عديمو الجنسية ومكتومو القيد والبدون في العالم العربي بين الذل والظل
مكتومو القيد، البدون، تسميات تختلف من بلد عربي إلى آخر حسب قوانين كل منها، ولكنهم يشتركون جميعهم بتعرضهم لصعوبات كبيرة من الناحية الشخصية ومن الناحيتين العملية والحقوقية، فالشخص، الذي لا يملك هوية تعرف عنه، معرض باستمرار لضغوط نفسية، ناهيك عن عدم قدرته على التعلم والتطبّب والعمل وغيرها من الأمور الضرورية.
برعاية الدولة اللبنانية ...أجيال عديمة الجنسية تُنجب أجيالاً مثلها
أن تكون مكتوم القيد في لبنان، يعني أن تعيش الحياة بمرّها أكثر من حلوها من دون أن تثبت مرورك فيها. "مكتوم القيد" وضع قانوني تعيشه فئة من مستحقي الجنسية اللبنانية، حُرموا منها لأسبابٍ عدة، فوجدوا أنفسهم بلا أوراق ثبوتية ولا شخصية قانونية، مجرّدين من أبسط الحقوق التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية، كالحق في الحصول على اسم وجنسية، والحق في الطبابة والضمان الاجتماعي والتعليم والعمل والتملّك والانتخاب والزواج، أو حتى التنقل بحرية، وصولاً إلى حرمانهم الحق في تسجيل
وفاتهم.
تُشكل هذه الفئة شريحة كبيرة من سكّان الأطراف والمناطق الشعبية غالبيّتهم غير مسجّلين في أي من سجلّات الأحوال الشخصية في لبنان تُعرّف عنهم “بطاقة تعريف من المختار”.
وتُعتبر قضية مكتومي القيد مسألة إشكالية شائكة بفعل تداخل عوامل كثيرة، فإلى جانب العوامل الذاتية والشخصية للأفراد، من قلة وعي وسيادة الطقوس التقليدية في أوساط بعض الشرائح الإجتماعية في مناطق الأطراف، لا يمكن إغفال الإطار السياسي والقانوني العام، إذ تطغى الحسابات الطائفية والديمغرافية على الجانب الحقوقي الإنساني لناحية منح الجنسية
اللبنانية.
في لبنان ثمة فئتان من مكتومي القيد : عديمو الجنسية لأسباب إدارية والثانية عديمو الجنسية لأسباب تاريخية أي الأشخاص الذين يتحدّرون من أصول لم يشملهم الإحصاء السكاني في العام م1932.
وتتضافر عوامل أخرى في زيادة أعداد " مكتومي القيد" فقد يتعذر تسجيل الولادات بسبب جنسية أحد الوالدين أو كليهما الاجنبية في حالات لا يمكنهم فيها تسجيل زيجاتهم وولادات اطفالهم سواء في لبنان أو في بلدهم الاصلي، فينتهي الأولاد من دون قيود، كحالة اللبنانية المتزوجة من أجنبي لاجئ لا يستطيع تسجيل زواجه في بلده الأصلي.
كذلك قد تمتنع المرأة اللبنانية عن تسجيل زواجها خوفاً من ملاحقة الزوج بسبب اقامته غير المشروعة مثلاً، ما يؤدي الى ولادات غير مسجلة وحالات من مكتومي
القيد.
وتزداد حالات مكتومي القيد عندما يمارس هؤلاء أهم حقوقهم في الحياة، وهو الزواج وبناء أسرة. فرغم أنهم يعقدون زيجات شرعية وفقاً للمعيار الديني، إلا أنها لا تكون قانونية ولا يمكنهم تسجيلها لعدم حيازتهم الوثائق اللازمة للتسجيل، فتنتج عن هذه الزيجات ولادات غير مسجّلة، وبالتالي أفواج جديدة من المكتومين.
حياة بلا حقوق
مكتومو القيد في لبنان محرومون من التمتع بالحد الأدنى من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون اللبنانيون بحكم القانون أو تلك المنصوص عليها في المواثيق والاتفاقيات الدولية من التعليم إلى الطبابة والزواج والعمل وسائر الحقوق المدنية.
