غالب عوالي.. شهيد في سماء فلسطين
الوفاق/ وكالات
جرائم الاغتيال جزء من الإستراتيجية الأمنية الصهيونية، وقد اكتسبت زخماً بقيام دولة العدو الصهيوني عام 1948، ذلك الكيان تاريخه حافل بالمجازر وعمليات التصفية التي استهدفت العديد من قيادات المقاومة، ومعارضي المشروع الصهيوني.
الاغتيال سياسة ثابتة لدى الصهاينة
تثبت السياسات الصهيونية اليومية أنّ الاغتيال أصبح فكراً ومنهجاً منظماً لدى قادتها وحكوماتها المتعاقبة. لا سيّما أن هؤلاء القادة شاركوا بأنفسهم في العديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء العدو الصهيوني من قبيل إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، إذ انضووا تحت لواء العصابات الصهيونية، "الهاغانا" و"الشتيرن" و"الأرغون" وغيرها من العصابات الصهيونية، التي ارتكبت أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني كمقدمة لتهجيرهم.
ولم تتوقف سياسة الاغتيالات الصهيونية، إذ حفل تاريخ العدو الصهيوني منذ نشأته، بملاحقة بعض الشخصيات العربية والفلسطينية التي تعتبرها مناهضة لتلك السياسة واغتيالها، حتى في بعض دول أوروبا وأمريكا، وليس في العواصم العربية مثل تونس وبيروت فحسب، وأصبحت الاغتيالات نهجاً إسرائيليا ثابتاً تبنّتها كل الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ عام 1948، وصولاً إلى الحكومة الحالية .
استهداف المقاومة يزيدها قوة
يعتمد الكيان الصهيوني سياسة الاغتيالات بشكلٍ متكرر في البلاد العربية ومنها لبنان على أن الصهاينة يعرفون جيدًا أن أي من هذه الاغتيالات لا تؤدي إلى إنهاء ظاهرة المقاومة بل إنّ القادة الذين تتم تصفيتهم يتم استبدالهم بقادة أكثر تأثيرًا، وهو الحال مع تصفيات قادة المقاومة في لبنان.
المراسل العسكري الإسرائيلي ألون بن ديفيد في مقالة له في صحيفة معاريف يجزم أن سياسة الاغتيالات “لا تؤدي إلى إنهاء ظاهرة قيادات المقاومة والنشطاء الفلسطينيين “بل إلى استبدال آخرين بهم”، وأنها قد تقود إلى نتائج عكسية وإلى “تغذية دوامة الدم والعنف وتوسيعها” في الإشارة إلى ردّ المقاومة على اغتيال قادتها.
الرئيس السابق لقسم الأبحاث الاستراتيجية والسياسات في جيش العدو الصهيوني "بنحاس يحزقيلي" يرى أن سياسة الاغتيالات، لن تنهي ظاهرة (الإرهاب) وإنما، وفي أحسن الحالات، وعندما يكون هدف الاغتيال شخصية مركزية في شبكة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، أكثر ما يمكن أن يحصل هو “إدخال (المقاومة) في حالة من الفوضى لفترة من الزمن” قبل أن تستعيد عافيتها، وربما “على نحو أكثر عنفًا”، كما حدث مع اغتيال السيد عباس الموسوي، أمين عام حزب الله السابق، الذي خلفه السيد حسن نصرالله (حفظه الله) والذي “حول الحزب من جماعة صغيرة إلى جيش منظم”، أو كما في حالة الدكتور فتحي الشقاقي الذي لم يمنع اغتياله من تحوّل التنظيم الذي أسّسه إلى قوة أكثر تهديدًا لأمن الكيان.
استهداف قادة المقاومة الإسلامية
سلسلة اغتيالات استهدفت المقاومين، كثيرة تلك التي باءت بالفشل، ومنها ما حصد أرواح قياديين وقامات في صفوف المقاومة الاسلامية ممن آثروا أن يُختم تاريخهم بشهادةٍ في عز، تتوج تاريخاً نضالياً. ثمانية قادة من صفوف الاسلامية قضوا بيد الغدر نفسها، دون أن تنال هذه الخسارة من المقاومة. وهم الشهيد الشيخ راغب حرب، والسيد عباس الموسوي وزوجته وطفلهما، الشهيد رضا ياسين (أبو علي)، الشهيد سعيد حرب (الحاج سعيد)، الشهيد علي حسن ديب(أبو حسن سلامة)، الشهيد علي صالح(الحاج علي)، الشهيد عماد مغنية ، الشهيد حسان اللقيس، والشهيد غالب عوالي (أبو مصطفى) الذي تصادف ذكراه السنوية التاسعة عشرة في هذه الأيام.
شهيد القدس وفلسطين
"انّ غالب عوالي اليوم هو شهيد طريق فلسطين، هو شهيد القدس، هو شهيد المسجد الأقصى، هو شهيد مواجهة المشروع الصهيوني الذي ما زال يحتل ويعتقل ويغتصب ويعتدي ويهدد ويسفك الدماء ويهدم المنازل ويقتل الاطفال. وإنّ هذه المعركة لم نتخلَّ عنها ولن نتخلى عنها في يومٍ من الايام".
