الاقتصاد المقاوم في رؤية الإمام الخامنئي (دام ظله)
نبيل سرور
استاذ الاقتصاد العالمي
تفرض التحديات المتعاظمة قبالة الجمهورية الإسلامية في إيران، جملة من الإجراءات، التي تؤكد أهمية وفاعلية نظرية "الاقتصاد المقاوم" كقاعدة صلبة بمواجهة الحملات الشرسة والسياسات العدائية، التي تهدف الى تدمير اقتصاديات البلاد، وأخذها إلى التبعية والاستغلال. فلقد لجأت أميركا كدولة ناهبة لخيرات الشعوب على مدى عقود طويلة من الزمن، لاعتماد سياسات تجويعية عقابية تستهدف إخضاع المجتمع الإسلامي في إيران، وأخذه الى خيارات تخالف توجهات القيادة نحو الاستقلال والكرامة.
وتهدف السياسات الأميركية إلى محاولات تطويع الشعب الإيراني، وأخذه الى التبعية والركوع أمام إملاءات أمريكا ودولتها العميقة. لكن أنى لهذا الشعب أن يركع أو يستكين، وهو الذي أعطى الولاء لنظام الجمهورية الإسلامية وخط الولاية والبيعة، ووقف إلى جانب خط الولاية في أصعب الظروف وأقساها. وقد بيّـن السيد القائد الخامنئي في أكثر من مناسبة، مجموعة القواعد والمقومات الأساسية التي تتصل بالاقتصاد المقاوم، وحدد للمسؤولين على اختلاف مواقعهم أهمية الالتزام بالأسس والضوابط التي تهدف الى تركيز وتدعيم بنيان النظام الإسلامي. وفيما يلي أهم مرتكزات الاقتصاد المقاوم وفقاً لنظرية الإمام الخامنئي حفظه الله:
الاقتصاد المقاوم ضرورة لمواجهة المتغيرات الدولية والمتطلبات الداخلية
أ- بحسب رؤية السيد القائد الخامنئي، إن الإنجاز والمواجهة يتطلبان التوجه الجهادي الملحوظ في السياسات وأخذ القرارات. إن الإنجاز المميز من خلال اقتصاد المقاومة يتطلب الهمة الجهادية، الإرادة والإدارة الجهاديتين.
ب- في ظل الاهتزازات الدولية التي تعصف بالعالم المعاصر، تبرز نظرية الاقتصاد المقاوم كعامل حاسم في تثبيت عناصر مقاومة المتغيرات العالمية (حروب، توترات، انهيارات لسوق النفط، تغيرات مؤشرات الأسواق..)
ج - إن اعتماد الاقتصاد المقاوم هو قرار لا بد منه بمواجهة المتغيرات المستجدة في عالمنا المعاصر.
العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال بنى تحتية صلبة للدولة والمجتمع
إن التحديات التي تواجه المجتمع الإيراني تتطلب تصليب المجتمع من خلال المقومات التالية:
- استنفار عناصر القوة الداخلية، وتتجلى من خلال:
١- تحفيز عناصر الإنتاج الذاتية في المجتمع.
٢ - تشجيع المبادرات الفردية الإبداعية في الزراعة والصناعة وأساليب الإنتاج.
٣- إقامة المشاريع الإنتاجية التي تبرهن تطور المجتمع ورقيه، وتطور أساليب إنتاجه ووفرة عوامله.
٤- التركيز على اقتصاد المعرفة من خلال استخدام تقنيات جديدة في عمليات الإنتاج ووسائل التكنولوجيا المتطورة.
وعليه فإن أية مواجهة تتطلب تثبيت عناصر المقاومة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مختلف الأصعدة وفي معظم القطاعات المجتمعية.
الاعتماد على الطاقات الداخلية في إدارة عملية الإنتاج
إن المجتمع الحي يكبر وينمو ويزدهر ويستفيد من إمكاناته وطاقاته الداخلية وكفاءاته.
- وفي إيران كما في كل المجتمعات الإسلامية واقتصادات المنطقة، توجد طاقات وقدرات إبداعية، يمكن أن تخدم مجتمعها وشعوبها في كل المجالات. هذه الطاقات والإمكانات والموارد البشرية تحتاج للإرادة والتحفيز وإدارة عملية الإنتاج والابتكار في شتى ميادين الحياة.
