الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • خوزستان
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وواحد وتسعون - ٢٤ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وواحد وتسعون - ٢٤ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

من مفاخر محافظة خوزستان

أبو هلال العسکري.. ظاهرة أدبية في القرن الرابع الهجري

الوفاق / تتمتع خوزستان بمكانة خاصة من حيث الأدب، وقد قدمت مدن خوزستان مثل شادکان وهویزة وعسکر مکرم، في القرن الرابع الكثير من الأدباء والشعراء في مجال الأدب العربي.
كانت عسكر مكرم من أهم مدن محافظة خوزستان في القرن الرابع الهجري، وقد استضافت العديد من الكُتّاب والأدباء مثل: أبو أحمد العسكري، أبو هلال العسكري، أبو الطيب اللغوي و.. تسبب تدمير هذه المدينة في القرون التالية في نسيان الأهمية الكبيرة لهذه المدينة وأدبائها وکتابها.
ویعد أبو هلال العسکري من مفاخر عسكر مكرم ومحافظة خوزستان، وهو أستاذ فريد في الأدب العربي سواء في الشعر أو النثر أو النقد أو الأمثال.
من الضروري أن يتم تقديم وتعریف هذه الشخصیة الأدبیة بشكل صحيح إلى الأمة الإيرانية والعالم الإسلامي، وفي هذا الإطار قام المؤرخ "عبدالكاظم علي نجاد" بتأليف كتاب "أبو هلال العسكري، الظاهرة الأدبية في القرن الرابع الهجري" .
من هو أبو هلال العسکري؟
أبو هلال العسكري؛ حسن بن عبد الله بن سهل (ت 400 هـ / 1010 م)، شاعر، أدیب، كاتب، لغوي وأستاذ في الصناعات الشعریة، من المحتمل أنه ولد في أوائل القرن الرابع في عسكر مكرم (التي کانت تعد من  مدن محافظة خوزستان سابقاً).
وتخرّج من مدینة عسکر مکرم عدة علماء، ربما کان أبو هلال وأستاذه أبو أحمد أشهرهم. ولاشک في أن هذه المدینة کانت إیرانیة، ویبدو أن أبا هلال، کان یعتبر الفارسیة لغته الأصلیة کما سنری في دراسة کتابه التلخیص. یبدو أن أبا هلال قضی معظم حیاته في عسکر مکرم، وألّف جمیع آثاره القیمة فیها أیضاً، ولکننا لا نعلم لماذا لم یهتم به المؤلفون القدامى کما یستحق.
وبعد مایقرب من قرنین بعد أبي هلال العسکري عمد یاقوت إلی تتبع أحواله، ویمکن القول إن جمیع ما وصلنا عنه من معلومات کان بفضل هذا التتبع، إلا أنها قلیلة، ولا یمکننا إستناداً إلیها تقدیم ترجمة واضحة تماماً لهذا الکاتب الکبیر. ولم تقدّم المصادر بعده مطلقاً معلومات جدیدة عن أحواله، وعلی سبیل المثال، فلم یقدّم عبدالقادر البغدادي شیئاً جدیداً سوی تکرار روایات یاقوت.
ولیس للمصادر الأخری مثل الإربلي والنویري والصفدي والسیوطي أهمیة سوی ذکر أسماء کتبه وبعض أشعاره، والعجیب أن المؤرخین الکبار مثل ابن خلکان وابن الجوزي وابن کثیر وابن العماد، بل وحتی الثعالبي في یتیمته قد امتنعوا حتی عن ذکر اسمه.
إلا أن الشخص الوحید الذي یدین له أبو هلال بحق التتلمذ، هو أبو أحمد العسکري، وقد أصبح في فترة شباب أبي هلال الأستاذ الأوحد لعسکر مکرم، بل ولمعظم أرجاء خوزستان، وقد أغنت الخلفیة العلمیة لأبي أحمد التلمیذ الشاب عن الکثیر من الأسفار بحیث إنه کان ینقل عن أبي أحمد الکثیر من المواد العلمیة التي کان یحتاج إلیها في تألیف کتبه، ولذلک فإن مجموعة آثار أبي أحمد تشبه إلی حدٍ ما مجموعة تألیفات أبي هلال.