هذا جزء بسيط من الحقوق التي يحرم منها مكتومو القيد، يضاف إليه الحرمان من حق التملك والتنقل بحرية، ناهيك عن الأخطار التي يتعرضون لها لعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية أو شخصية قانونية، واستغلالهم وتعرضهم للعنف والاتجار بالبشر والسجن والانحراف وغيرها من
الارتكابات.
المجتمع المدني يقدّم العون القانوني للأفراد
ينشط المجتمع المدني في العقدين الأخيرين على خط حل ملف مكتومي القيد، أو أقلّه تقديم المساعدة القانونية ضمن حدود الإمكان لهذه الفئة.
تقدّم بعض الجمعيات المساعدة القانونية للأسر والأفراد الذين يعانون من هذه الظاهرة عبر التعاون مع محامين وتكليف ممثلين قانونيين أمام المحاكم وتقديم الحلول المتاحة للصعوبات التي قد يواجهها والمتابعة في إتمام الإجراءات الإدارية والقانونية عند
الحاجة.
اقتراح قانون للحل
أعدّ المدير العام للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية إلياس خوري مشروع قانون قيد الدرس لاختصار الطريق أمام الأولاد اللبنانيين الشرعيين الذين أُهمل قيدهم ضمن مهلة السنة المحددة في القانون، لتسريع تسجيلهم عبر إنشاء لجنة مختصّة تنظر في الطلبات.
الغاية من مشروع القانون الذي لا يتعارض مع القوانين المرعية الإجراء، ولا سيّما قانون الجنسية اللبنانية الذي يعطي الحق بالجنسية لمكتومي القيد ممّن وُلدوا من أب لبناني، هو تسهيل تسجيل قيودهم.
«بدون» دول الخليج الفارسي... مواطنون بلا وطن
ماذا يعني أنك «بدون»؟ هناك كلمةٌ سقطت عمداً لا سهواً، هذه الكلمة تعني أنه لا اعتراف ولا انتماء، وبالتالي لا جنسية وطنية تمنح لمن يحمل هذه الصفة، البدون في غالبية دول الخليج الفارسي هم من أبناء البادية الرحّل من قبائل شمال الجزيرة العربية ومن النازحين في الشاطئ الشرقي للخليج الفارسي. لم يحصلوا على جنسية البلد الذي يعيشون فيه، وذلك بعد الانسحاب البريطاني عام 1971، وما نجم عنه من استقلال تلك البلدان.
الكويت : أفراد بلا هوية
يُشار بتعبير " البدون" للأشخاص الذين أقاموا في البلد فترة طويلة وأصبحوا مؤهلين لاكتساب الجنسية بموجب أحكام قانون الجنسية 15/1959، لكن الحكومة ترفض منحهم إياها لأسباب مختلفة. وفيما كان عددهم يقدر بـ350 ألفاً قبل عام 1990 (نصف تعداد الكويتيين)، تقلص إلى 93 ألفاً وفق الإحصاءات الرسمية الحالية ـ بسبب سياسة الضغط والتهجير، فيما تقرّ وزارة الداخلية بأن 5000 منهم فقط هم «بدون»، و86 ألفاً لديهم جنسيات دول أخرى.
ووفقاً لأحدث التقارير يبلغ عدد البدون في الكويت حوالي 100 ألف شخص، ونظراً لـ "عدم قانونية" إقامتهم في الكويت، يعانون من الحرمان من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الكويتي.
ويقوم "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" بإصدار بطاقات أمنية لهم، على أن يتم تجديدها دورياً من قبل الجهاز، ولا تعتبر هذه البطاقة هوية شخصية لحاملها، وفقاً لوصف الجهاز نفسه.
لا تزال الاحتجاجات المطالبة بحل قضيتهم مستمرة ، ففي نيسان 2022 م اعتصم سلمياً مجموعة من الناشطين البدون داخل خيمة في منطقة الصليبة بمحافظة الجهراء، مُعلنين إضرابهم عن الطعام في موقف احتجاجي على ما وصفوه بفشل السلطات في حل قضية عديمي الجنسية لأكثر من 70 عاماً.
