الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وتسعون - ٣٠ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وتسعون - ٣٠ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ٦

نبذ الاكراه وتوطين الاختيار الاجتماعي

مرتضى معاش
كاتب
يتشكل الإنسان في بنائه وتطويره وإنضاجه من خلال تفكيره الحر، وحرية اختياراته في الحياة، وقدرته في اتخاذ القرار، في سلوك طريق الخير أو الشر، ومن خلال حريته يجرب ويتعلم وينضج ويسترشد ويرشد.
وقد جاءت توجيهات أهل البيت (عليهم السلام) من أجل ترشيد الإنسان وتنضيجه للوصول به إلى الكمال والتقدم في الحياة، فمع اختيار الإنسان وحريته وعدم إكراهه سوف ينمو ويتطور ويتقدم، لكنه مع الإكراه ينحرف، ويصبح سقيما عقائديا ونفسيا وأخلاقيا في حياته.
إن الاعتدال في أحد معانيه هو نفي الإكراه، وعدم تعرّض الإنسان للإكراه حتى يصبح معتدلا وسائرا في الطريق المستقيم، وعدم الانحراف، هذا الاعتدال الذي يتقوَّم بنفي الإكراه، يساعد الإنسان على النمو والنضج والتقدم في حياته، وتكامل عقله وتطوره النفسي والروحي والأخلاقي.
والإكراه يؤدي بالإنسان إلى انهيارات أخلاقية متصاعدة بسبب الصدمات التي يرسخها ويخلفها في النفس، حيث يؤدي به إلى أنه يتصدّع نفسيا ويصبح هشّا ضعيفا، تتآكله الأمراض النفسية والأخلاقية.
فالإكراه يؤدي من الناحية النفسية إلى مجموعة من المشكلات وهي:
أولا: يستولد أجيالا متمردة
يؤدي إلى عناد الإنسان وتمرده تمردا سلبيا، لأنه يرى أن هذا الإكراه يفرض عليه أسلوبا في التفكير والحياة، سواء كان متمردا ظاهريا او خفيّا، فيصبح معاديا وضد المجتمع الذي يجبره أو يكرهه على أسلوب أو نمط تفكير معين.
فتوالد الأجيال المتمردة في مختلف المجتمعات هو نتيجة لاختلالات مجتمعية متعددة، تفرض عليها أساليب حياة غير مقتنعة بها، نتيجة لغياب الاقناع القائم على التفكير الحر.
لذلك نلاحظ وجود التناقض في مختلف المجتمعات بين الأجيال، فالجيل الجديد يتمرد على الجيل القديم ويصبح هناك تصدعا اجتماعيا وأخلاقيا أيضا، عندما يرفض القبول بإكراه الجيل القديم له، ومع رفضه لإكراه المكرِه في شيء معين، فإنه سوف يرفض ويتمرد على كل شيء حتى لو كان صحيحا.
ان الإكراه يؤدي إلى صناعة تمرد جامد متصلّب، تجاه المكرِه والقائم بالإكراه، لذلك لابد أن يتلقى الإنسان التربية الصحيحة والسليمة، تقوم على عملية الاقناع والاقتناع، وتؤكد الآية القرآنية الكريمة على هذا المطلب (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ).

ثانيا: استيطان الخوف
فمن مشكلات الاكراه النفسية ونتائجه الخطيرة هو استيطان الخوف في البناء الاجتماعي، وإنتاج الانسان الخائف، ومع الخوف يأتي الجبن، الذي سيجعله منافقا، أي تكون شخصيته مزدوجة، شخصية ظاهرة، وأخرى باطنة، فتراه يؤمن بشيء لكنه يُظهر شيئا آخر مختلف، ولهذا فإن النفاق من السلبيات الكبيرة التي تنتج عن الإكراه.
إن الإنسان الذي يتربى على هذا الأسلوب في حياته، يصبح شخصية غير مستقيمة، ولا توجد ثوابت فيه، لذلك يصبح شخصية انتهازية ازدواجية، وعندما تقرأ منتَج ثقافة الاستبداد، ستجد بأنه ينتج النفاق، والازدواجية في السلوك، بما يؤدي إلى تشكيل شخصية مريضة أخلاقيا، متلوّنة، متلاعبة، لا يوجد فيها ركيزة أخلاقية يستند إليها هذا النوع من الافراد.

