هل بدأت فرص السلام تتلاشى في اليمن؟
علي ظافر
كاتب ومحلل سياسي
لم تهدأ الحرب في اليمن، في مختلف أشكالها، خلال مرحلة خفض التصعيد. فالإجراءات الأخيرة، التي أقدمت عليها دول العدوان، لا تخدم السلام ولا توحي في الرغبة فيه، إذ إنها إجراءات حرب وليس غير ذلك، بدءاً بحجب نحو أربعين قناة وطنية يمنية عن يوتيوب، إلى تعزيز السعودية مرتزقتها بـ 1.2 مليار دولار وعرقلة ملف المرتبات، وقبلهما تخفيض الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء، وتعقيد ملف الأسرى، والسباق العسكري، بالوكالة عن السعودية والإمارات، في اتجاه باب المندب، فضلاً عن التحركات الأميركية والغربية المشبوهة، والتي تعقّد فرص السلام.
في الأيام الأخيرة وضمن صراع النفوذ العسكري الإماراتي السعودي على باب المندب، دفعت الرياض الفصائل الموالية لها إلى مديريتي المضاربة ورأس العارة، المطلتين على باب المندب، من أجل طرد فصائل الإمارات من هناك، وفرض واقع عسكري جديد، بينما عمدت أبو ظبي إلى تحريك الفصائل الموالية لها، بقيادة طارق عفاش، إلى منطقة طور الباحة، الواقعة جنوبيَّ محافظة لحج وبوابة الدخول لعدن، في مسعى منها للسيطرة على سواحل رأس العارة والمضاربة، وصولاً إلى رأس عمران القريبة من عدن، ولتكون حاجز صدّ إماراتي في مواجهة الفصائل المدعومة سعودياً.
التحركات الأميركية والسعودية والإماراتية تؤكد حقيقة واحدة، هي أن دول العدوان مجتمعة لا تريد السلام، وإنما تستغل الوقت وضبط النفس، الذي تُبديه صنعاء، في مرحلة خفض التصعيد، من أجل تكريس التقسيم وتفتيت اليمن، وتثبيت الحضور العسكري وتكريس الهيمنة، في مقابل وعود فارغة لم يتحقق منها شيء على الصعيد الإنساني من باب أولى، باستثناء اختراق بسيط في ملف السفينة صافر، وإدخال عدد محدود من السفن والرحلات التجارية لمطار صنعاء، على نحو لا يرقى إلى مستوى الحاجة الإنسانية في اليمن المحاصَر والمدمَّر منذ تسعة أعوام.
أما الخيارات العسكرية فيبدو أن ميدانها هذه المرة سيكون في المياه الإقليمية اليمنية، ليس في البحر الأحمر فحسب، بل أيضاً ضمن مسرح عملياتي، ربما يمتد إلى العمق الحيوي لليمن في المحيط الهندي، وقد يشمل شعاع العمليات جزيرتي سقطرى وميون وغيرهما. وهذا ما لمح إليه الرئيس مهدي المشاط، خلال زيارته محافظة المحويت، أواخر الشهر الفائت، عبر قوله إن صنعاء تعتزم، خلال المرحلة المقبلة، "إجراء تجارب في بعض الجزر اليمنية، بإذن الله، فعدونا متغطرس متكبر لا يعرف إلّا لغة القوة، وسنعمل كل ما نستطيع من أجل ردع العدوان".
حتى الآن، لا يمكن أن نجزم بالخيار العسكري، لكنه غير مستبعَد إذا استمرت حالة التعنت في الملفات الإنسانية، وإن استمر التحشيد والتدفق العسكريان والاستخباريان الأجنبيان إلى اليمن. فهذه الأمور من شأنها الإجهاز على ما تبقّى من فرص السلام، ودفع الأمور نحو جولة جديدة وقاسية من الحرب العسكرية، بالغة التكلفة اقتصادياً على دول العدوان، بما فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا، حتى تعود الأمور إلى نصابها، ويستعيد اليمنيون حياتهم بصورة طبيعية وعبر سلام حقيقي دائم وعادل.