ولعل أحد أسباب عدم إشتهار أبي هلال، شهرة أستاذه وعظمته العلمیة، وبالإضافة إلی ذلک فإن إسمهما ونسبهما کانا متماثلین، حتی إن یاقوتاً (الأدباء، ۸/۲۵۸) رأی من الأصلح أن ینبه القرَاء، ویقول نقلاً عن السلفي: إذا ذکرنا الحسن بن عبدالله العسکري الأدیب، فإن المقصود هو أبو هلال .
وقد بلغ القرب بین التلمیذ والأستاذ حداً بحیث إن البعض تصور أن أن هلال هو ابن اخت أبي أحمد، إلا أنه لایوجد أي دلیل یثبت هذا الإدعاء، ولاشک في أن أبا هلال رأی علماء آخرین أیضاً بالإضافة إلی أبي أحمد.
ویبدو أن أبا هلال کان مجداً إلی حد بعید في طلب العلم، وهو یشیر في مقطوعة نظّمها في وصف الشتاء إلی اللیالي الطویلة التي قضاها في الدراسة، وتعلّم الفقه والشعر والنحو والحدیث، ولکن یبدو أنه لم یستطع أبداً أن یحصل علی مردود مادي من العلم الذي کان قد تعلمه، وأن یشتغل في موضع بالتدریس لکسب معاشه، ویشیر الباخرزي إلی عمل "هذا الرجل الفاضل" الذي کان منشغلاً ببیع وشراء البضائع في السوق، وهو یأسف
لذلک کثیراً.
وعلی أیة حال، فمما لاشک فیه أنه عمل لفترة في بیع وشراء البضائع في السوق، ذلک لأنه یتأوه في مقطوعة شعریة، ربما تکون أصدق أشعاره وأکثرها آثارة للحزن، من أن یجلس مثله في السوق، وینشغل ببیع وشراء البضائع، فیقول:
جُلوسي في سوق أبیع وأشتري
دلیل علی أنّ الأنام قرود
وَلَا خير في قومٍ تذل كرامـهم
ويعظم فيـهم نذلـهم ويسـود
ویهجوهمُ عني رثـاثةُ کـسوتي
هجاءً قبیحاً ما علیه مزید
(دیوان، ۹۷).
وبالطبع فإن أبا هلال لم ینل من هذا العمل راحة العیش، فقد کان یصف أحیاناً ضیق ذات یده، وسخطه علی أوضاعه، وذلک في أبیات یصرخ فیها، قائلاً:
فأین انتفاعي بالأصالة والحِجی
وما ربحت کفي من العلم والحِکَم
ومن ذا الذي في الناس یُبصر حالتي
فلا یلعـن القـرطاسَ والحبرَ والقلم
عند من تتلمذ أبي هلال العسکري؟
لاشک في أن عم أبیه الحسن بن سعید کان له أیضاً دور في تعلیمه خاصة وأنه قد نقل لمرات عدیدة في آثاره روایات عنه إلا أن الشخص الوحید الذي یدین له أبو هلال بحق التتلمذ هو أبو أحمد العسکري (ن.ع)، وقد أصبح في فترة شباب أبي هلال الأستاذ الأوحد لعسکر مکرم، بل ولمعظم أرجاء خوزستان.
وقد أغنت الخلفیة العلمیة لأبي أحمد التلمیذ الشاب عن الکثیر من الأسفار بحیث إنه کان ینقل عن أبي أحمد الکثیر من المواد العلمیة التي کان یحتاج إلیها في تألیف کتبه، ولذلک فإن مجموعة آثار أبي أحمد تشبه إلی حدما مجموعة تألیفات أبي هلال.
ولاشک في أن أبا هلال رأی علماء آخرین أیضاً بالإضافة إلی أبي أحمد؛ وقد وجد "قنازع" أسماء ۹ أشخاص کانوا المصدر المباشر لاقتباساته، إلا أننا لانعرف أیاً منهم.