- ويورد الإمام الخامنئي جملة من المعطيات المشجعة علمياً وإبداعياً في إيران.
- في إيران هناك ٦٥ ألف كادر جامعي، أساتذة جامعيون من مختلف الاختصاصات العلمية والتكنولوجيا المتقدمة، وفي مجال العلوم الإنسانية بشتى تفرعاتها.
- تحتل إيران المرتبة ١٥ في العالم من خلال ما يناهز ١٧ ألف مخترع ومتخصص وكادر في مختلف مجالات الفيزياء والكيماء والطب والدواء، والرياضيات وتقنيات الطاقة المتجددة.
الاستفادة من الموقع الجغرافي لإيران
من الضروري لأي دولة أن تستفيد من الأبعاد التي يوفرها الموقع والمساحة والمعطيات الاقتصادية والسكانية وإمكانات الموارد البشرية المتاحة. وإيران كدولة ذات مساحة كبيرة، حيث عدد السكان بإجمالي ٨٧ مليون نسمة، وكذلك تعد ثاني أكبر بلدان الشرق الأوسط مساحة، بمساحة تبلغ 1,648,195 كم²٬ وتتميز إيران بموقع جيوسياسي يجعلها نقطة التقاء لثلاث مجالات وحضارات آسيوية (غرب آسيا ووسطها وجنوبها...).
حقوق الإنسان من المقدسات في العمل والبناء في المفهوم الإسلامي
لقد ضمن الإسلام للعامل حقوقه الأساسية التي تضمن له العيش بكرامة. فالإنسان من خلال المفهوم القرآني هو خليفة الله على الأرض، وهو مكلف بعمارتها، ولا ينبغي أن تضيع حقوقه في خضم واقع وظيفي او مؤسساتي، لا يحترم حقوق الإنسان التي يعتبرها الإسلام من أساسيات فهم مبدأ العمل والإنجاز وفقا لنظرية الحقوق التي يتبناها الإسلام ويرعاها.
وعليه كلما كان العامل في أي موقع او اختصاص، محترما ومصونا في منظومة حقوقه وواجباته، كلما ازداد عطاؤه، وارتفع مستوى إبداعه وإنتاجيته.
دور الإعلام في تظهير إنجازات الاقتصاد المقاوم
لا يخفى ما للإعلام من دور أساسي في تسليط الضوء على ما يحصل من إنجازات في الجمهورية الإسلامية، سواء في مجال العلوم والتكنولوجيا أو في ميدان الأبحاث الطبية والتقنيات المتطورة، كما على صعيد الأبحاث الإنسانية والاقتصادية.
لقد سعى الغرب على مدى عقود طويلة الى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، واستخدم في معركته كل الأسلحة ووسائل الإعلام والتواصل والصحافة وكل الإمكانيات المادية في هذا المجال، ولن يتوقف المعادون للجمهورية الإسلامية عن تشويه صورة الاقتصاد المقاوم وتوجيه سهام حقدهم وكيدهم لتثبيط العزائم وتدمير المعنويات.
وعليه، ولمواجهة التحديات المتعاظمة بوجه الاقتصاد المقاوم، يجب على الإعلام أن يقدم بديلاً موضوعياً مقابل حملات الأعداء الظالمة والمشوهة للحقيقة، وأن يسلط الضوء على ما يجري في إيران من تقدم ونهضة، ويمحي عما علق في الأذهان لصورة البؤس والضعف في المجتمع الإيراني المسلم. لذا، فأن المواجهة تتطلب خطة (إعلامية وثقافية)، واستنفار للنخب والإعلاميين والمفكرين على كل المستويات، وذلك لتقديم الصورة الناصعة والحقيقية عن المجتمع الإيراني الذي يتمسك بقيمه الأخلاقية والإنسانية كما بخط الولاية، والالتزام الديني في بناء الحياة. كما لا بد للجهد الإعلامي أن ينصب في سبيل تقديم الصورة الحقيقية للاقتصاد المقاوم، وتعداد إنجازاته المحققة، وتأثيره المبارك في صمود الشعب وتماسك الدولة والناس في إيران الإسلام.