هكذا وصف السيد حسن نصرالله (حفظه الله) الشهيد غالب عوالي في خطاب تشييعه في التاسع عشر من تموز ٢٠٠٤.
الشهيد غالب عوالي وامداد فلسطين بالسلاح من لبنان
وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الشهيد القائد عوالي بـالـ" مقاتل منذ انطلاقة المقاومة" ومن القادة والمجاهدين الذين "أذلوا اسرائيل في لبنان". فقد برز دوره في دعم وامداد فصائل المقاومة الفلسطينية بالسلاح والعمل على نقله إلى فلسطين المحتلة.
والشهيد القائد غالب عوالي، المولود في عام 1963 وابن بلدة تولين الجنوبية، تعرف على الإمام موسى الصدر الذي رأى فيه المعلم والقائد وسيّد قلّ نظيره، فتتلمذ على يديه، ما زرع بداخله البذور الأولى للمقاومة التي بدأت تتشكّل خلاياها على يد السيد في العام 1975، الذي أكد لتلامذته أن الجهاد في سبيل الله هو الخيار الوحيد للحرية، الحرية التي فقدت معناها مع تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه. غاب الإمام الصدر ولم يغب عن قلب وبال غالب، فهو دائم التذكر له ولأحاديثه ومواقفه، معتبراً أنه سيد قل نظيره، وأن الفراغ الذي تركه لا يملؤه أحد؛ ولكن ما خفف من حدة ألم الفراق، هي راية الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس)، والتي كان يتابع أخبارها لحظة بلحظة، والتي شكل انتصارها مفصلاً مهماً في حياة غالب المختزلة بين فوهة البندقية والزناد.
انخرط الشهيد في صفوف المقاومة الإسلامية واستطاع قراءة الوقائع السياسية وتحليلها بدقة، وعمل على تأهيل نفسه عسكرياً وأمنياً، فجمع في شخصيته أبعاد الرجل المتدين المثقف السياسي العسكري والأمني.
خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتحديداً بتاريخ 15/2/1983، اعتقلت قوات الاحتلال الشهيد عوالي بعد أن زرع ومجاهدين آخرين عبوة في مدينة صور الجنوبية، ليلتقي في معتقل "أنصار" مع الشهيد الطيّار زهير شحادة وساعده في صنع طائرة من مواد بدائية. كما عمل في المعتقل على نشر فكر وقيم المقاومة واستقطاب الشباب.
بعد سنة من الاعتقال تحرّر الشهيدان عوالي وشحادة بموجب صفقة تبادل أسرى نفذها حزب الله مع كيان الاحتلال. وانطلقا في تأسيس خلايا مقاومة عسكرية سرية. كما قادا وشاركا في العديد من العمليات العسكرية التي استهدفت جيش الاحتلال. فعادا الى قائمة أبرز المطلوبين للاحتلال.
نذر نفسه لمساندة إخوانه في فلسطين المحتلة
اضطرت الظروف الأمنية الشهيد عوالي الى النزوح نحو العاصمة بيروت حيث سكن في منزل في الضاحية في محلّة معوض – الشياح. وبعد شهرين من الانتقال الى منزله الجديد وبتاريخ 19 تموز / يوليو عام 2004، استهدفه الاحتلال بعبوة ناسفة أدت الى استشهاده على الفور. وبيّنت تحقيقات القوى الأمنية اللبنانية على دور لعملاء في اغتيال عوالي وتزويد الاحتلال بالمعلومات. كما كشفت عن اثنين مجهولي الهوية جاءا ككوماندوس بحري ليزرعا العبوة وينسحبا.
يومها، وفي يوم تشييع الشهيد قدم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (حفظه الله) الشهيد "شهيداً للبنان وشهيد فلسطين"، لأن الحاج غالب عوالي كان كالشهيد علي صالح من الفريق الذي نذر عمره وحياته في السنوات الأخيرة لمساندة أخوانه في فلسطين المحتلة". والشهيد علي صالح اغتالته إسرائيل في الضاحية الجنوبية، قبل أقل من عام على اغتيال الشهيد غالب، وهو مثله كان يعمل على خط دعم المقاومة الفلسطينية.
وجاءت التعليقات الصهيونية على اغتيال العوالي بعد استشهاده بأيام لتحمل اعترافا ضمنياً بمسؤولية الكيان الصهيوني، وقال المعلق الصهيوني عودد غرانوت: "غالب عوالي مسؤول عن الكثير من العمليات التي انطلقت من غزة وعن تهريب وسائل قتالية عبر الأنفاق في منطقة رفح إلى غزة وهو من قام بتمويل العملية التي جرت في الحاوية في ميناء أسدود. وقال افرايم سنيه العضو في لجنة الخارجية والأمن الصهيونية: «لا سبيل أفضل من المساس بالمسؤولين التنفيذيين وغالب عوالي هو أحد الروابط الأساسية بين حزب الله والإرهاب في المناطق الفلسطينية ورجل كهذا يجب أن يموت".