جهاد البناء.. من الخبرة إلى العلم في بيئتنا البشرية

 

جهاد البناء هو أحد تجاربنا الجماعية المهمة للغاية خلال حياة الثورة الإسلامية، وهو في حد ذاته منجم تجارب. وأحد المواضيع المهمة التي لا يزال استخلاصها يكوّن تجربة عن "كيفية العمل الجماعي" حيث شعار كل من اختار البناء كهدف له في جهاد البناء هو "كلنا معاً" وعاشوا  تجربة العمل المشترك وأنشأوا في نفس الحين نمطًا أو أنماطًا للأنشطة والعلاقات فيما بينهم. وبكل تأكيد، يمكننا القول أن هذه الأنماط كانت محلية وأقل تأثرًا بالنماذج المستعارة والموروثة من الغرب والنظام الملكي السابق. لأن معظم الأشخاص الذين أنشأوا هذه المؤسسة واكتسبوا الخبرات، لم يعملوا في النظام السابق ويمكن القول انهم بدأوا العمل من نقطة الصفر وغالبًا لم يكن لديهم تعليم جامعي متعلق بالإدارة. بمعنى آخر، لم يتم تدريبهم على إدارة الدولة بالأساليب الغربية، ولم يتم تدريبهم على علوم الإدارة الغربية. ومن ناحية أخرى، حتى قبل أن نبدأ في دراسة واستخراج تلك الخبرات والنماذج بشكل عام، يجب ان نتوقع ونخمن أن المناخ الثقافي والديني لأولئك الذين لا يعملون من أجل منافعهم الدنيوية ولديهم أهداف نبيلة في الدنيا  هو أسلوب إدارة منفصل ويختلف عن أساليب الإدارة الشائعة في المؤسسات الأخرى؛ وليس من الغريب ان مفهوم الإدارة يتغير أو يتطور في مثل هذه التجارب.  لذلك ، فإن معرفة ودراسة هذه التجارب ستكون مفيدة للمجموعات التي حددت القيم العالية كأهدافها، ويمكن الاقتداء بالنماذج التي يتم الحصول عليها من هذه التجربة أكثر من مجرد نماذج معروفة ومدونة في الكتب الأكاديمية. كذلك يجب أن نتذكر أنه عندما قام المرشد الأعلى، حفظه الله، بطرح أهم الأسئلة المتعلقة بنمط الحياة، كان ضعف ثقافة العمل الجماعي موضوع أول سؤال عن نمط الحياة قد سأل عن سبب ذلك. في حين أنني لم أر حتى الآن أولئك الذين تعاملوا مع قضايا نمط الحياة تمشيا مع كلمات سماحته، أنهم قد درسوا موضوع ضعف ثقافة العمل الجماعي وبحثوا عن أسبابه. هذه القضية في حاجة ماسة للبحث وإيجاد حل لها. لكن على سبيل التخمين، يمكننا القول أنه ربما يكون أحد أسباب ذلك هو عدم وجود نماذج مناسبة في هذا الموضوع.
طقس الجهاد
وكتاب "طقس الجهاد" هو سرد لتجارب العمل الجماعي في جهاد البناء رواه المرحوم حسينعلي عظيمي. حاول المرحوم عظيمي الذي كان من قدامى المحاربين ومدراء هندسة حرب الجهاد، في السنوات الأخيرة من حياته النبيلة، أن يترك طريق وطقوس الجهاد ونموذج أبناء الجهاد المخضرمين لأجيال الحاضر والمستقبل. وإن كتاب طقس الجهاد من هذه التجارب المنشورة، سوف نروي لكم أجزاء منه، تباعاً.
الدخول في الجهاد بهذه البساطة
كنت أنا وعدة من الآخرين في مدينة باوة مع الشهيد جمران. بعد انتهاء عمليتي باوة و نوسود والعودة من باوة، اكتشفنا أن الجهاد قد تشكل. قبل الدخول في الجهاد قررنا مع الشباب الذين كانت بيننا علاقات ودية في باوة، أن تكون صلاة الجمعة محل لقائنا وإجتماعنا. بعد مرور بعض الوقت، قلنا أنه من المؤسف ان تكون لقائاتنا قليلة، لذلك قررنا الذهاب إلى الجهاد. ثم رأينا أنه لا جدوى من المشاركة في الجهاد، لأننا لا نرى بعضنا إلا أيام الجمعة، لذلك قررنا الذهاب إلى منطقة محرومة والبقاء هناك والعمل. في ظل التواجد المستمر، كان يمكن فهم وضع القرية وإقتراح خطة لتحسين وضعها، خاصة وأنني كنت مهندس ومخطط وكان يمكن لي القيام بهذا التصميم. بعد اتخاذ القرار توجهنا إلى مبنى الجهاد وقلنا إننا نريد الذهاب إلى منطقة نائية في محافظة كرمان أو يزد. سألونا فقط عن اسمنا وعدد الأشخاص الذين كانوا معنا، ثم اعطونا كتاب مهمة يأمر بإرسال فلان وفلان من الإخوة الجهاديين إلى منطقة كذا وكذا للجهاد البناء. وهكذا انتهي الامر! ثم زودونا بكتاب لم نكن بحاجة إليه إلا إذا سألنا أحد: "هل أنتم من الجهاد؟" كنا نقول نعم، لقد تم تكليفنا من قبل الجهاد. لم يكن هناك اموال أو سيارة أو أي شيء آخر لبدء النشاط. كان علينا أن ندفع ثمن الرحلة بأنفسنا.

البحث
الأرشيف التاريخي