المطلب الرئيسي الذي رفعه المضربون هو إحالة ملفات البدون العالقة إلى القضاء وليس إلى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية الذي يتهمه البدون بمساومتهم وابتزازهم بذريعة إخفائهم وثائق تُشير إلى "هوياتهم الأصلية".
البدون في الامارات... تمييز ممنهج ينتهك الحقوق
إذا كانت الكويت تساوي بعض البدون بالمواطنين، لجهة العمل والطبابة والتعليم، فإنّ معظمهم في الإمارات يعيشون على هامش الحياة العامّة.
"نحن فئة لم نبخل بالغالي والرخيص في سبيل رفعة هذه الدولة، ومع هذا نفتقر إلى أبسط حقوق الإنسان (بدون جنسية)، كثير منا حضروا قبل قيام الاتحاد، لا علاج ولا تعليم ولا عمل، حتى الهجرة ممنوعون عنها، نصرخ ونستغيث: أنقذونا قبل أن نصبح لصوصاً أو نموت من الجوع والجهل والمرض؟ هل سمعتم عمن يعيشون في الدول الفقيرة تحت خط الفقر؟ نحن نصنف من ضمن هؤلاء، وأين؟ هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة"».
صرخة أطلقها "بدون" الإمارات منذ سنوات خلت فهم يواجهون نهجاً قائماً على تمييز ممنهج ينتهك الحقوق دون أي اعتبار للمعاملة الإنسانية اللائقة، فهم يفتقرون للجنسية لأنهم لم يكن لديهم الانتماء القبلي المفضل المستخدم لتحديد الجنسية عند تأسيس الدولة. ولأنّ الأطفال يستمدون الجنسية بشكلٍ عام من الأب، فإنّ أطفال البدون المولودين داخل أراضي الدولة ظلوا عديمي الجنسية. ولأنهم لا يملكون جوازات سفر أو غيرها من أشكال تحديد الهوية، تم تقييد حركة البدون، سواء داخل البلاد أو دوليًا.
أطفال في الأردن بلا وثائق رسمية
يعاني العديد من الأولاد بسبب عدم امتلاكهم وثيقة قانونية (هوية) تُعرف عنهم فهم غير مسجلين في سجلات الأحوال المدنية، ويرجع عدم التسجيل لأسباب اقتصادية والجهل بالقوانين الأردنية. فيعتقد الأهل أنّ شهادة تبليغ الولادة التي يتسلمونها من المستشفى هي شهادة الميلاد ولا حاجة لاستكمال إجراءات التسجيل في الأحوال المدنية.
إنّ أكثر الحالات التي تمنع الأهل من تسجيل أطفالهم هو الجانب القانوني، إذ إن بعض الأهل يكونون غير قادرين على دفع تكاليف المستشفى، لذلك يرفض إعطاءهم تبليغ الولادة إلا بعد دفع المبالغ المستحقة، ما يضطر الأهل إلى الهروب من المستشفى وعدم الدفع.
كذلك هناك إهمال وتسويف من الأهل في تسجيل أبنائهم، ونتيجة هذا التسويف غرامة مالية حددها قانون الأحوال المدنية بالفقرة رقم (ج) من المادة 13 التي نصت على أن تستوفى من المبلغ غرامة قدرها عشرة دنانير إذا تم التبليغ بعد مضي مدة ثلاثين يوماً، لكن بعد سنة يجب عليه لزاماً رفع دعوى أمام محكمة الصلح لإثباث قيد الولادة.
يعتبر هؤلاء الأطفال "قنابل موقوتة"، ولن يكونوا في المستقبل فاعلين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ما يهدد بارتفاع نسب عمالة الأطفال والجريمة، حتى منظومتهم القيمية ستكون مهزومة، سوف يعيشون حياة من دون مستقبل". لذا على الحكومة والجمعيات المهتمة بحقوق الطفل تكثيف الجهود والدراسات لخدمة هؤلاء الأطفال من خلال تعريف الأهل بأهمية حقوق الطفل الأساسية ودورهم في رعاية أطفالهم.