مدير المركز الثقافي في جامعة البصرة للوفاق:
الأعمال المسرحية الإيرانية العربية تخلق مسرحاً اسلامياً مبدعاً
موناسادات خواسته
المسرح من الفنون الدرامية المهمة والقديمة التي تهتم بالأداء والعروض الحية على خشبة المسرح، ويعتبر المسرح أبو الفنون، وهذا ما سمعناه منذ القِدَم، فذلك اللقب لم يحمله المسرح من فراغ، بل إنه حصل عليه عن جدارة، وغالبية النقاد ودارسي الفن المسرحي يعتقدون بهذا الكلام وأن المسرح جامع الفنون بما أنه يؤثر مباشرة على المشاهد والفنان المسرحي يواجه المشاهدين بصورة مباشرة، ونظراً لأهمية المسرح، تُعقد مؤتمرات وندوات دولية كثيرة له في ايران والعالم، ومنها ما أقيم أخيراً في إيران بمدينة "قزوين" تحت عنوان "صاحبدلان"، حيث حضره أساتذة وفنانون من الدول المختلفة، ومنهم الدكتور "عبدالكريم عبود عودة" مدير المركز الثقافي في جامعة البصرة والأستاذ في كلية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية، ورئيس تحرير مجلة فنون البصرة، وله سوابق ونشاطات وتأليفات ومشاركات في مؤتمرات كثيرة، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا معه حواراً ، وفيما يلي نصه:
هل المسرح الديني فعل ديناميكي يوصل الإنسان الى حقيقة الروح؟
بدأنا الكلام بالحوار عن المسرح الديني والمقاوم، وأبدى لنا الدكتور عبدالكريم عبود رأيه في هذا المجال وقال: منذ بدايات المسرح الأولى كان المسرح في أحضان المعرفة الدينية، انطلقت كل الحضارات وكل الشعوب من أديانها لكي تبلور صيغة خطاب معرفي انساني قالوا عنه المسرح، وعندما نريد أن نفكر في وضع لمسات حقيقية في المعارف الإنسانية وخاصة المعارف في مجال الدين، فإننا نركز على أننا ينبغي أن نوصل هذه الرسالة السماوية بكل قدسيتها وأخلاقيتها وتنظيمها الفلسفي والفكري والوجودي، علينا أن نحول هذه الرسالة من طبيعتها الساكنة الجامدة إلى طبيعتها المتحركة عن طريق المسرح، من هنا يأتي رأينا الحقيقي بأن المسرح الديني هو فعل ديناميكي متحرك يوصل للإنسان حقيقة الروح وحقيقة التفسير الإنساني من أجل الخير والبقاء والمحبة، لذلك أحاول أن أدرج إجابتي حول المسرح الديني لأهميته وقدسيته وتوصيل رسالته بتهذيب الإنسانية، وهذا يرتبط أيضاً بما ينعكس على المقاومة ومسرح المقاومة التي تأخذ الدين حقيقة للتصدي لكل ما هو شر ولكل ما هو باطل من أجل الحق.
بروز الموهبة منذ الطفولة
وعندما طلبنا من الأستاذ عبدالكريم عبود ليحدثنا عن الدافع الذي شجعه للحضور في مجال المسرح ومن الذي اكتشف الموهبة فيه وعلى أي موضوع يركز في أعماله، قال: عندما نتحدث عن كيفية بروز الموهبة، فإنها برزت منذ الطفولة وإنها تطورت عن طريق التلقائية وعن طريق الإحتفالات التي نعيشها مع الأهل ومع المحيط، وعن طريق لعب الطفولة هذه، تطورت لكي تتحول من التلقائية المبررة وغير المبررة، إلى التقنين العلمي الصحيح عند دخولنا عام 1984 مع هذه الفنون الجميلة وأخذنا بالدرس المسرحي باعتباره درساً ثقافياً آكاديمياً علمياً مهماً، واسندت هذه العملية قراءات منظمة في مجال المسرح وتقنياته وأفكاره، وفلسفته وكأن أعمالنا المسرحية تؤكد هذا الجانب الأكاديمي من جهة والجانب الإجتماعي من جهة أخرى، والجانب التدريبي لإعداد جيل كفوء من جهة ثالثة.
