نحن والمجتمع
كي لا تضيع التضحيات
الوفاق / «نحن محتاجون لأن نعرّف أجيالنا الكثير من نماذج أمهات وزوجات الشّهداء والأسيرات اللواتي هنّ قدوة ونعمة فيما بيننا.. إننا إن لم نؤرّخ لهؤلاء الأبطال فسوف يحوّلهم الكتبة المزوّرون مع مرور الزّمن إلى قطاع طرق».
السيد حسن نصر الله
إنّ الأنفة وعزة النفس والإباء ورفض الظلم خصال أصيلة في الشخصيّة اللبنانية، ولا تزال شعوب العالم حتى اليوم معجبة بشخصية اللبناني المفعمة بالكرامة وعرّة النفس، ولطالما ظهرت هذه الميزة عبر التاريخ، ولكنها لم تأخذ عنوانا ثابتاً وواضحاً كما هو اليوم:المقاومة.
على الرغم من أن مكتباتنا تزخر بالكتابات التاريخية عن لبنان. وتملأ الدراسات والأطروحات رفوف مكتبات جامعاتنا. طالما قرأنا عن معاناة الباحثين والدارسين من عدم وجود تاريخ دقيق يروي سيرة الشعوب، سيرة البسطاء والمظلومين، لأنّ كتب التاريخ تقتصر على سرد تاريخ الدول والملوك والرؤساء المتعاقبين فتؤرخ لسيرهم. وتبرز مآثرهم وانتصاراتهم وتذكر ما بنوه وما فتحوه ولا يلتفت أحد إلى أولئك المقهورين البُناة الحقيقيين للأهرامات السياسية والتاريخية؛ بل يلتفتون إلى الفرعون وحسب. وهذا أضاع تجربة (المقاومات) الشعبية التي طالما زخر بها التاريخ، ولكن أحداً لم يخلد أعمال هذا الشعب وبطولاته. بل خلّد أعمال الغزاة والحكام الفاتحين على صخور نهر الكلب وغيرها. فكل لوحة لغاز يقابلها حتماً منحوتة لم توضع بعد لمقاومة.
وفي لبنان نجد كتاب تاريخنا الذي يدرس لطلابنا يمتلأ بدروس عن أحداث غارقة في القدم، وأحداث الدولة البيزنطية والعثمانية والنهضة الثقافية عند العرب واستعمار الأميركتين، وعصور "التنوير" في أوروبا والحربين العالميتين و...؟! يُعد الإطلاع على بعض الأحداث التاريخية مفيد لفهم ما يجري اليوم، فالاطلاع على زمن الانتداب الفرنسي في لبنان وسوريا يكشف الكثير عن نزعة الاستعمار لدى الغرب. ولكن المغالاة في عرض الوقائع وتكرارها في المناهج الدراسية على حساب محطات لبنانية "عظيمة"، ففي ذلك قمّة "الانتقاص" من تاريخ هذا الوطن المشرّف.
ومن هذه المحطات تاريخ انتصار المقاومة على العدو الصهيوني ودحره من أرضها، أليست لهذا الحدث التاريخي من أولوية على كل الأحداث التاريخية السابقة؟ وغيرها من انتصارات وإنجازات المقاومة على امتداد تاريخها.
لا شكّ أنّ المقاومة التي روت الأرض بدماء شهدائها فتحررّت وانتصرت على الجيش "الذي لا يُقهر"، هي اليوم تروي روايتها دون منّة من أحد. صحيح أنّ لها حقًّا علينا أن نحفظ محطاتها، لكن التاريخ الذي يكتبه المنتصرون ــ كما تعلمنا ــ كتبته المقاومة بأبجدية النصر التي حفرت عميقًا في أذهان وعقول كل الأجيال، على أمل أن يحظى كتاب التاريخ اللبناني بشرف المقاومة ويتحرّر من احتلاله.