إعتراف أمريكي صلف حول أفغانستان
انتقدت الخارجية الأمريكية في تقرير لها الانسحاب المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان عام 2021، وأكدت أن قرارات الرئيس الأمريكي الحالي والسابق بايدن وترامب بسحب القوات من أفغانستان كانت لها عواقب سلبية خطيرة، إلاّ أن التقرير تجاهل بصلافة الجرائم التي تسببت بها قوات المحتل الامريكي في أفغانستان، لاسيما تلك الأخيرة التي قصفت على اثرها قوات واشنطن عائلة أفغانية كاملة ما تسبب باستشهاد جميع أفرادها.
جاء في هذا التقرير؛ كان التخطيط للإخلاء يشوبه العديد من العيوب لأنه لم يكن من الواضح المسؤول الكبير الذي كان مسؤولاً عن قيادة هذه العملية ، لذلك واجهت القرارات التي تم اتخاذها تحديات خطيرة لدبلوماسيي وزارة الخارجية الذين كانوا يبحثون عن موضع قدم قوي ومستمر في كابول.
تبرير صلف وتعميق الفجوة
رغم أنه في نفس وقت هذا التقرير حاول بايدن تبرير سلوكه، إلا أن نشر هذا التقرير يظهر تعميق الفجوة في الهيئة الحاكمة الأمريكية ، حتى أن وزارة الخارجية ، من أجل تبرئة نفسها من الاتهامات. الكونجرس ووسائل الإعلام ، يلقي باللوم على دور الرؤساء الأمريكيين في فضيحة الخروج الفاضح من أفغانستان ، ويعترف بأن هذه المؤسسات والجماعات الفرعية كانت عادة ضحايا الحفاظ على سلطة الحكومات. وفي تبرير لقراراته بهذا الشأن قال بايدن: "هل تتذكرون ما قلته عن أفغانستان؟ قلت إن القاعدة لا يجب أن تكون هناك. قلت أن أطلب المساعدة من طالبان، ماذا حدث الان؟ ماذا يحدث؟ تصفحوا الانباء حول ذلك. كنت على حق." بالإضافة إلى هذا الموضوع، فإن دراسة الزوايا المختلفة لهذا التقرير ، وبالطبع جزء منه يظل سريًا، يكشف عن بعض النقاط الأساسية:
أولاً: يجب تقييم قرارات بايدن وترامب بما يتجاوز القرارات الشخصية وفي إطار الحزبين الديمقراطيين والجمهوريين، باعتبارهما ركائز القوة في أمريكا.
سلوك غير عقلاني
ترامب وبايدن هما رمزان لهذين الحزبين، ووجود مثل هؤلاء الأشخاص - الذين اعتبرهم الشعب الأمريكي أيضًا في استطلاعات الرأي الأخيرة غير جديرين وغير كفؤين لانتخابات 2024 - على قمة هرم القوة الأمريكية يظهر تراجع العقلانية ودور الأقزام السياسيين في هذا الهيكل. ثانيا: لطالما ادعى رجال الدولة الأمريكيون أنهم منقذون واعتبروا أنفسهم مؤهلين لاتخاذ قرارات ضد دول أخرى حتى بأدوات الاحتلال العسكري، والتي يمكن رؤية نتيجتها في احتلال أفغانستان والعراق وإشعال الحروب في البلقان وليبيا، سوريا، اليمن وأوكرانيا. وأظهر التقرير المذكور أعلاه والاعتراف بالسلوك غير العقلاني والمسبب للأزمة للقادة الأمريكيين أن هذا البلد ليس فقط عاملاً مزعزعاً للأمن، ولكنه أيضا كان مسببا للخراب والدمار حيث لم يجلب شيئا سوى البؤس والدمار إلى البلدان الأخرى.
إلتزامات أمريكا تجاه أفغانستان
عدم الالتزام تجاه الدول الأخرى هو سمة مشتركة لدى جميع الرؤساء الأمريكيين، كما هو الحال بالنسبة لأفغانستان، ليس فقط خلال 20 عاما من الاحتلال، ولا أثناء الانسحاب، وحتى الآن بعد عامين من الانسحاب، بل إن إلتزامات أمريكا تجاه أفغانستان لم تُنفّذ لا من قريب ولا من بعيد. في هذا الصدد؛ حذرت الأمم المتحدة مؤخرًا من أن فشل التزامات الغرب في توفير الاحتياجات الإنسانية، ومساعدة الملايين من الفقراء في أفغانستان المنكوبة بالأزمة، قد واجه العديد من المشاكل. ثالثاً: ما يتضح في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية هو العواقب الكارثية للأحادية الأمريكية ودول مثل بريطانيا، التي تسبب إصرارها على السلوك الأحادي والتعريف بأنفسها على أنها هي التي تصنع القرار الوحيد في العالم في كوارث كبيرة.
جرس إنذار للعالم
يعد هذا التقرير بمثابة جرس إنذار للعالم، بما في ذلك البلدان التي جعلت من نفسها لعبة الدعاية للحرب الأمريكية في أوكرانيا دون أن تدرك عواقبها وتكرر مأساة أفغانستان والعراق في أوكرانيا.
النقطة الأخيرة هي أن الاعترافات المريرة لوزارة الخارجية الأمريكية أوضحت مرة أخرى ضرورة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من الدول المستقلة في إطار التعددية العالمية العقلانية للتحقيق في سلوك الولايات المتحدة وحلفائها في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك أفغانستان والعراق. على سبيل المثال؛ على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري أقرّ رسميا بأن احتلال العراق كان بناءً على وثائق مزورة، أو أن وزارة الدفاع البريطانية تعترف في تقرير رسمي بأن جنود هذا البلد قتلوا أشخاصًا في أفغانستان بأوامر من كبار المسؤولين و ... لكن من الناحية العملية لا شيء يحدث لمعاقبة الجناة ومنع تكرار هذه المآسي. كما أنه في الآونة الأخيرة ، نشرت تقارير عن جرائم جنود أستراليين وكنديين في أفغانستان، لكن مرتكبيها لم يعاقبوا مثل الجنود الأمريكيين والبريطانيين.
تجاهل الجرائم بحقّ المدنيين
قال وانغ ون بين المتحدث باسم الخارجية الصينية إن تقرير الخارجية الأمريكية الذي ينتقد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، يتجاهل أن التدخل الأمريكي تسبب بمقتل الكثير من المدنيين. وأضاف المتحدث الصيني: " يثير الأسف أن التقرير لم يتطرق إلى القضايا التي يجب أن تنظر فيها الولايات المتحدة وتدركها، على سبيل المثال- انتهاك القانون الدولي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت راية الديمقراطية، والتصدي بشكل انتقائي للإرهابيين الأمر الذي أدى إلى انتشار المزيد من الإرهاب، وأسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، وأغرق مناطق مختلفة من العالم في الفوضى". وأشار المتحدث الصيني إلى أنه يتعين على واشنطن "إعادة الأصول المجمدة للبنك المركزي الأفغاني إلى الشعب الأفغاني، ورفع العقوبات أحادية الجانب ضد أفغانستان، والتخلي بشكل أساسي عن سياسة النزعة العسكرية، والتخلي عن العدوانية العديمة الجدوى وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى".