حتى تكون أباً ناجحاً ومربياً عظيماً
ابراهيم الكحلاني
الآباء نموذج وقدوة لبناء العلاقات العائلية الشخصية والتي ينشأ عليها الطفل، وفيما يجري اليوم من المفهوم العصري لمفهوم الأب أنه بالمقام الأول يعيل أبناءه فهل مقولة (يستطيع كل إنسان أن يكون أباً ناجحاً، ولكن لا يستطيع كل أب أن يكون مربياً ناجحاً)، ففي عصرنا الحالي الآباء متمسكون بالدور التقليدي، فهم الذين يعتبرون أن رعاية الأطفال والاهتمام بهم وتربيتهم من نصيب الأم.
إلا أن النموذج التقليدي للأبوة يتعرض اليوم لتبدلات جوهرية، فمجتمعنا اليوم يريد أن يرى في الأب مربياً للجيل الناشئ يؤدي هذه المهمة على قدم المساواة مع الأم، بمعنى أن المجتمع يطالب الرجل بأن يتولى في العائلة الدور نفسه الذي تؤديه المرأة في الواقع. وفي هذا الصدد وضع المختص بالتنمية البشرية من اليمن ابراهيم الكحلاني مجموعة من النقاط المهمة التي تساعد الاب بان يكون اباً ناجحاً ومربياً عظيماً:
١- لا تيأس من صلاح ولدك مهما كانت أخلاقه سيئة، ولا تجعل ذلك يدفعك للتخلي عن مسؤوليتك الأبوية في التربية؛ وتذكّر المربي العظيم نوح عليه السلام مع ابنه سيء الخُلق عندما قال له: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ)، فلم يُصَبْ باليأس أو يتنصل عن مسؤوليته الأبوية متعذراً بعدم صلاح ابنه، بل ظل متمسكاً بالأمل ومتحملاً لمسؤوليته الأبوية حتى آخر اللحظات.
٢- لا تنسَ زرع بذور المحبة والتكاتف بين أبنائك، واهتمام كل واحد منهم بشؤون الآخر، مهما كانت العلاقة بينهم متوترة؛ وقدوتك في ذلك المربي العظيم يعقوب النبي كيف حرص على هذا المبدأ عندما خاطب أبناءه بقوله: «يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ الله»، فرغم ما فعلوه بيوسف من قبل لم يمنعه ذلك من مخاطبة مشاعر الأخوة الدفينة في أعماق نفوسهم.
٣- لا تصدر نصائح جافة لولدك دون أن توضح له ثمرة العمل بنصيحتك تلك.. تأمل معي حكمة لقمان الرائعة عندما كان يصدر نصائحه لولده:
- «يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِالله»؛ ولماذا يا أبتي؟.. «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْـمٌ عَظِيمٌ».
- ︎«يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ»؛ وما ثمرة نصائحك تلك يا أبتي؟.. (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
- «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ»؛ ولماذا؟.. «إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ».
٤- لا تفرض أوامرك على ولدك في الأمور التي تخصه، وفي الأمور التي يتوقف نجاحك فيها مشاركته الضرورية معك؛ واستخدم معه أسلوب الاستشارة، فهي أضمن وأنجح لتفاعله معك.. فهذا الأب الرحيم والمربي العظيم إبراهيم الخليل عليه السلام حدثت له حادثة يتطلب لنجاحها موافقة ابنه عليها؛ «قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْـمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ».. لم يقم بفرض الأمر على ابنه، ولم يقم بتكتيفه وربطه مباشرة امتثالاً لأمر الله، بل قام بطرح الأمر عليه بكل مصداقية ورحابة صدر، لأن هذا الأمر يخص ولده أيضاً، ولذلك قال له: «فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى»؟.. فكانت النتيجة ورد الابن لأبيه، هي: «قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ».
٥- لا تتحول إلى مفتش ومحقق مع ولدك حرصاً على هدايته، فإنك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء، واكتفِ أنت بشده إلى الله وحسب، فرقابة الله دائمة ورقابتك أنت مؤقتة، وقدوتك في ذلك الأب الذكي لقمان الحكيم: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا الله».
٦- لا تتحول إلى غريم وعدو مع أبنائك مهما صدر منهم، وأَقْبِل عليهم بصدر رحب متى ما رأيت منهم البوادر الصادقة في الرجوع والاعتذار.. فهؤلاء أبناء يعقوب قد جاؤوا أباهم وهم يحملون معهم رسالة اعتذار واعتراف؛ «قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ».. عندها لم يقم الأب المكلوم من جرح أبنائه القديم بنبش ملفات الماضي، بل تجاوز تلك الحالة رغم مرارتها، وكانت فرحته برجوعهم وتوبتهم أكبر من ألمه بفعلتهم وجريرتهم، فقام على الفور باحتوائهم وقبول اعتذارهم بدون قيد أو شرط، قائلاً لهم: «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي».
٧- اضبط ميزان الحرارة بداخلك:
- ︎وأظهر عواطفك أحياناً.. «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ».
- واعترف بانحراف عواطفك أحياناً أخرى.. فهذا نوح عليه السلام عندما علم بانحراف عواطفه؛ «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ».. قام على الفور بالتغلب عليها؛ «قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْـمٌ».