في ظل تغير الظروف السياسية...
الإتحاد الجمركي التركي الأوروبي.. هل حان وقت التحديث؟
سيشهد يوم غد اجتماعا لوزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي حيث سيتم بحث سبل إمكانية تعزيز علاقاتهم مع تركيا في ظل عدم إمكانية تقديم عرض جدي للإنضمام إلى الإتحاد حاليا بسبب معوقات كثيرة، و يأتي هذا الإجتماع بعد القمة الأخيرة لحلف الناتو التي عقدت في ليتوانيا، و التي شهدت مواقف إيجابية من تركيا اتجاه القضايا العالقة مع أوروبا كانضمام السويد إلى حلف الناتو، حيث وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم طلب السويد للانضمام إلى التحالف، و في المقابل ووافقت السويد على دعم الجهود لإعادة تحريك عملية انضمام تركيا، مع المساهمة في الوقت نفسه في تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا و الإتحاد الأوروبي وتحرير التأشيرات بحسب ما أعلن الأمين العام لحلف الأطلسي "ستولتنبرغ" ،و تم التركيز على هاتين القضيتين حيث تعهدت السويد بدعم تحرير التأشيرات وتحديث اتحاد الجمارك التركي الاوروبي، ضمن التزام أوسع لدعم جهود "إحياء" عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يبدو أن تحرير التأشيرات غير مرجح في المستقبل القريب، و لكن من ناحية أخرى، فإن تحديث الإتحاد الجمركي الذي تأخر منذ فترة طويلة ليس فقط ممكناً، بل إنه الملف الأكثر أهمية بالنسبة لأنقرة، حيث ترغب في أن يتم إحراز تقدم في هذا الملف، لاسيما أنه على مدى سنوات تمت عرقلته من قبل دول الإتحاد.
اتفاقيات التجارة أداة جيوسياسية
بدأ العمل بالإتحاد الجمركي بين تركيا و أوروبا في العام 1996 بعد مفاوضات استمرت لمدة عامين بين الطرفين، و على إثره ألغيت الرسوم الجمركية في تجارة السلع الصناعية، وأُلغي تقييد كميات البضائع، وبدأ تطبيق تعرفة جمركية مشتركة، و على الرغم من أن تركيا قد حققت مكاسب جيدة من هذا الإتحاد، إلا أنه الأن يعاني من العديد من المشاكل البنيوية مع تطور هيكلية التجارة الحالية، و هذا بالإضافة إلى أن تركيا ليست طرفا مباشرا في اتفاقيات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى، و لا يتم إشراكها في آليات التشاور وصنع القرار المتعلقة بالاتحاد الجمركي، و على الرغم من المطالبات التركية المتكررة بضرورة تحديث الإتفاق، إلا أن دول الإتحاد الأوروبي كانت تعارض هذا الأمر و تستعمله كأداة لإبتزاز تركيا في القضايا السياسية و النزاعات الإقليمية ، تحت ذريعة تراجع الأداء التركي في ملفات حقوق الإنسان وسيادة القانون، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أقدم على إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول ثالثة ليست لديها سجل جيد في هذه القضايا "من المنظور الأوروبي" ففي عام 2019، وبعد 12 يوماً فقط من إعادة تأكيد دول الاتحاد الأوروبي التزامها بهذه القيم، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارة حرة مع جمهورية فيتنام الاشتراكية ، و على إثرها تم إلغاء 99% من الرسوم الجمركية وتخفيض الحواجز التنظيمية و العوائق البيروقراطية، و كذلك وقع الاتحاد الأوروبي الأسبوع الفائت اتفاقاً مع تونس في مجالات التجارة والاستثمار، كما قامت رئيسة المفوضية الأوروبية بعد شهرين من الحرب الروسية الأوكرانية بالسفر إلى نيودلهي لإعادة إطلاق المفاوضات لاتفاقية تجارة الاتحاد الأوروبي مع الهند، في محاولة لدفع حليف روسيا نحو الغرب، أما الأن و مع تغير الظروف السياسية فإن تركيا أصبحت قادرة على لعب بعض الأوراق للحصول على مكاسب من الغرب و من بينها قضية موافقتها على انضمام السويد إلى حلف الناتو و التي سيجري التصويت عليها في البرلمان التركي تزامنا مع الإجتماع الأوروبي.
إنقاذ الإقتصاد التركي المتداعي
لم تكن المفاجئة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا بموافقته على انضمام السويد إلى حلف الناتو، إلا رغبة منه بتحسين علاقته مع الغرب بغية انقاذ الإقتصاد التركي المتداعي، فمعدل التضخم في تركيا تجاوز ال 40% ، و تحديث اتفاقية الإتحاد الجمركي مع الإتحاد الأوروبي من شأنه أن يعطي دفعة قوية للإقتصاد التركي، فبحسب دراسة أجراها البنك الدولي وتركيا والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سابقا، فإنه إذا تم تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي و تركيا، والتي لا تزال تغطي المنتجات الزراعية الصناعية والمعالجة فقط، فإن حجم التجارة بين الجانبين قد تصل إلى 27 مليار يورو، وقد تصل إلى 40 مليار يورو اعتمادا على القطاعات التي قد تغطيها، هذا بالإضافة إلى توقعات بأن تحديث الاتفاق الجمركي سيقدم مساهمة إضافية بنسبة 0.98 بالمئة في معدل نمو تركيا في أسوأ الأحوال، وذلك اعتمادا على القطاعات التي سيغطيها، ومع إدراج الخدمات والمشتريات العامة والمنتجات الزراعية، فإنه يمكن أن يصل هذا المعدل إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.