعتقادات عن قدسية جسد المتوفى متوارثة منذ العهد الفرعوني، ولا يختلف فيها المسلم عن المسيحي، بالتالي يرفض أي مساس بالجسد وأعضائه بعد الوفاة، على الرغم من أن المؤسسات الفقهية الإسلامية حسمت الجدل لصالح إباحة التبرع بالأعضاء، وخطت دول إسلامية كثيرة خطوات كبيرة في نقل الأعضاء، لكن مصر ما زالت متخلفة عن الركب بسبب أزمة الوعي لدى المصريين، وكذلك غياب الإرادة السياسية في تفعيل قانون نقل وزراعة الأعضاء، إذ أن البنية التحتية الطبية اللازمة لحفظ أعضاء الموتى غير كافية، بخاصة أن بعض الأعضاء تحتاج إلى الحفظ في درجات حرارة تصل إلى سالب 70.
التبرع بالأعضاء في تونس ومنح فرصة أخرى للحياة
عددهم بالآلاف في تونس، يحدوهم أمل كبير في العثور على متبرع، يخرجهم من دائرة الحيرة والألم، ويعيد إليهم بهجة الحياة، إنهم مرضى القصور الكلوي.
تلك هي وضعية آلاف التونسيين إزاء مرض القصور الكلوي، ومعاناة تصفية الدم في مجتمع يعيش صعوبة في تقبل فكرة التبرع بالأعضاء، على الرغم من الجهود الكبيرة التي يقوم بها المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، عبر التوعية بأهمية الإقبال على التبرع بالأعضاء، أو الموافقة على التبرع بأعضاء أحد الأقارب المتوفين في حوادث الطرقات أو في حالات الموت الدماغي.
تاريخ زرع الأعضاء في تونس
زراعة الأعضاء والأنسجة قديمة في تونس، وبدأت أول زراعة قرنية بتونس عام 1948، بينما يعود تاريخ أول عملية زرع كلى في مستشفى شارل نيكول في العاصمة إلى 4 يونيو (حزيران) 1986، من إنسان حي إلى شقيقه، ومنذ ذلك التاريخ تعددت العمليات. وفي عام 1993 جرت أول عملية زرع قلب في المستشفى العسكري بتونس، بينما تعود أول عملية زرع كبد في مستشفى سهلول إلى عام 1989"، لافتاً إلى "وجود كفاءات طبية قادرة على القيام بهذا النوع من العمليات، إلا أن المشكلة تكمن في العدد القليل من المتبرعين، مما لا يلبي حاجات المرضى على قوائم الانتظار".
ويشترط المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء أن تكون هناك قرابة بين المريض والمتبرع تفادياً لإمكان عمليات البيع والشراء، وذلك بعد التحقق من أن نسبة النجاح عالية وتفوق 80 في المئة بعد إجراء التحاليل والفحوص اللازمة.
وأبرز مدير المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء أن "في العالم نسبة المتبرعين من المتوفين دماغياً تفوق 80 في المئة، من العدد الإجمالي للمتبرعين، بينما في تونس 80 بالمئة من عمليات زرع الكلى، تكون من إنسان حي إلى إنسانٍ آخر، وهذا لا يُلبي حاجات المرضى الذين هم في حال انتظار، ويسمح القانون التونسي لكل مواطن أن يضع عبارة "متبرع" على بطاقة تعريفه، إلا أن عددهم لا يتجاوز الـ 14 ألف مواطن".
ختاماً وهب الأعضاء هو ثقافة غير شائعة في مجتمعاتنا ينبغي العمل عليها بشكل معمق من خلال القطاعات المختلفة كالإعلام والتعليم. فمنافع وهب الأعضاء ستمنع الاتجار بالأعضاء وسرقتها، وستنقذ أرواحاً أشقاها المرض.

 

البحث
الأرشيف التاريخي