في ذكرى اغتياله
رسومات ناجي العلي انعكاس لهموم الفلسطينيين وتوجهاتهم
الوفاق/ الفن عالم ساحر وواسع يجتذب الجميع، وفي نفس الوقت أجمل وأروع أداة لبيان المقصود وإيصال الفكرة للعالم، وهذا ما نراه في الفنون المختلفة وخاصة في مجال السينما والمسرح والرسومات الكاريكاتيرية، والكاريكاتير هو أبرز وسيلة للنقد.
الكاريكاتير
فن الكاريكاتير هو احد فنون الرسم ولكن هو فن ساخر يعتمد على رسم الشخص لصورة مع المبالغة في تغيير وتحوير ملامحها وتحويلها إلى رسمة ساخرة ويكون هدفها الأول السخرية وأحياناً يكون بهدف النقد الإجتماعي أو السياسي أو الفني وغيره، والجدير بالذكر أن فن الكاريكاتير يتسم بقدرتة الفائقة على النقد أكثر من إستخدام الكلمات في النقد أو كتابة مقالات او تقارير بأكملها، ومن أبرز رسّامي الكاريكاتير هو الرسّام الفلسطيني "ناجي العلي" الذي يصادف اليوم السبت 22 يوليو/تموز ذكرى إغتياله، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملو على ريادة التغير السياسي باستعمال الفن كأحد أساليب التكثيف، وفي ذكرى اغتياله نكتب لكم عنه وعن شخصيات كاريكاتيره التي بقي بعضها رمزاً للمقاومة حتى الآن.
ناجي العلي
ظهيرة يوم 22 يوليو/تموز 1987 كان الفنان الفلسطيني "ناجي سليم العلي" يمشي في شارع آيفز في منطقة نايتس بريدج (وسط لندن)، متجهاً إلى مكتب جريدة "القبس" الكويتية، حين تلقى عدة رصاصات أصابت إحداها عنقه، في حين أصابت أخرى أسفل عينه اليمنى، وغاب عن الوعي، واستمر في غيبوبته نحو 37 يوما، حتى أُعلنت وفاته رسميا في 29 أغسطس/آب.
"ناجي العلي" يشتهر برسوماته وبشخصية "حنظلة" التي أبدعها، والتي أصبحت توقيعاً في نقده للإحتلال والحكّام العرب، كما كانت سبباً في تصاعد شهرته حتى اغتياله.
رسم نحو 40 ألف كاريكاتير خلال مسيرته الفنية، وكانت ريشته مشرطاً يحاول استئصال كل الأورام الخبيثة في الجسم العربي، وتميزت رسومه بالجرأة والصراحة، وملامسة هموم الناس وتوجهات الشارع العربي.
حتى سنة 2017 لم يتم التوصل لدليل قاطع بالجهة التي تقف خلف اغتيال رسّام الكاريكاتير ناجي العلي الذي غابت ريشته عن النقد اللاذع الذي اشتهر به، مستهدفاً الأنظمة العربية، ولم ينسَ تجسيد مأساة فلسطين في رسوماته، والغريب في رسوماته كما يرى متابعوها انها لا زالت حية وتجسد الواقع العربي حتى يومنا هذا.
ناجي العلي والفنان كنفاني
لا توجد وثائق أو مصادر مؤكدة تحدد تاريخ ميلاد ناجي سليم حسين العلي على وجه الدقة، لكن المرجح أنه ولد عام 1937 في قرية "الشجرة" بمنطقة الجليل لأسرة فلسطينية تعمل في الزراعة.
هجّر الطفل مع عائلته في نكبة فلسطين إلى الجنوب اللبناني، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا، وعاش في خيمة لا تزيد مساحتها على 10 أمتار مربعة، وبدأ منذ صغره التعبير عن ألم اللجوء ومأساة قضيته بالرسم على حيطان المخيم.
بدأت رحلته مع الرسم داخل الزنزانة، فخلال اعتقاله من قبل الإحتلال الصهيوني ملأ جدران السجن بالرسوم، ثم كرّر الأمر حين اعتقله الجيش اللبناني.
نقل تجربته على جدران الزنزانة إلى جدران مخيم الحلوة، فشاهد الصحفي غسان كنفاني خلال زيارة المخيم بعض رسومه، ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة "الحرية" في 25 سبتمبر/أيلول 1961.
حنظلة
إشتهر "ناجي العلي" بشخصية "حنظلة" التي ابتدعها عام 1969 ، وهو طفل فلسطيني يتخذ وضعية الشاهد على الحدث الذي تصوره لوحات العلي، وقال عنه العلي: إنه وُلد في سن العاشرة ولن يكبر أو يدير وجهه إلا عندما يحين استرداد الكرامة العربية.
"حنظلة" الطفل ابن العاشرة شخصية كاريكاتيرية ابتدعها العلي عندما كان يعمل في صحيفة "السياسة" الكويتية، وقال عنه الرسام الراحل إنه لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، ويفسر ذلك بأنه "في تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعدُ في العاشرة، ثم يبدأ الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء".
ويظهر "حنظلة" دائماً مديراً ظهره عاقداً يديه خلفه، لأنه يرفض التسليم بأي محاولة احتواء أو مساومة على قضيته.
وأصبحت شخصية "حنظلة" توقيعاً يمهر به العلي رسومه، كما كانت لديه شخصيات أخرى تتكرر في الرسوم، بينها الشخصية الصريحة الواضحة الفلسطينية "فاطمة"، وزوجها الذي ينكسر أحياناً.
ميزات رسوماته والشخصيات الأخرى
تميّزت رسومات ناجي العلي بالنقد اللاذع، ويعمق عبر اجتذابة للإتنباة الوعي الرائد من أثناء رسومه الكاريكاتورية.
كان لدى ناجي شخصيات أخرى أساسية تتكرر في رسومه، منها:
- المرأة الفلسطينية: شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي، "فاطمة" في الكثير من رسومه شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن رؤياها، شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبكيفية حلّها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحياناً، فنرى أن في الكثير من الكاريكاتيرات يصبح رد فاطمة قاطعاً وغاضباً، كما أنها ترمز لفلسطين في لوحات، وفي لوحات أخرى ترمز لمصر ولبيروت وصبرا وصيدا وصور، وهي المقاومة والمرأة الشامخة ذات الوجه المدور والعينين الواسعتين حافية القدمين تتجول وهي ترضع ابنها حب الوطن، فهي تدفع زوجها وأولادها إلى تحرير الوطن والإستشهاد في سبيله وهي رمز للمناضلات
العربيات.
- الرجل الطيب: شخصية الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله، هو الفلسطيني المشرد المقهور والمناضل والمكسور أحياناً وهو الجريح في عدة لوحات المعذب المعتقل في السجون الذي لا يغير مواقفه ويرفض الإعتراف بالحدود المصطنعة كما أنه الحزين على فراق الشهداء، الصبور على الألم يحمل في رمزيته كل مواطن عربى بحسه الوطني والقومي وإيمانه بقضيته.
- الرجل السمين: هو رجل صاحب كرش كبير يرمز للحكومات العربية والبرجوازية وهو يقف بانتظام واحترام أمام القوى الصهيونية فهو خانع ضعيف يعمل على التطبيع مع العدو.
- الجندي الصهيوني: يرتدي دوماً خوذته على رأسه تأكيداً على جبنه وضعفه كما أن أنفه طويل وهو خبيث مرتبك أمام الأطفال الفدائيين، وفي أغلب الحالات يصبح مرتبكاً أمام حجارة الأطفال، وخبيثاً وشريراً أمام القيادات الإنتهازية.