الكيان الصهيوني.. تصدّعات في طريق الإنهيار
شرحبيل غريب
كاتب ومحلل سياسي
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية خبراً جديداً يكشف عمق الأزمة السياسية التي تعصف بـ"إسرائيل" وتوسعها أكثر مما هي عليه الآن، ليس على المستوى الشعبي أو المعارضة الإسرائيلية، كما هو معروف، بل على مستوى شخصية أمنية إسرائيلية رفيعة داخل الائتلاف الإسرائيلي، يوآف غالانت وزير الأمن في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والذي خرج عن صمته بعد لقاء جمعه بمسؤول أميركي عسكري، ليدلي بتصريحات جديدة إزاء ما آلت إليه الأوضاع داخل "إسرائيل" من شرخ متفاقم وانقسام سياسي حاد بعد تمرير التعديلات القضائية مؤخراً. وقد شنّ غالانت، في تصريحاته، انتقادات لاذعة ضدّ مجموعة من وزراء الليكود المتشددين، وحمّلهم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في "إسرائيل"، إلى درجة أوصلت الحال إلى انقسام، سياسياً ومجتمعياً، وأوصلت الجيش إلى حالة من الاستنكاف وبداية التمرد والتفكك، أمام إصرار نتنياهو وفريق الليكود وأعضاء ائتلافه على إلغاء بند "حجة المعقولية" من دون الالتفات إلى القضايا الكبرى، وهو ما أوصل المشهد في "إسرائيل" إلى مفترق طرق خطير، بات من الصعب معالجته.
رفضُ بنيامين نتنياهو التعهد بشأن التزام قرار المحكمة العليا في حال إلغائها قانون "حجة المعقولية"، الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي مؤخراً، سيزيد في المشهد الداخلي الإسرائيلي تعقيداً. وأمام الرسائل التحذيرية الأربع، والتي أرسلتها الاستخبارات الإسرائيلية إلى نتنياهو شخصياً، وصفت هذه الرسائل بغير المسبوقة أمام ما آلت إليه الأوضاع في "إسرائيل" من جراء تأكّل الردع أمام حزب الله، وبفعل عوامل خارجية معروفة والتصدع الداخلي في "إسرائيل" كحدث مستجد له انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي في "إسرائيل". كما أن النظام السياسي في "إسرائيل" لم يعد قادراً على توفير حلول للخلافات المتفاقمة، والتي تعصف بالمكونات السياسية والبنيوية للمجتمع الإسرائيلي، في وقت باتت حدة الخلافات تشير إلى أنها ستكون المفجر المقبل، إذ إن تمرير التعديلات القضائية سيطبق على نطاق واسع، على نحو يحقق ويضمن مصالح الفئات الاجتماعية المحسوبة على مؤيدي حكومة نتنياهو، وتحديداً التيار الديني المتشدد، سواءٌ كان تياراً قومياً، أو حتى ما يعرف بـ"التيار الحريدي".
إن أزمة التعديلات القضائية ليست الأزمة الوحيدة التي تعصف بـ"إسرائيل"، وبات واضحاً أن هناك أزمات متعددة يتحدث عنها قادة كيان الاحتلال أنفسهم، تتعلق بالحرب الأهلية وخراب الهيكل وانهيار "إسرائيل" من الداخل، من جهة، ثم الأزمة التي يتم الحديث عنها، والتي تتمحور حول التهديد الأكبر لتركيبة المجتمع في "إسرائيل" أمام الأصوات المتعالية لشخصيات دينية متشددة من أجل إعادة تعريف اليهودي داخل "إسرائيل"، وهو ما يعكس تكريس سياسة التمييز واستحضار هوية تعريف جديدة للصهيونية الدينية في "إسرائيل". وتمرير التعديلات القضائية والإصرار عليها، من جانب بنيامين نتنياهو وائتلافه، سيفتحان مآلات الأوضاع في "إسرائيل" إلى مسارات جديدة للمواجهة بين مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية في "إسرائيل"، سواءٌ على صعيد الحكومة ومستقبلها، أو المعارضة وما تشكله من قاعدة جماهيرية عريضة وواسعة، تدلّ الإشارات الأولية على قدرتها على التأثير في مجريات الأوضاع داخل "إسرائيل".
كذلك فإن سيناريو الحرب الأهلية ما زال قائماً بفعل مجمل المعطيات الحالية في "إسرائيل"، وهذا السيناريو لم يستبعده رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية السابق، نداف أرغمان، الذي عبّر عن إمكان تفجر حرب أهلية في "إسرائيل". وهذا ما يخشاه الإسرائيليون اليوم، وتعزّز ذلك في استطلاع الرأي الأخير، الذي قال إن أغلبية الإسرائيليين تخشى الحرب الأهلية، وربعهم يفكر في ترك "إسرائيل" والهجرة منها. كما وأفرز الاستطلاع الأخير، الذي أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن ما نسبته 58٪ يخشون أن يؤدي الانقسام في "الداخل الإسرائيلي" إلى حرب أهلية، بينما أظهر الاستطلاع أن نصف السكان في "إسرائيل" يخشون أن يؤدي "التشريع القانوني" إلى عدم الكفاءة في الجيش الإسرائيلي.