ثالثا: الاكراه يستولد القلق
وهو من ضمن الأمراض الأخلاقية التي ينتجها هذا الإكراه، حيث يصبح الإنسان خائفا وقلِقا، فالخوف ينتج القلق، فيكون الإنسان غير مستقر، وغالبا ما يشعر بالضيق، وبعدم الثبات، مع غياب الاستقرار النفسي، وتراه يخاف من الغد بشكل دائم، ويخشى من المستقبل، لأن الخوف من البواعث القوية التي تقوم بتوليد القلق، حيث يفقد المكرِه ارادته وقدرته على الاختيار.
حتى المكرِه الذي يمارس الاكراه يصبح ضحية لإكراهه، حيث هدفه أن يهيمن على الآخر، فيستخدم آلات الإكراه ضد المكرَه، فيكون كلا الطرفين يعيشان القلق، مثلا عندما يفكر الإنسان بأن عدوه يمتلك سلاحا، فيؤدي به الوهم إلى الخوف والقلق، لأن صاحب السلاح قد يؤذيه، فنلاحظ أنه يعيش حالة القلق بصورة دائمة، وهذا القلق يعد من أسوأ الأمراض النفسية التي يعيشها الإنسان، وخصوصا الإنسان المعاصر.
رابعا: الإكراه استلاب للشخصية
كذلك يؤدي الإكراه إلى فقدان تقدير الذات، وفي هذه الحالة لا يشعر الإنسان بوجوده ولا بذاته ولا بحقيقته، ولا باستقلاليته الذاتية، بل يشعر بأنه لا قيمة له، لأن الإكراه عبارة عن عملية استلاب لشخصية الإنسان وقدرته على الاختيار وعلى التفكير وعلى التعقل، فلذلك يسلب المكرِه تقدير الذات للمكرَه على هذا الفعل، فيتم تدمير تقدير الذات عند الإنسان المكرَه، ولا يشعر بذاته، بل يشعر بالكراهية الداخلية لنفسه، وبالتالي تتزعزع ذاته ويصبح هشّا ومريضا نفسيا.
خامسا: فقدان الثقة في المجتمع
الإكراه يؤدي إلى فقدان الثقة بالآخرين، فالإنسان المكرَه لا يستطيع أن يُحسن الظن بالآخرين، ولا يثق بهم، لأنه مجبَر ومكرَه على نمط معين من التفكير، وعندما يكون مجبرا على نمط واحد من التفكير، فيشعر دائما بأن الآخر عدو له، والآخر متآمر عليه، فلا يثق بالآخر ويصبح المجتمع متفكّكا إلى جهات وفئات مختلفة، وإلى أشخاص متعارضين، ومتناقضين وغير منسجمين فيما بينهم.

سادسا: فقدان الشعور بجدوائية الحياة
بل يشعر بالعدمية، لأن هذا الإكراه يؤدي إلى سلب الهدف والغاية من الحياة، الآباء في بعض الأحيان لا يفهمون هذه القضية، فيقومون بعملية التربية الإكراهية لأبنائهم، لأنهم لا يفهمون خطورة هذا النوع من التربية، فيجبر ابنه على نوع معين من السلوك، فهذا الإنسان الذي يكون مجبَر على نوع محدّد من الحياة، سوف يتربى على عدم جدوائية هذه الحياة، وعدم وجود غاية فيها.
كالإنسان الذي يشعر بالنتيجة أنه لم يتخذ القرار الصحيح في الحياة، لأنه تربَّى على عدم الاستقلالية وعدم اتخاذ القرار الصحيح، فإنه يشعر بأن الحياة غير مجدية، فهو لم ينمُ نموا صحيحا تصاعديا تراكميا يؤدي به إلى أنه يكون مستقلا في حياته وفي تفكيره، كالابن الذي يجبره الأب منذ طفولته على أن يدرس دراسة خاصة معينة وهو غير راغب بها، فعندما يصل إلى مرتبة متقدمة من العمر، يشعر إنه لم ينلْ الفرصة الكافية في حياته.
قد يصبح طبيبا أو مهندسا أو أي مهنة في الحياة رغما عنه، بالتربية القسرية والإكراهية، لذلك يبقى يشعر بأنه لم يحقق شيئا جيدا في حياته، لأن هذه الحياة ليست مجدية له، فتنتابه حالة من العدمية، وفقدان الأمل والرؤية الإيجابية في الحياة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي