الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وأربعة وسبعون - ٠٤ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وأربعة وسبعون - ٠٤ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

قصيدة «نزار قبّاني» التي أشعلت الحرائق (3)

والذي أبعدها عن مقوّماتها كما يجب أن تكون، من سمات وحدة المصالح المشتركة والأهداف الجماعيّة، وتغليب الكلّ على الجزء. كما يذكر أنّ المنطق القبليّ الذي يحكم الشرق ساهم في فقدان قيمة النصر الجماعيّ.
لو أنّنا لَمْ ندفنِ الوحدةَ في الترابْ
لو لَمْ نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ
لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ.
ثالثاً؛ في إدراك النصّ لوظيفته الاجتماعيّة في ظلّ واقع الاستعمار؛ فعلى الرغم من أنّ النصّ الشعريّ يعي أهمّيّة تشكيله للذائقة الجماليّة بوصفه فنّاً، إلّا أنّه على مستوًى آخر، يعي أيضاً أنّ الكلمة أداة كفاح الفضاء الأدبيّ، فلم يتجاوز أهمّيّة دوره في دحض الوعي المزيّف، وتعبئة وجدان الجماهير بقيمة المقاومة، إلى جانب دوره في تعرية الواقع السياسيّ والاجتماعيّ للدول العربيّة، وضرورة تغييره بوصفه قيمةً فنّيّة من نوع آخر، أنتجها الأدب الفلسطينيّ المقاوم من تفاعله مع مختلف جوانب البيئة.
الوعي العربيّ بين "قائم" و "ممكن"
انطلاقاً من فكرة أنّ "علم اجتماع النصّ يجب أن يتّجه نحو كلّيّة مجموعة النصوص؛ كي يدرج نقاط التقائها وتناقضاتها داخل السياق الاجتماعيّ التاريخي"، يمكن القول بأنّه من قصيدة "الهوامش"، وبتتبّع جميع قصائد نزار الأخرى المنبعثة من أدب حزيران، تَسْهُل ملاحظة الحضور الكثيف للمضامين الثوريّة، والرسائل الاجتماعيّة والسياسيّة، وطغيان الملامح الوطنيّة، وتجلّيات المقاومة في لغته النضاليّة على مستوى الكلمة ومعناها ووظيفتها. تلتقي كلّها وتتشابك لتعكس ضرورة بارزة هي تشكيل الوعي وتعميقه.
أكّدت النصوص القبّانيّة فعل الوعي في العمليّة الكتابيّة، وعمّقت "الهوامش" ذلك، من خلال تجسيدها لمستويين من الوعي: "قائم" و "ممكن".
 الأوّل هو الوعي بأسباب الهزيمة ومصادرها وظروفها، وتداعياتها على واقع الحياة الاجتماعيّة. أمّا الثاني، فهو الوعي بالشكل الذي يجب أن يكون عليه المستقبل، وبمتطلّبات التغيير لتحقيقه، وهذا أقصى درجات الوعي.
ليست "الهوامش" نصّاً معزولاً عمّا تلاها من قصائد؛ فالذي يقرأ بشكل معمَّق قصيدة "أصبح الآن عندي بندقيّة"، وقصيدة "الممثّلون"، وقصيدة "المهرولون" التي كتبها بعد "اتّفاقيّة أوسلو"، وقصائد "ثلاثيّة أطفال الحجارة" المنشورة أعقاب "انتفاضة الحجارة"، وغيرها، يدرك أنّ كلّ نصّ منها يمثّل معنًى في علاقته بالنصوص الأخرى، وأنّ نزاراً في كلٍّ منها صوّر وعي الجماعة العربيّة والفلسطينيّة بين واقعي (فعلي) ناتج من ظروف الماضي وأحداثه وتراكم خبراته، وممكنٍ (مثالي) يعي الأوّل ويطمح
إلى تخطّيه.
 وقد ميّز بينهما في كثير من المواضع، كتلك التي تناولت الوضعيّة الاجتماعيّة للجماعات العربيّة، وتلك التي خاطبت الجيل القادم
ووصفته.
وما بين توصيف الوعي القائم، وتبيان الأسباب التي تحول دون تحقيق مستوى الوعي الممكن، ساد الطابع الجماعي في النصوص رغم الطابع الفردي لأيّ عمل فنّيّ أو أدبي؛ كونها تعبّر عن أبعاد ووقائع اجتماعيّة، ثمّ "إنّ العمل الفنّيّ ليس نتاج مؤلّف بوصفه فرداً، لكنّه يكشف الوعي الجماعيّ والمصالح والقيم الاجتماعيّة لجماعة أو طبقة". وعليه، يعتبر غولدمان إنّ "العمل العظيم هو وحده الذي يحتوي على بنية للوعي الجماعيّ الاجتماعيّ، تُظهر "رؤية للعالم" كلّيّة ودالّة من القيم والمعايير".
لا قيمة لقصيدة لا تشعل الحرائق
إنّ ما أسهم في تشكيل هذه البنية اللغويّة، بكلّ ما تحمله من معانٍ ظاهرة وكامنة، هو المؤثّرات والتأثيرات الاجتماعيّة للهزيمة في حرب دخلها العرب بإمكانيّات كادت تقودهم إلى نصر محتوم، لولا أنّ العدّة فاقت والإعداد أخفق؛ حتّى خسروا قتلى وجرحى وأسرى وعتادهم الحربيّ. هذا ما دفع بنزار قبّاني  إلى أن يعبّر بـ "الهوامش" عن المرتكزات الحقيقيّة التي يجب الانطلاق منها عند تناول هزيمة حزيران من جوانبها السياسيّة والأيديولوجيّة والاجتماعيّة، وأن يبعث روح المقاومة في ما تلاها من قصائد تضمّنت حركات اجتماعيّة بوصفها شكلاً أدبيّاً ثوريّاً ومناضلاً، حتّى أصبحت طليعته الأدبيّة بعد الخامس من حزيران، التي انقطع فيها عن شكل ماضيه الأدبيّ، تُجَسِّد طليعة سياسيّة وثوريّة يجب أن تكون. إذ عنده "لا قيمة لقصيدة لا تشعل الحرائق في الوجدان العامّ (...)، وفي المرحلة التاريخيّة التي نعيشها، لا قيمة لشعر يحترف التبخّر والخوف والتستّر والتقيّة".

البحث
الأرشيف التاريخي