الناقد السينمائي اللبناني «حسين سماحة» للوفاق:
الدراما الإيرانية تلامس عقل وقلب الإنسان العربي
تتمة المنشور في الصفحة 5
لكن دراما المقاومة لعبت دوراً بارزاً في إيصال الحقيقة إلى العدو وعسكره وبيئته الإجتماعية ومفادها أن المقاومة استطاعت هزيمته في الكثير من المواقع والمواقف منذ النكبة والنكسة إلى اجتياح لبنان والوصول إلى بيروت وصولاً إلى تحرير الجنوب اللبناني وتحرير غزة حتى باتت اليد الطولى للمقاومة في ميدان العمل العسكري والأمني.
كان ذلك من خلال تمثيل أبرز العمليات التي لَوَتْ ذراع العدو من العمليات الإستشهادية في مسلسل "الغالبون" إلى عملية أنصارية التي أثبتت تفوق المقاومة الإستخباري إلى الإنتفاضة الأولى والثانية وما شهدته من صمود أسطوري للشعب الفلسطيني، إلى الإشارات التي بيَّنت تفوق المقاومة السياسي في حرب نيسان 2006 إلى تحرير الجنوب وغزة، إلى مجريات حرب تموز 2006 وانتصار جلبوع وإنجازات المقاومة الفلسطينية في الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على غزة والضفة.
هذه المواضيع وغيرها كانت مادة دسمة شكّلت نواة المعالجة الدرامية لمختلف المسلسلات والأفلام التي أنتجتها المقاومة في لبنان وفلسطين طوال السنوات الفائتة، وصنعت جبهة مواجهة ضد الدعاية الكاذبة التي أراد الإسرائيلي بثها لحرف الحقيقة في المجتمعين الدولي والإقليمي. كان هذا أحد أهم الأهداف الذي عملت دراما المقاومة على تحقيقه من خلال الدراما، وما زالت تعمل على تحقُّقه أكثر فأكثر.
دراما المقاومة تعمل على تصويب المفاهيم
وتابع الدكتور سماحة: موازاة لذلك استطاعت دراما المقاومة سد النقص الحاصل (ولو جزئياً) في التوجه إلى الدراما الهادفة من خلال التعرُّض للمواضيع المفيدة والعميقة التي أثبتت أن جمهور المقاومة متعطش للعودة إليها بعد ما شهدته الدراما العربية والإسلامية من سطحية وهزلية وانحطاط في المحتوى، بعد الغزو الثقافي والإعلامي الذي مارسته الدراما التركية والمكسيكية على المنطقة.
من هنا يمكن القول أن دراما المقاومة تعمل على تصويب المفاهيم التي حاول العدو زعزعتها بشتى الوسائل وتبيين المستوى العملياتي والعلمي التي وصلت إليه المقاومة بهدف تثبيت العزائم وشد الهمم خصوصاً بعد الهجمة الإقتصادية والإجتماعية التي يشنها كيان العدو الصهيوني على يد بعض الدول الغربية وربيبته الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو واضحاً الصبر الإستراتيجي الذي تمارسه بيئة المقاومة في هذه الحرب الشعواء، فكانت الدراما أحد أسلحة المقاومة في هذا المجال.
رسالة دراما المقاومة
وأضاف هذا الناقد والباحث اللبناني: أما بالنسبة إلى الرسالة التي وجهتها دراما المقاومة إلى الدول المطبعة مع كيان العدو فمفادها أن الكيان الصهيوني هو عبارة عن عدو متجبر متكبر فاسد لا يحسب حساباً للدول التي تتعامل معه ولا للعملاء الذين يتجرأون على معاداة أوطانهم مقابل حفنة من الدولارات، وما حفلات التطبيع التي شهدناها في الفترة الأخيرة إلا محاولات تصبُّ في مصلحة الكيان الغاصب بالمرتبة الأولى وإلا لما كان ذهب إليها كرمى لعيون بعض الدول الضعيفة.
كان ذلك من خلال تبيين دور العميل في كل إنتاجات المقاومة الدرامية، التي أظهرته شخصاً منبوذاً من قبل العدو ومن المقاومة على حد سواء وأن مصيره إما الموت أو الإستسلام وبالتالي السجن أو الهروب إلى كيان العدو أو بعض الدول التي تمارس بحقه كل أنواع التمييز العنصري والطائفي والمذهبي والفئوي. وكان كبير عملاء جيش لحد المدعو "أنطوان لحد" أبرز مثال على ذلك بعد أن هرب إلى كيان العدو ولم يجد مكاناً يُدفن فيه بعد موته.
من هنا نستطيع القول أن مسيرة الدراما في المقاومة استطاعت تحقيق أهداف واستراتيجيات مهمة للغاية، لكن الأمر لا ينفي الحاجة إلى تنويع المواضيع والإكثار من الإنتاجات وسد الثغرات في المضمون ورفع المستوى في التنفيذ.
الإنتاجات الإيرانية العربية المشتركة
بعد ذلك تحدث لنا الدكتور سماحة حول الإنتاجات الإيرانية العربية المشتركة وردة فعل الجمهور، فقال: تضرب العلاقات الإيرانية العربية في المجال الثقافي - الفني عمق التاريخ نظراً لتقارب الجغرافيا من جهة وتقاطع مصالح الطرفين في فترات زمنية مختلفة، وكان مستوى تلك العلاقات يتفاوت بتفاوت الأحداث الجيو سياسية في المنطقة والعالم، ومدى تأثيرها على الثقافة والفنّ في المنطقة. فشهد التبادل الثقافي والفني الإيراني – العربي زواجاً وطلاقاً على طول الخط الزمني في المنطقة، إلا أن السنوات الأربعين الماضية (أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران) كانت شاهدة على ولادة جديدة لعلاقات فنية إيرانية - عربية بدأت في الثمانينيات وما زال رسمها البياني في حالة تصاعد مستمرٍّ باتجاه التحسين والتطوير وزيادة الإنتاج.
عام 1988 كانت نهاية الحرب المفروضة خلال ثماني سنوات، وكان مع نهايتها إنتاج فيلم "الرصاص" الذي اختار القضية الفلسطينية مضموناً له، مثبتاً أن ثماني سنين من الحرب لم تحرف البوصلة الإيرانية عن قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين، فنقل الفيلم وجهة نظر مجتمع بأكمله حول هجرة اليهود إلى فلسطين. كان هذا الفيلم من إخراج المخضرم الإيراني "مسعود كيميائي"، وفتح باباً أمام مسيرة من الأفلام الإيرانية التي تحكي قضايا دول وشعوب المنطقة، في وقت لم تضع الجهات المختصة موعداً زمنياً محدداً لإنهاء تلك المسيرة.
فكرَّت السبحة مع فيلم "النار الخفية" عام 1990 و "المتبقي" عام 1994 و"لبنان حبي" عام 1995 و"قواعد اللعبة" و"سبعة أحجار" عام 1997 .
مع انسحاب الجيش الإسرائيلي المذلِّ من لبنان عام 2000 كان لا بد من مواكبة هذا الحدث التاريخي الإستثنائي الخاص من خلال سردية درامية تحكي قصة عشرين سنة من الجهاد والمقاومة والشهادة من جهة وتوجيه البوصلة إلى رأس هرم الصراع ضد كيان العدو الصهيوني وهو قضية الداخل في فلسطين المحتلة بعد أن أثبت انتصار لبنان إمكانية تحقيق انتصار على الصهاينة في فلسطين وإمكانية هزيمة الجيش الإسرائيلي، وإمكانية إجبار إسرائيل على الإنسحاب من الأراضي التي احتلتها دون قيد أو شرط وتحت خط النار، وأن تحرير فلسطين ممكن لا بل مؤكد.
ترجمة ودبلجة الإنتاجات الإيرانية
وأضاف سماحة: هنا أزاحت الجهات الإيرانية المختصة في الدراما الستار عن مسلسل "زهراء ذات العيون الزرقاء" عام 2001 الذي سلط الضوء على ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب ضد أهل غزة والطفولة المذبوحة على أرض فلسطين، ومنذ ذلك الحين، وبعد الرواج الملفت الذي لقيه المسلسل المذكور، أُنتجت باكورة من الأفلام والمسلسلات المشتركة التي لاقت استحسان وتأييد المتابعين.
هنا لمس المعنيون عناية خاصة للمشاهد العربي بالدراما الإيرانية، فكان التوجه إلى ترجمة ودبلجة الإنتاجات الإيرانية وبثها في السوق العربية ومنها ما لاقى نجاحاً باهراً كمسلسل "يوسف الصديق" الذي قد لا يخلُ بيت عربي من المحيط إلى الخليج الفارسي إلا وعُرض فيه، وغيره من المسلسلات الناجحة أذكر منها "أهل الكهف" و"مريم المقدسة" و"رستگاران" و"ستايش" و"هناس" و"دون موعد مسبق" ومئات الإنتاجات الأخرى التي لا يسع المقام لذكر أسمائها. يعود هذا الإهتمام العربي إلى المستوى الراقي الذي وصلت إليه الدراما الإيرانية في التنفيذ (الإنتاج والإخراج والتصوير و...) والمواضيع المهمة التي تطرحها والتي تلامس عقول وقلوب الإنسان العربي والمسلم واهتماماته على وجه الخصوص.
مواجهة الحرب الناعمة
وحول مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو، قال الدكتور سماحة: إستناداً إلى جملة ما قرأناه حول الحرب الناعمة وتعريفها، وخلاصةً لكل التعريفات المتشابهة التي وُضعت لها والتي تختلف في ما بينها في الشكل لا في المضمون، يمكن تلخيص تعريف الحرب الناعمة بأنها القدرة على تحقيق الأهداف وإخضاع الآخرين (أعداء أو خصوم) من خلال الجاذبية العقلية والإحساساتية والبيانية، بعيداً عن استخدام الخشونة بمختلف أشكالها إن كانت العسكرية أو الأمنية أو حتى اللفظية منها.
وكان قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي (دام ظله) قد عرَّف الحرب الناعمة وشرح أدواتها وحيثياتها وأهدافها بشكل مبسَّط ومفصَّل، أقرب إلى الواقعية والعملانية التي نشاهدها في يومياتنا، معتبراً إياها غزواً ثقافياً يُراد منه التأثير على الإرادات والعزائم والسياسات والآراء وإيجاد الترديد والشكّ عن طريق النفوذ والكذب ونشر الشائعات واختراق الحدود الإيمانيّة والعقائديّة والثقافيّة تمهيداً لإحباط الناس وحرفهم عن المبادئ السامية التي
يؤمنون بها.
ومن البديهي أن تُدار المعارك في الحرب الناعمة بناء على أسس وقوانين وأهداف وحيثيات وبرامج واضحة وبالتالي فمن المنطقي أن تعتمد مواجهتها على إخماد مفاعيلها وإبطال أهدافها وتصفير نتائجها. ولما كانت أهداف العدو في الحرب الناعمة تعتمد على استهداف الجوانب المعنوية والعقائدية والأيديولوجية من خلال الترويج لثقافات بديلة مستوردة لا تتناسب مع الأصالة والقيم العليا التي تذخر به ثقافتنا، فكان لا بد من مواجهة العدو بذات السلاح الذي يشن به حربه على مجتمعنا من خلال تثبيت الجوانب المعنوية والعقائدية والأيديولوجية في العقول والقلوب والأرواح بكل الأدوات المتاحة منها الإنتاجات العلمية والأدبية والفنية.
وأظن أنه لا داعي لإثبات الدور الجوهري والعميق الذي تلعبه الإنتاجات التصويرية والصوتية (فيلم، مسلسل، أنيميشن، غرافيك، و...) في هذه المعركة المفصلية. كما عمل العدو في الفترة الأخيرة على صناعة رأي عام يتماشى مع تطلعاته الإستعمارية والإستكبارية بهدف سَوْق هذا الرأي العام إلى استسهال الكذب وإلقاء الفتن وإذكاء الإضطرابات.
ساهم في ذلك القدرة الخارقة التي فرضها انتشار وسائل التواصل الإجتماعي التي حذفت أية إمكانية للسيطرة والإحاطة بهذه التقنيات، فأصبح كل فرد في المجتمع يحمل سُمَّه القاتل بيده (الهاتف الخلوي) وبات مسؤولاً عن المواجهة وعدم الوقوع في فخ العدو لوحده دون إمكانية طلب المساعدة. وهنا تبرز المسؤولية الكبرى للمؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية التي تقع على عاتقها مواكبة التطور وصناعة التطبيقات وإدارة الحملات الإعلامية لتكون سبّاقة لإقتحام عقول الشباب وقلوبهم قبل غزوها من قبل العدو.
صناعة محتوى عالي المستوى
وهكذا إختتم سماحة كلامه: وبالتالي أقول أن مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها العدو على بيئتنا تكمن في صناعة محتوى عالي المستوى في الشكل والمضمون، يؤكد على الحفاظ على المثل العليا التي بُني مجتمعنا على مفاهيمها بهدف الحفاظ على الهوية، والحد من تأثير المفاهيم السامة التي يحاول العدو تصديرها واقتحام عقولنا من خلالها.
من الواجب التأكيد على ضرورة رفع مستوى القالب الذي يتم من خلاله تقديم هذه المفاهيم، ولا يخفى على أحد التأثير الخاص الذي لعبته أفلام الأنيميشن وفيديوهات الكوميك موشن والموشن غرافيك التي يتلاءم قالبها مع منصات وسائل التواصل الإجتماعي، للمضي في مسيرة مواجهة الحرب الناعمة التي اعتمدها العدو في العقود الأخيرة.
من هنا أدعو نفسي والآخرين لمواكبة التطور الحاصل في هذا المجال وخاصة ما انتشر مؤخراً في موضوع الذكاء الإصطناعي، والمیتافرس وآخر صيحات الألعاب الإلكترونية ثلاثية الأبعاد وكل تقنيات
الجيل الخامس.
سماحة:
لمس المعنيون عناية خاصة للمشاهد العربي بالدراما الإيرانية، يعود هذا الإهتمام العربي إلى المستوى الراقي الذي وصلت إليه الدراما الإيرانية في التنفيذ (الإنتاج والإخراج والتصوير و...) والمواضيع المهمة التي تطرحها والتي تلامس عقل وقلب الإنسان العربي والمسلم واهتماماته على وجه الخصوص