المسرح فعل من أفعال الثقافة
وحول الأعمال المسرحية في مجال الإخراج والتمثيل قال الدكتور عبود: عملنا كثيراً في مجال التمثيل والإخراج وإدارة المسرح والإدارة الثقافية في المسرح العربي وشاركنا مشاركات متعددة على مستوى التمثيل والإخراج في أعمال المخرجين العراقيين المهمين فضلاً عن مساعدتنا بمؤتمرات مسرحية في العالم العربي في مصر وسورية والمغرب ودول أجنبية أخرى، كل هذه التجربة تحصلت لكي نحول المعرفة إلى فن متعال، التوصيل إلى شبابنا بأن المسرح هو فعل من أفعال الثقافة علينا أن ننشره في أماكن واسعة من الأرض لكي نتحاور عن الآخر وهذا الحوار، يؤكد صدق حبّنا للمسرح فالمسرح حياة والحياة تحتاج إلى أننا يجب ان نتواصل معها من أجل إنبات الزرع الحقيقي فيها والزرع الحقيقي يتأتّى من خلال المعرفة الحقيقية التي يعطيها المسرح للبشر كافة من هنا نؤكد حبّنا للمسرح وتفاعلنا مع المسرح، وعطاؤنا فيه.
ما هو التأثير المجتمعي للمسرح؟
وبعد ذلك تطرقنا مع الأستاذ عبدالكريم عبود الى مهرجان "صاحبدلان" الدولي للمسرح في إيران وتقييمه له وتأثيره في المجتمع، فقال: مهرجان "صاحبدلان" الثقافي الدولي للمسرح هو إحتفالية مسرحية جمعت ثقافات متعددة وانتقلت من المركز "طهران" إلى "قزوين" لكي تحول الهامش إلى مركز حقيقي للثقافة، هذه المدينة التأريخية التي يعود عمقها التاريخي إلى آلاف السنين احتفلت بمجموعة من الفنانين المسرحيين العرب والأجانب، خاصة من العراق وعمان وايران لكي يقولوا قول الحق في عروضهم المسرحية وقول الجمال، فكان للمهرجان طعم خاص بأنه إستطاع أن يؤكد على تبادل الخبرات وأن يربط العديد من المراكز الثقافية بمراكز جديدة للمعرفة والثقافة، أنا مع هذه التوجهات ومع فعل التأثير المجتمعي للمسرح في هذه المدن الكبيرة والعظيمة التي من واجبنا أن نستنهض الهمم ونحول ثقافتها القديمة إلى ثقافة آنية جديدة، يتفاعل معها الإنسان المعاصر.
تجانس الثقافات في المسرح المعاصر
وفيما يتعلق بالورشة التي أقامها ومواهب الشباب الإيراني في مجال المسرح، قال الدكتور عبود: الورشة التي أقمناها في قزوين وطهران كان عنوانها "تجانس الثقافات في المسرح المعاصر" وموضوع تجانس الثقافات أو تداخلها هو من أهم المواضيع التي يعزز فيه المسرحيون في هذا اليوم ويقولون بأن لغة المسرح ليست اللغة المحددة في التعبير، ومنحصرة في لغة الكلام، بل هي لغة كونية عالمية قادرة على أن تصل إلى الإنسان أينما كان، بإشاراتها وببعدها الثقافي، وبعمقها الذي يحقق للثقافة الإنسانية بعداً جديداً، لهذا جاءت التعاون مع مجموعة من المتدربين من قزوين ونجحنا كثيراً في توصيل هذه الفكرة، وأعلنا بأن الورشة قدمتها لايجاد مسرح متجانس ومتناسق مع الثقافات وكان هدفه أن يضع اللغة الفارسية في معادلة مع اللغة العربية من أجل إنتاج لغة مسرحية تعبّر عن انسانيتنا، نجاح هذه الورشة كان مرتبط بتفاعل المشاركين من مثقفي وممثلي قزوين، وبدعم من "صاحبدلان" والجماعة التي وفّرت لنا إمكانيات إقامة هذه الورشة.
