قانون الزواج المدني في العالم العربي.. ما بين الرفض والقبول
تلعب العادات والتقاليد دوراً كبيراً في تحديد مفاهيم النظام الأسري، كما أنّ الدين يلعب أكبر الأدوار في صياغة بنيويّة النظام الأسري وهذا ما يفسّر التمايز الكبير بين النظام الأسري في الإسلام والنظام الأسري في الغرب، وقد أدّى خروج الدين من المعادلة الإجتماعيّة الغربية إلى إيجاد أنماط حياتيّة جديدة ومسلكيات إجتماعيّة متحررّة لا علاقة لها البتّة لا بالقيّم الدينية ولا بالقيّم الفلسفيّة، وتحولّت الأسرة من كيان إجتماعي قوامه التداخل الروحي والمادي بين رجل و إمرأة يجمع بينهما عقد شرعي بحضور رجل دين أو في الكنيسة إلى مؤسسّة تجاريّة أو شركة قوامها المنفعة والقيّم الماديّة دون غيرها، وقد بدأت فلسفة الزواج في بلادنا تتعرض إلى الكثير من الإجتهاد وضرورة الخروج من المألوف، وقد كثر الجدل حول الزواج المدني وشرعيته وقانونيته. معروف أن الزواج الشرعي هو الزواج الذي يُغلفه الإطار الديني ويستند إلى أساس ديني مسيحياً أو إسلامياً، أما الزواج المدني فهو الذي يتم في محكمة بدون حضور رجال الدين، ويكفي أن يقوم موظف بتسجيل هذا الزواج ولا يتطلب أي مراسم دينية أو وجود أي من أهل الزوجين..
وهذا الزواج الذي يطلق عليه الزواج العلماني، ويسمح بالارتباط بين أتباع الديانات المختلفة بدون قيد، ويحصل المتزوجون مدنيًا على كامل حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية والخدمية ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك، لأنه يعتبر مخالفة لقانون الدولة التي أتاحت هذا النوع من الزواج.
هذا وتعد قضية الزواج المدني في العالم العربي ليست محبذة وتثير الجدل والشكوك في شرعيتها في الإسلام والمسيحية، لأن شعوب هذه البلدان متدينة وتحكم الأديان السماوية قراراتها المصيرية وتتدخل في شتى شؤون حياتها وكيفية التعامل معها، فالزواج المدني من منظور الأديان السماوية يخالف شرعيتها، فما هو ممنوع في الأديان السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) مشروع في الزواج المدني.
ستتطرق هذه المقالة إلى واقع هذا الزواج المدني في بلداننا العربية ومحاولات فرضه وجعله مقبولاً بحجج مختلفة، وعلى كيفية تعامل كل دولة عربية معه وتنظيمه وفق قوانينها الخاصة، فهو في كل دولة عربية له طبيعة مختلفة عن البلد الآخر من حيث التنفيذ والشروط والأحكام.
ارتفاع أصوات مطالبة بتطبيق الزواج المدني في مصر
تختلف هذه القضية من دولة عربية إلى أخرى، في مصر، يأتي معظم الجدل حول هذا النوع من الزواج من الأقباط المسيحيين، هناك مطالب عدة حول الزواج المدني، وعدم انتظار قبول طلبات طلاقهم، أو التصريح بالزواج، من قبل الكنيسة المصرية، التي تقبل الطلاق في حالتين فقط: «الزنا وتغيير الدين».
كانت وزارة العدالة الانتقالية قد وضعت مسودة لمشروع قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين تضمّن فقرة تتعلّق بالزواج المدني، وهذا ما أثار جدلاً كبيراً بين الكنائس توصلت بموجبه إلى إجماع
على رفضه.
أمّا المسلمون فلا يجوز لهم الزواج مدنيًا، لأنّ القانون المصري ينص على أن الشريعة الإسلامية أساس التشريع والزواج بين المسلمين يتم من خلال المأذون ويتم تسجيل وثيقة الزواج في الأحوال الشخصية، فالزواج المدني يخضع لقانون البلد الذي تم فيه، فإذا كان مصري متزوجًا من أجنبية يطبق الزواج حسب القانون المصري والقانون المصري يشترط من الزوجة الأجنبية أن تأتي بجواب موافقة على إتمام الزواج من سفارة دولتها في مصر، أما إذا كان متزوجًا من أجنبية في بلدها خارج مصر يتم الزواج مدنيًا حسب
قوانين بلدها.
هذا ويعقد في مصر العشرات زواجاً مدنياً، لكن وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، حيث في تلك الحالة تُمنع المسلمة من الزواج بمسيحي، وفق الدستور المصري، المستفتى عليه في يناير 2014م، والذي ينص على أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، وهو ما يُخالف ما يحدث في تونس التي تستبعد الشريعة في
دستورها.
سبق تونسي في تطبيق الزواج المدني
تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي تعترف بالزواج المدني، وأولى الدول العربية التي خطت على خطى أوروبا في الزواج مثلها مثل تركيا وغيرها من الدول الأوروبية التي فصلت الدين عن القانون والأحوال الشخصية لدى المواطنين، ففي عام 1956م أقر الرئيس الحبيب بورقيبة إصلاحات في قانون الأحوال الشخصية نصت على منع تعدد الزوجات، ومنع أي صيغة خارج الزواج المدني، وحاولت كثير من الحركات مثل حركة النهضة إلغاء الزواج المدني ولكنها فشلت.
ويستبعد الدستور التونسي الشريعة الإسلامية من الحكم، إذ تنص المادة الثانية على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، وتنص المادة 21 على أن «المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون تمييز»، وحق المرأة الراشدة في تزويج نفسها من دون الحاجة إلى وصي عليها.
المرجعيات الدينية في لبنان تتفق على رفض الزواج المدني
في لبنان الوضع معقد أكثر بسبب كثرة الطوائف والمذاهب الدينية وغياب قانون مدني للأحوال الشخصية، فالزواج والطلاق في لبنان تحكمه الأديان والمذاهب الدينية والطوائف المتعددة التي تبلغ ثماني عشرة طائفة.
ارتفعت أصوات المطالبين بالزواج المدني في لبنان ، ووصلت بعضها إلى حد المظاهرات بالشارع، ولكن أجمعت المرجعيات الدينية في لبنان على رفضها المطلق لإقرار قانون الزواج المدني في لبنان، محذرةً من نتائجه السلبية على الجوانب الوطنية والاجتماعية والأسرية.
فيقول في هذا السياق مدير عام هيئة التبليغ الديني في المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الحليم شرارة إنّ "الزواج المدني مرفوض في نظر المؤسسة الدينية الشيعية بخلفيتها الشرعية والوطنية". ويرجع سبب رفضه من الناحية الأخلاقية إلى أن الزواج المدني يفقد الحاضن الثقافي للأسرة، ما يهدد المؤسسة الأسرية بخطر التفكك والتحلل نتيجة افتقارها إلى الجامع الأخلاقي والروحي".
من جانبه، قال هشام خليفة مدير عام الأوقاف الإسلامية في دار الفتوى إنّ "دار الفتوى متمسكة برفضها المطلق لإقرار قانون الزواج المدني في لبنان". إن من يطرح هذا الموضوع "يتدخل بشكل سافر بشؤون وصلاحيات كل طائفة بحد ذاتها".
ولا يختلف موقف الكنيسة عن الأراء السابقة. وحول ذلك، يقول مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم إن "الكنيسة المسيحية لا تشجع ولا تؤيد ولا تعترف بالزواج المدني". موضحاً أن الكنيسة تعتبر الزواج بين الرجل والمرأة هو "عقد وعهد وسر من أسرارها"، وأن الزواج المدني "هو اتفاقية مشروطة لا ديمومة فيه أبداً، وهذا لا يتوافق مع تعاليم الكنيسة". وذهب "أبو كسم" إلى أن من يتزوج من المسيحيين زواجاً مدنياً "سيحرم من ممارسة الشعائر الدينية المسيحية لحين تصحيح زواجه في الكنسية".
الزواج المدني في لبنان : ولادات مكتومي القيد
يمنع القانون اللبناني إتمام عقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية، إلا أنّ الدولة تعترف بالزواج المدني المنعقد في البلاد المجاورة، فمن الممكن أن يتقابل اللبنانيون في مكتب الأحوال الشخصية في قبرص، وهي أشهر مدينة يتم فيها عقود زواج مدنية لبلاد ترفض قانونها الزواج المدني ولا تعترف به إلا إذا كان في الخارج.
ويتوجب على الزوجين بعد عقد زواجهما المدني خارج لبنان التوجه إلى السفارة اللبنانية في البلد الذي تم فيه الزواج لتحوّل الوثيقة إلى الخارجية اللبنانية، ومن ثم إلى دائرة الأحوال الشخصية. مسار طويل لا شك ستسلكه هذه الوثيقة إلى حين تثبيتها قانونياً في لبنان.
وهناك عقود زواج مدني في لبنان، ولكن عقود زواجهم غير معترف بها، نظراً لغياب قانون خاص بالأحوال الشخصية، بالتالي يُحرمون من حقهم في تسجيل الزواج، وينسحب ذلك على الولادات لتنضمّ فئة جديدة إلى مكتومي القيد.
تجدر الإشارة إلى ان الحال ليس أفضل لدى المتزوجين مدنياً خارج لبنان، الذين إن طالت معاملات التسجيل هنا، سينضمون بدورهم إلى الذين عقدوا زواجهم في الداخل، ويضحى أولادهم مكتومي القيد.
لهذه يواجه العديد من هؤلاء الأزواج ، الذين اختاروا الزواج مدنياً على الأراضي اللبنانية، أو تأخروا في تثبيت عقود زواجهم التي عقدوها في الخارج، مشكلات إدارية عديدة ناجمة عن عدم موافقة وزارة الداخلية على تسجيل الزواج وبالتالي عدم تسجيل الولادات... وصولاً إلى رفض الاعتراف بالزيجات الأخيرة التي تمّت عن بعد عبر التطبيقات الإلكترونية.
الزواج المدني في الجزائر يأخذ شكلاً مختلفًا
الزواج المدني في الجزائر يأخذ شكلاً مختلفًا، فالحقوق المدنية مختلطة مع الزواج الشرعي، فالزواج المدني في الجزائر معترف به طالما هو شرعي ولا يخالف الشريعة الإسلامية، فهو ليس مسموحًا فقط إذا كانت الزوجة مسلمة والزوج مسيحي، ولكن إذا كانا من نفس الملة والدين فلا مانع من الزواج المدني، ولقد أصدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية قرارًا قضى بتسجيل عقد الزواج المدني قبل العقد الشرعي، وذلك للحد من مشكلات الزواج العرفي ولحفظ حقوق المرأة، فلا مانع للمرأة أن تضع شروطًا تحفظ بها حقوقها في النفقة وعدم الزواج عليها أو حرمانها من العمل، فقد عدته جمعية علماء المسلمين الجزائريين أمرًا منكرًا في حين عده الناشطون في مجال حقوق الإنسان ضمانة لحقوق المرأة، فالجزائر كانت متجهة على خطى تونس حتى جاء تعديل عام 2005م للتوفيق بين بعض الطروحات المتباينة.
رخصة الزواج المدني في الإمارات تتم في غضون 24 ساعة
وفقًا للإصلاحات القانونية الجديدة في الإمارات العربية المتحدة، يمكن للأزواج الحصول على رخصة زواج مدني في غضون 24 ساعة فقط بغض النظر عن اللوائح والقيود الشرعية.
وأعلنت السلطة القضائية في أبوظبي أنها سجلت أكثر من 10 آلاف طلب زواج مدني للأجانب في محكمة مسائل الأسرة المدنية للأجانب. بمعدل 40 طلب زواج مدني للأجانب المقيمين يومياً، وذلك منذ بدء سريان القانون رقم 14 لسنة 2021 بشأن الزواج المدني.
ووفقًا للإصلاحات القانونية الجديدة ، يمكن للأزواج من أتباع الأديان الحصول على ترخيص زواج مدني في غضون 24 ساعة فقط، بغض النظر عن لوائح وقيود الشريعة، دون أن يكون لديهم العقيدة والدين نفسه.
هذا وقد أكدت صحيفة التايمز الإنجليزية، في تقرير لها، أن هناك إقبالاً متزايداً على الزيجات السريعة الجديدة في الإمارات، وأن المرأة يمكنها الزواج دون موافقة والدها أو وليها الذكر، خلافاً للشريعة الإسلامية. زعمت صحيفة التايمز أن دبي ستصبح "لاس فيجاس الشرق الأوسط" إذ أصبح الزواج المدني ممكنًا في الإمارات العربية المتحدة ، مما يعني أن دبي ستصبح وجهة شهيرة لقضاء العطلات وحفلات الزفاف السريعة.
في العام 2022 م، أصبحت الإمارات العربية المتحدة أول دولة في العالم العربي تسمح بالزواج السريع لأتباع الأديان المختلفة في عاصمتها أبوظبي، التي استقطبت 6000 زوج حتى الآن. أما الآن ستُستحدَث هذه الإصلاحات على الصعيد الوطني؛ مما يعني أنَّ دبي -وهي واحدة من أكثر المدن زيارة في العالم ووجهة شعبية لقضاء العطلات- ستقدم أيضاً الزواج السريع لأتباع الأديان المختلفة.