تلامذة أبي هلال العسکري
وقد ذکر الباخرزي  ویاقوت، أسماء خمسة أشخاص تلقوا العلم عنه، إلا أن أکثرهم غیر معروفین في الغالب، ولا نعرف منهم سوی شخصین: أحدهما أبو سعید السمّان الذي کان معتزلیاً، وعالماً بالفقه والحدیث والقراءات، والآخر أبو إسحاق إبراهیم بن علي الذي کان نحویاً لغویاً، ودرس لدی أبي علي الفارسي والسیرافي.
شعر أبي هلال العسکري
یعد شعر أبي هلال بصورة عامة جمیلاً سلساً، وجزلاً متیناً، ویبدو نظم شعره بهذه السلاسة عجیباً من رجل بهذه النزعة المتصنعة.
وللأسف فقد ضاع دیوان شعره الذي ذکره السیوطي، إلا أن المجموعة التي أعدت من المصادر المختلفة وخاصة من آثاره (لاسیما دیوان المعاني) تعد مجموعة تستحق القراءة وجمیلة.
وهو یبدو في هذه الأشعار شخصیة مغرورة أبیّة، لا یمیل إلی المدائح المبالغة، ویشکو بکل صدق من الفقر، إلا أنه یعرف جیداً درجته الرفیعة في دنیا العلم، ولأنه یری ذلک الفقر یتنافی مع مکانته العلمیة الکبیرة، فإنه یعمد دون شک إلی انتقاد الدهر والمجتمع وخاصة لؤماء العالم، ولاشک في أن هذا المضمون هو الذي دفعه إلی أن ینظم أجمل أشعاره.
ومن بین أغراض شعره الأخری تلک المعاني التقلیدیة: الأوصاف العدیدة للحدائق والورود والفواکه والجبال والسهول والأوصاف المتنوعة للقمر والشمس والنجوم والطیور.
وبما أن الفارسیة کانت لغته الأم، فلیس من الغریب أن یستعمل بعض الکلمات الفارسیة - علی أسلوب أبي نواس -إلا أنه سعی إلی تجنب مثل هذه الکلمات.
ومع کل ذلک، فهو یضطر في المواضع التي یتطرق فیها إلی الأغراض الجدیدة - کما هو حال المحدثین - إلی استخدام الکلمات الفارسیة، ومن أطرف المفردات الفارسیة التي نلاحظ في دیوانه، وقد أعجب الکتّاب القدامی بشعره، وکان الناس یروونه بعد موته بقلیل في مدینتي شوش وشوشتر.
ولأن أبا هلال نفسه کان یحیط علماً بقیمة شعره، فإنه لم یأب من الاستشهاد بأشعاره إلی جانب أشعار شعراء کبار، ولذلک فإن غالبیة الأشعار التي وصلتنا منه هي نفسها التي نقلها في کتبه (وخاصة دیان المعاني)، وقد جمع جورج قنازع من هذه الأبیات والمقطوعات دیواناً یشتمل تقریباً علی ۱,۶۰۰ بیت وهو ناقص.
آثار أبي هلال العسکري
تشير أعمال أبي هلال العسکري العديدة والمتنوعة إلى اتساع نطاق معرفته. تم سرد أعماله في معظم المصادر القديمة، ولكن لیس  بشکل کامل، في عام 1975 أعد "جورج قنازع" قائمة شاملة لأعمال أبي هلال العسکري، وهي ثلاثة أنواع:
الف - المطبوعة: الأوائل، التلخيص في معرفة أسماء الأشياء ونعوتها، أو التلخيص في اللغة، جمهرة الأمثال، دیوانه الشعري، ديوان المعاني، شرح دیوان ابي محجن الثقفي، الصناعتين، الكتابة والشعر، أو صناعتي النظم والنثر، أو صنعة الكلام، الفروق اللغوية، أو الفروق بين المعاني، أو الفروق في اللغة، فضل العطاء (فضل الاعطاء بافضل الغناء) على العسر، الكُرَماء، المعجم في بقية الأشياء، أو اسماء بقية الأشياء.
ب- الخطیة : الحث على طلب العلم.
