الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة - ١٠ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة - ١٠ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

وادي الحجير.. التاريخ يُعيد نفسه

كثيرة هي التواريخ والأحداث المهمة في حياه اللبنانيين، كبقيّة شعوب العالم. إلا أن ما حصل في 24 نيسان 1920، يبقى حدثاً بارزاً حاول بعض كتّاب التاريخ تغييبه لأسباب تتعلّق بالاستعمار الفرنسي الذي أشرف على كتابة جزءٍ منه. إنّه مؤتمر وادي الحجير الذي يُعد من أبرز المؤتمرات اللبنانية التي أسّست لمقارعة الاحتلال الفرنسي بإشراف السيد عبد الحسين شرف الدين ووجود الثائرين العامليين أدهم خنجر وصادق حمزة في الوادي نفسه الذي أصبح مقبرة للدبابات الإسرائيلية "وادي الحجير".
وقد عُقد مؤتمر عام على رأس نبع الحجير في يوم السبت في 24 نيسان 1920 للدعوة لمقاومة الاحتلال الفرنسي، وذلك بطلب من العلامة المجاهد عبد الحسين شرف الدين عُرف بمؤتمر "وادي الحجير" وحضره وجهاء وثوار جبل عامل وكان من الحضور المناضلان أدهم خنجر وصادق حمزة.
ظروف عقد المؤتمر
انعقد المؤتمر في ظل مناخ شديد متوتر كانت تعيشه مناطق جبل عامل، بعد قيام الاستعمار الفرنسي على بث الفتن بين المسلمين والمسيحيين  في المنطقة عبر عملائه، والتي كان أخطرها في "صور" يوم 19 نيسان حيث اجتمع شبابها بالمتطوعين مع الفرنسيين من سكان جبل عامل، وأدّى ذلك إلى النفور والشتم والضرب.
وفي الليلة التالية تجمّع عملاء الفرنسيين للرد على الحادث بعمل أثار مشاعر المسلمين إذ هاجموا إحدى المقاهي، ولم يتحاشوا القذف بحق النبي "ص"، ووصل الأمر إلى مرحلة يقول فيها السيد عبد الحسين شرف الدين:" تناهى إلى أسماعنا أنه اُعتدي حتى على بعض الأعراض".
لذلك كان لا بدّ من مؤتمر يُعنى ببحث جذري للعلاقات السياسية والأمنية بين المسيحيين والمسلمين، ويفوّت على الفرنسيين فرصة إشعال فتيل الفتنة الطائفية ويعيد العلاقات بين المسلمين والمسحيين إلى الوئام الذي ساد في جبل عامل منذ عقود.
وهكذا تجمعت العوامل التي دعت إلى عقد مؤتمر تاريخي شامل، يجمع مختلف الفئات والتيارات وتصدر عنه خيارات مصيرية حاسمة حول المواضيع السياسية العالقة ويكون من أهدافه تحديد مصير جبل عامل السياسي، ومنع الفتنة الطائفية، وإعلان الشيعة عن احتضان الأقليات وحمايتها كجزء من مشروع الدولة الوحدوي الكبير، وإعلان الشيعة أيضاُ لوحدويتهم والتأكيد عليها ورفض الانتداب الفرنسي.
مجزرة الميركافا
أسقطت المقاومة الإسلامية رمز الجيش الصهيوني، ونفذ المقاومون مجزرة بدبابات الميركافا بطرازها المتطور من الجيل الرابع، والتي كان يظن جنود الاحتلال أنها تحميهم من قذائف ورصاص المجاهدين، فتحولت إلى تابوت لهم من حديد محترق. ففي موازاة إصدار القرار الدولي رقم 1701 الذي يدعو إلى وقف العمليات الحربية، أقحمت حكومة العدو نحو 130 ألف جندي صهيوني في أكبر عملية إنزال عسكري بهدف "الوصول إلى الليطاني"، وذلك بهدف تحقيق إنجاز عسكري لها على الأرض، وأعلن جيش العدو أن خمسين مروحية نقلت مئات الجنود إلى جنوب لبنان في أكبر عملية منذ حرب العام 1973 والأضخم في تاريخ "إسرائيل".
وكان مجاهدو المقاومة الإسلامية بالمرصاد حيث سطّروا ملاحم بطولية قل نظيرها، وحوّلوا "وادي الحجير" إلى مقبرة لدبابات الميركافا ومحرقة حقيقية للدرع الصهيوني، حيث دمر المقاومون نحو أربعين دبابة وجرافة خلال تقدمها، وظهرت آليات العدو وهي تحترق وصواريخ المقاومة تدمّرها وتنثرها اشلاء، وأسفرت هذه المواجهة عن مقتل ما يزيد على عشرين صهيونياً بين ضابط وجندي وجرح ما يزيد عن 110 جنود آخرين.
التاريخ يعيد نفسه
 التدقيق في تفاصيل مؤتمر وادي الحجير،مقرّ الثوّار والمنطقة البعيدة عن أعين الاحتلال الفرنسي، يفضي إلى نتيجة واضحة "التاريخ يعيد نفسه".
لقد شكّل مؤتمر الحجير الشرارة الأولى لمقارعة الاحتلال الفرنسي عبر المقاومين أدهم خنجر وصادق حمزة، وهو الأمر الذي أفضى بعد حوالي عشرين عاماً ونيف إلى خروج الإحتلال الفرنسي من لبنان، لكن هذا الأمر لم يحصل لولا نقاط ثلاث، قد تتغيّر مع مرور الزمن، في الشكل إلا أنّ مضمونها يبقى واحداً.
النقطة الأولى تتعلّق بالوحدة الوطنيّة لكافّة أطياف الشعب اللبناني والتي تُعدّ ركناً من أركان الانتصار في أي مواجهة، إضافةً إلى رفض التقسيم في لبنان والوطن العربي، نظراً لتأثر الجزء من الكل والعكس، وهو المشروع (التقسيم) المتجدّد اليوم إزاء المنطقة. وفي حين تتعلّق النقطة الثانيّة بضرورة الخيار العسكري في مواجهة الاحتلال دون الاكتراث بتجهيزاته العسكرية، وهو ما فعله أمثال أدهم خنجر وصادق حمزة، فإن النقطة الثالثة والتي ظهرت في بيانات السيد عبد الحسين شرف الدين حينها تتعلّق بمجلس الأمن (عصبة الأمم حينها) التي أظهر عدم تعويله عليها أو اكتراثه بها، بل فرضه للمعادلات الداخلية على هذه المؤسسة الدولية التي تراعي مصالح أعضائها، تماماً كما حصل بعد عدوان تمّوز عام 2006.
ختاماً، يمكننا القول إن المتابع للمرحلة الحالية وتشعباتها يدرك تماماً أن التاريخ يعيد نفسه، فالعدو موجود وحبائل الفتن ممدودة وتنتظر من يمسك بها، ما يجب التركيز عليه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى ووادي الحجير الذي كان شاهداً على هزيمة أعداء لبنان ومحتلّيه بفاصلة زمنية تصل إلى 86 عاماً (من العام 1920 إلى العام 2006) أن الخطوط التي رسمها السيد عبد الحسين شرف الدين في خطابه التاريخي لا تزال سارية المفعول حتّى يومنا هذا.

 

البحث
الأرشيف التاريخي