الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وتسعة وثمانون - ٢٢ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وتسعة وثمانون - ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

ميلاد «دقة» في حكايات «غسان كنفاني» (1-2)

مها زيادة
باحثة فلسطينية
تظهر الطفولة في الأدب الفلسطيني بوصفها انعكاساً لصورة المقاومة، كما في الواقع الفلسطيني، وهو ما منح فردانية لأعمال أيقونة أدب المقاومة الفلسطيني غسان كنفاني (1936 - 1972)؛ من حكايات وروايات لم تغفل عن الطفل الفلسطيني وجهاً حاضراً في ساحة النضال ضد الاستعمار، من شخصية "خلدون" في رواية "عائد إلى حيفا" (1969)، وسعيد وأخيه سعد في رواية "أم سعد" (1969)، وغيرهم من صور الطفولة. يظهر الطفل في حكايات كنفاني ضحيةً أحياناً، وشاهداً على جرائم الاستعمار أحياناً أخرى، حتى كانت صورة الطفولة المقاومة وليدة كليهما، حتى كان اغتياله مكسباً للعدو لمحاولة طمس فكره الذي انعكس جلياً في مساهماته الأدبية.
المقاومة في الطفولة الفلسطينية
تعني الطفولة في أدب كنفاني الأمل والتحرير، ولعل علاقته الأبوية بابنة شقيقته لميس ساعدته في بلورة معنى الطفولة بأوجهها المتعددة في حكاياته، فكان الطفل الفلسطيني في مجالات كثيرة منارة النضال ومفتاح العودة والتحرير. وكما استلهم كنفاني صورة الطفولة الفلسطينية من طفولة لميا، والطفل الذي حبِس داخله في المنفى خارج الوطن، كان للمنفى داخل حدود الوطن في سجون الاستعمار فعل مماثل في عكس صورة الطفولة المقاومة.
بالرغم من الجدران المطْبِقة، ولِدت ابنة الأسير الفلسطيني وليد دقة، ميلاد، في عام 2019؛ لتشكل نموذجاً حياً للطفولة الساعية إلى حرية والدها. كان مجيء ميلاد وليد دقة إلى العالم عن طريق نطفة محررة بمنزلة صفعة للاستعمار الصهيوني، وأصبحنا نلمح ما عول عليه كنفاني في حكاياته واقعاً في نموذج الأطفال، الذي يخرج إلى الواقع الفلسطيني بصوته وفعله المقاوم، وأصبحت الطفولة حاضرة في ساحات الاعتصام والمطالبة بالحرية، لنقرأ ذلك في ميلاد، ابنة الأسير الفلسطيني الأقدم في سجون الاستعمار، وليد دقة.
وكما كان منفى كنفاني خارج وطنه دافعاً مصحوباً بألم الإغتراب واللجوء، في نشوء علاقته بمعنى الطفولة الفلسطينية ليبلورها في أدبه، فقد كان منفى دقة في سجون الاستعمار دافعاً إلى ارتباطه بطفلته. ورغم أسوار السجن العالية، والتحفظ على والدها الأسير، ورغم وضعه الصحي المتدهور، توطدت علاقته بابنته لتكون لوالدها الصوت والجسد خارج السجن، ولتقف رغم سنها الصغيرة التي تقارب ثلاثة أعوام مطالبةً بوالدها.
تشكل ميلاد قصة من حكايات الطفولة الفلسطينية المقاومة التي كرّسها كنفاني في أعماله الأدبية، باسمها ميلاد الذي اقترن باسم والدها الأسير؛ ليصبح اسمها ميلاد وليد دقة، الذي يقول والدها الأسير وليد دقة عنه: "جعلت من اسمي عبارة مفيدة - ميلاد وليد دقة".
اقتفاء أثر الطفولة
يعرج كنفاني في رواية "أم سعد"، وتحديداً في حكاية "بندقية في مخيم"، على شخصية الطفل الفلسطيني المقاوم، في شخصيتَي سعد وسعيد، يبرز نضال المرأة الفلسطينية التي تحقق إنجازها في أبنائها، وهي تعول على وعيهم وتربية النضال فيهم من أجل الوطن.
يقول أبو سعد في الحكاية: "هذه المرأة تلد الأولاد فيصيروا فدائيين، هي تخلف وفلسطين تأخد". يتجلى وعي المرأة الفلسطينية أيضاً في سناء دقة؛ زوجة الأسير الفلسطيني، وتربية الوعي في طفلتهما ميلاد؛ لتكون شاهدة على فظائع الاستعمار ضد الأسرى الفلسطينيين بعامة، ووالدها بخاصة.
وقد أبدع كنفاني في تأسيسه للأدب الفلسطيني ما بعد النكبة، انطلاقاً من تكريس الوعي بما هو قادم، ولعل النكبة وما ترتب عليها من لجوء رافق المأساة، انشطر عنها المقاومة التي وجدت منافذها عبر الفلسطينيين كافة، بمَنْ في ذلك الأطفال؛ فكان المخيم على سبيل المثال منطلق ولادة الكفاح الفلسطيني والطفولة بصورتها المقاوِمة. تقول أم سعد في الحكاية: "عينك عالشباب في المخيم، كل واحد منهم يحمل مرتينة أو رشاشاً، والكاكي في كل بيت، هل رأيت أفعال سعد".
طفولة شاهدة على المأساة
تنعكس صورة الطفولة، الشاهدة على مأساة استعمار فلسطين في أدب كنفاني، بتوثيق المأساة الواقعة نفسياً وجسدياً على الطفل الفلسطيني، في رواية "كان يومذاك طفلاً" التي يستعرض فيها كنفاني الطفل بوصفه ضحيةً من ضحايا الإبادات الجماعية التي يمارسها الاستعمار في حق الشعب الفلسطيني: "وروت امرأة بدينة، كانت قد ذهبت إلى الحج قبل عام واحد، كيف نسف اليهود في يافا داراً للأيتام، وكيف تناثرت جثث الأطفال على فوهة شارع "إسكندر عوض" ممزوجة بحبات البرتقال المفزورة، فقد وضع اللغم في سيارة شحن مملوءة بالبرتقال، أوقِفَت أمام درج الميتم".
تتسع صورة الطفولة الفلسطينية في الرواية لتعكس الطفولة الشاهدة على الإبادة الجماعية الواقعة على الشعب الفلسطيني، "وقال القائد القصير لجندي وقف إلى جانبه: هات الطفل (...) ضرب القائد عصاه السوداء على فخذه ضربة رقيقة، وكان الطفل واقفاً إلى جانبه غير واعٍ لأيما شيء (...) لينادي القائد جندية إسرائيلية، ويمنحها الإذن بقتل جميع الركاب في الباص الذي أنْزِل ركابه منه، البالغ عددهم 20 راكباً من بينهم الطفل، "سقطوا في الخندق، وغرقت وجوههم وأكفهم في الوحل، وقد تكوموا هناك كتلة متراصة واحدة مختلطة اختلاطاً دموياً، في ما كان خيط الدم الأحمر يتسرب مِنْ تحت أجسادهم، ويتجمع، وينساب مع جدول المياه إلى الجنوب".
لم توثق الرواية هوية اسمية للطفل، وهو بذلك شخصية حاضرة وشاهدة على المأساة التي ما زالت معيشة  في الواقع الفلسطيني، في كل مكان وزمان وحرب، يقول الجندي الإسرائيلي ممسكاً بأذن الطفل بقسوة: "هل رأيت؟
تذكر هذا جيداً وأنت تحكي القصة..."، لترسم الحكاية واقع ذاكرة الطفل الفلسطيني التي تشكلت من عوامل القهر والظلم التي مارستها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ولتكون بذلك منطلق المقاومة التي تمهدت من ذاكرة الطفولة؛ لتأخذ شخصية الطفل في ذات الرواية بعْدَ الوعي بالإبادة، التي قامت بها الجندية بحضور جمع من الجنود، بعد أن يأمره القائد بالجري بسرعة عالية، ويتفادى إطلاق النار عليه، ودون أن يلتفت، "ورغم ذلك، فقد وصلت إلى أذنيه أصوات ضحكاتهم الصاخبة فوقف، لم يَدْرِ كيف حدث ذلك ولماذا، ولكنه وقف، ووضع كفيه في جيبَي سرواله، وسار بخطوات ثابتة هادئة وسط الطريق، دون أن يلتفت إلى الوراء".
لحظة الوقوف تعني الإدراك والوعي، وهو ما سيترتب عليه العودة بصورة المقاومة إلى جيل الأطفال الفلسطينيين الصاعد، خاصةً أن ذاكرة الطفل الفلسطيني أصبحت متوارثة عن أجيال إما شاهدة على الرواية وإما ضحية مِنْ ضحاياها، وهي رواية تمثلت بحقيقتها المروعة التي تأسست مِنْ إبادة إسرائيل للشعب الفلسطيني.
يتبع...

 

البحث
الأرشيف التاريخي