ج- الآثار التي لن یتم العثور علیها: التبصرة، الدرهم والدينار، أو مفاخرة الدرهم و الدينار، رسالة في العزلة والاستئناس بالوحدة، شرح الفصيح، العمدة، ما تَلحَنُ فيه الخاصة، المحاسن في تفسير القرآن، كتاب الوتر.
أبو هلال والصناعتان
اشتهر أبو هلال قبل کل شيء بکتاب الصناعتین، ذلک لأننا ربما نستطیع أن نضع هذا الکتاب علی قمة المسار الذي رسم لتاریخ النقد الأدبي.
فالنقد الذي بدأ في القرنین الأول والثاني للهجرة بأحکام مثل "هو أشعر العرب"، قد اتخذ شکلاً جدیداً في کتابي طبقات ابن سلام وابن قتیبة، والأسلوب الذي اعتمداه في کیفیة اختیارهم وتصنیفهم، وقد أشار الجاحظ أیضاً إلی بعض أصوله العلمیة، وعرض ابن المعتز في کتاب البدیع قوالب أکثر وضوحاً وسعة للنقد والصناعات اللفظیة.
کما عمد ابن طباطبا إلی البحث في معاییر الشعر، وسعی قدامة ابن جعفر أخیراً متأثراً بخطابة أرسطو والمقاییس المنطقیة والفلسفیة الیونانیة الأخری التي ترجمت إلی العربیة آنذاک لیضع جانباً المقاییس العاطفیة والذوقیة للنقد، ویحل محلها المقاییس المنطقیة الجافة، إلا أن الآمدي في الموازنة، والجرجاني في الوساطة، فضّلا مرة أخری الإحساس اللغوي الأصیل والعاطفة الفنیة وکذلک المقارنة بین المعطیات الأدبیة علی الأصول المنطقیة لقدامة.
 وقد أطلع أبو هلال الذي یقع في نهایة هذه السلسلة، علی جمیع تلک الآثار ووعاها جیداً، کما أن القسم الأکبر من کتابه نُقول لآراء السابقین، ولکن یبدو من کتاب الصناعتین أنه ابتعد شیئاً فشیئاً عن النقد العاطفي والفني، وفضل علیهما القوالب الفنیة للصناعة، ولذلک تجلی أثر ابن المعتز، بل وحتی قدامة بشکل أوضح في کتابه.
کما أن أکثر الأشخاص قیمة لدیه في کتابه هذا، هم أصحاب الصناعة مثل أبي تمام و الصاحب، وقد تتخذ العنایة بالصنعة وتمییز جید الشعر من غثه استناداً إلی المقاییس البدیعیة، في أعماله أبعاداً مدهشة ومبالغاً فیها، وقد أدی ذلک إلی أن یعتبر مندور کتابه بلاغیاً فحسب، ولیس في النقد الأدبي، وأن یصفه بأنه نقطة البدء في فساد الذوق في النقد، ذلک لأنه یری أن أبا هلال تسبب بهذا الکتاب في أن یعطي النقدُ الحقیقي للأدب مکانه إلی البلاغة وقیاسات الصنعة. کما أن علمه هو الذي أدی إلی بقاء "نقد الشعر" علی أسلوب قدامة حیاً؛ وقصاری مایفتخر به أبو هلال هو أنه بلغ بـ "أنواع البدیع" إلی ۳۵ نوعاً، أي أنه أضاف إلیها ۶ أنواع.
 وکان الهدف من الصناعات اللفظیة منذ البدء بیان الجوانب الفنیة للقرآن الکریم، وإثبات إعجازه بالتالي، وکان أبو هلال عازماً علی أن یکشف أولاً عن المحسنات البدیعیة في الآیات الإلهیة، ومع کل ذلک، فإن کتابه هذا من وجهة نظر طبانة و مندور،  کتاب في تعلیم الصناعة، وهو في رأي مبارک کتاب أدب، لأنه یشتمل علی مجموعة ضخمة من أجمل آثار الشعر والنثر العربیین.

 

البحث
الأرشيف التاريخي