وأنني أشكر جميع الشباب المشاركين في هذه الورشة وأشكر هذه المواهب التي ينبغى أن نسعى جميعاً لتطويرها وتأهيلها لكي تتقدم في مسيرتها لخدمة المسرح الإيراني أولاً والمسرح العالمي ثانياً والمسرح الإسلامي الذي نسعى إلى تأسيس أصوله وقوانينه وطرق عرضه.
الشباب العراقي ينهض بالمسرح
بعد ذلك كان الحديث عن المسرح في العراق وإقبال الشباب العراقي على المسرح، حيث قال مدير المركز الثقافي في جامعة البصرة: العراق كما تعلمون بلد ذو ثقافة وأدب وفنون إنسانية منذ القدم، ورغم أنه مرّ بفترة مظلمة في سنواته الأخيرة نتيجة لرعونة الذين يقودونه والذين يمتلكون القرار السياسي بأيديهم منذ عام 1958 فما سبق، لكن في العراق طاقات كامنة من الشباب الذين يستطيعون ان ينهضوا بالمسرح عندما تتوفر الأرضية الحقيقية لهم، الشباب اليوم في العراق، يحاولون أن يؤسسوا على تاريخهم العميق ثقافة مسرحية جديدة من شأنها أن تتطلّع الى الافضل بمساعدة المؤسسات الآكاديمية التي تحاول أن تخلق لهذا الجيل مجالا بشكل متواصل وتتواجد في أغلب محافظات العراق سبب من أسباب التواصل، هو النهوض التي يؤكده شباب العراق، مستمرين مع المسرح ومع عطاءات المسرح، ومع التطلّع للأشياء الجديدة في جانب المسرح على المستوى الثقافي ومستوى المشاهدة ومستوى المشاركات في المهرجانات العالمية والعربية وأستطيع أن أؤكد هذه الحالة، عندما أقول أن مهرجان "صاحبدلان" قد إستضاف عرضين مسرحيين، يمثلهم الشباب المسرحي في العراق العرض الأول من بغداد والعرض الثاني من البصرة، هذا يؤكد بأن شباب المسرح العراقي في ديمومة دائمة من أجل التواصل مع العالم، ومن أجل التواصل مع مسرح ينشئ الحرية.
الأعمال الإيرانية العربية المشتركة
وأختتمنا الحوار بالكلام عن الأعمال المشتركة الإيرانية العربية وتبادل الخبرات، فقال الدكتور عبود: إن تبادل الخبرات هو من أهم الأفعال التي ينبغي أن نقوم به في الوقت الحالي، لأن تبادل الخبرات يعني الجدل، والمحاولة التي من خلالها نستطيع خلق أفكار جديدة تتناسق مع قيمنا الفكرية بفلسفاتها وبتطلعاتها وبثقافاتها المتعددة لايجاد خليط جديد، لفهم العالم، هذا الخليط مبني على السلام والمحبة والجمال.
كل الأعمال المشتركة ما بين الجانب الإيراني والجانب العربي هي أعمال تثري الثقافة المسرحية ، نحن في البصرة حاولنا أن نعمل ما يُسمى بالإتفاقية الثقافية ما بيننا، بين نقابة الفنانين في أهواز ونقابة الفنانين في البصرة، هذه الإتفاقية ستؤسس لعمل مشترك وتبادل الخبرات، تبدأ الثقافة المسرحية المشتركة وتتواصل مع العروض المسرحية في تبادل خبرات متواصلة وتؤكد في ندواتها ومؤتمراتها وحلقاتها النقاشية أن المشاركة وتبادل الخبرات في مجال المسرح الإيراني والعربي تخلق مسرحا إسلاميا قائما على قنوات حقيقية من الإبداع والتطلّع والطموح .