ميلاد «دقة» في حكايات «غسان كنفاني» (2-2)
مها زيادة
باحثة فلسطينية
ميلاد دقة... القنديل الصغير
في حكاية "القنديل الصغير"، قدم كنفاني صورة فريدة للطفولة، جعل فيها الطفل الفلسطيني مفتاح الأمل في التحرير. تنصب الحكاية على قصة ابنة الملك الصغيرة التي يتوفى والدها، تاركاً لها وصية عليها أن تنفذها لتصبح ملكة، "كي تصبحي ملكة يجب أن تحملي الشمس إلى القصر... وإلا فستقضين حياتك في صندوق صغير مغلق".
تسعى الأميرة الصغيرة إلى أن تحضر الشمس إلى القصر، فتتسلق الجبل لتكتشف أن الشمس بعيدة، فتعود إلى القصر وتغلق غرفتها بالمفتاح، وبعد يومين تجد ورقة صغيرة أسفل الباب مكتوباً فيها: "لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة".
هكذا تبدأ الأميرة تسعى جاهدة إلى إحضار الشمس إلى القصر، بعد أن تصْدِر بياناً بأن مَنْ يساعدها سينال مكافأة عظيمة، لكن لا أحد يساعدها لاستحالة الأمر، عدا رجلاً عجوزاً كان قد أتى إلى القصر مراراً حاملاً قنديلاً، ويطلب رؤية الأميرة، لكن الحرس منعوه، حتى لمحته الأميرة ذات مرة مِنْ بعيد هو وقنديله. تنتظر الأميرة عودته إلى أن تأمر الحرس بالقبض على كل مَنْ يحمل قنديلاً في المدينة. تنتظر الأميرة أن يعود حرسها لتشاهد منظراً عجيباً، وهو آلاف الرجال الذين يحملون القناديل الصغيرة، حتى وصل جميعهم إلى القصر ولم يسعهم، فأمرت بأن تهدم أسوار القصر العالية والأبواب ليدخل الجميع؛ لتكون الحكمة أنها لن تتمكن وحدها مِنْ حمل كل هذه القناديل وكذلك الشمس، وحين استيقظت صباحاً وجدت أن الشمس دخلت القصر الذي هدِمَتْ جدرانه وأبوابه.
يعول كنفاني في حكايته على الطفولة في تحقيق ما لا يمكن تحقيقه لوهلة، وهو جلب الشمس إلى القصر، ما يوازي أن إمكانية تحرير فلسطين يمكن أن تتحقق على أيدي الأطفال الفلسطينيين، فالطفولة في فلسطين لا تسير وفق واقعها الطبيعي في العالَم. كما أن تجرد الأميرة الطفلة مِنْ ممارسة طفولتها لتقتصر حياتها على مَنْ هم حولها في حدود القصر، يقارب الواقع الفلسطيني بتجريد الأطفال مِنْ طفولتهم في ظل الاستعمار؛ ليقع على عاتقهم ما وقع على عاتق الأميرة مِنْ تحد لتحقيق ما يوازي دخول الشمس إلى القصر، وهو التحرير والنصر.
تأتي حكاية كنفاني هذه بعد هزيمة حزيران 1967، التي خاب فيها أمل الشعب الفلسطيني بالحكومات العربية؛ لنلمح أثر إمكانية تحقيق النصر وتجاوز الهزيمة بالتعويل على الطفل الفلسطيني القادر على نيل حريته بيده. تنعكس ميلاد دقة وغيرها مِنْ الأطفال في صورة الأميرة في حكاية "القنديل الصغير"، لتكون بذلك قنديل والدها وشمسه خارج السجن، فحضورها رغم الأسوار العالية يعني الإصرار على ما تحاول إسرائيل طمسه في الجيل الصاعد مِنَ الأطفال الفلسطينيين، وهو ما يضفي على الطفولة الفلسطينية الوعي الذي لا يمكن تغييبه.
وفي قراءة موازية لرمزية الشمس ودخولها القصر في حكاية كنفاني، يصور الأسير وليد دقة في رسوماته التي نجح في إيصالها إلى الإعلام، ضوء القمر الذي يتسرب إلى السجن، كناية عن الأمل في الحرية التي يأمل أن تطوله وتطول غيره مِنَ الأسرى. مأساة الأسر التي يعيشها ورفاقه ترتب عليها نسيانهم شكل القمر وضوءه، في حين تصور الرسمة الأخرى صورة طفلة صغيرة على أرجوحتها داخل فضاء السجن المغلق، والقمر بضوئه يعلوها، وربما قصد دقة الإحالة لابنته ميلاد التي يعدها قمره خارج السجن.