ماذا يعني تحوّل المُستوطنين إلى ميليشياتٍ إجراميّة؟
عبدالباري عطوان
كاتب ومحلل سياسي
قبل عامٍ ونصفِ العام تقريبًا توقّف زعيمٌ عربيٌّ بارزٌ في لندن وهو في طريقه للمُشاركة في مُؤتمرٍ دوليّ كبير، وكان أوّل سُؤال وجّهه لي عن الشخصيّة الفِلسطينيّة التي يُمكن أن تخلف الرئيس عبّاس في قمّة السّلطة، والسياسة التي يُمكن أن يتّبعها في الأراضي العربيّة المُحتلّة، وفُرص نجاحها؟ وحجم التّأييد الشّعبي المُتوقّع؟
أجبت هذا الزّعيم وهو ما زال حيًّا يُرزق، وأعتقد أنه سيقرأ هذه المقالة، بالقول إنه لن يكون هُناك خليفة للرئيس عبّاس، وإن البديل الوشيك والمُتوقّع هو المُقاومة، وستكون مُقاومة مُختلفة، ومُسلّحة، ومُتطوّرة، وسيكون من الصّعب السّيطرة عليها.
الرّجل الذي التقيته وحده، استغرب إجابتي، واعتقد أنني أُبالغ، وأتمنّى أن يكون قد تذكّر هذا اللّقاء، وهو يُتابع هذه الأيّام العمليّات الفدائيّة المُسلّحة التي "تتوالد" بسُرعةٍ في الأراضي المُحتلّة، ويُنفّذها رجال المُقاومة من كتائب جنين والعرين، والأقصى والقسّام ونابلس وسرايا القدس، ووقوف السّلطة موقف المُتفرّج، وكأنّها شاهدُ زور، وليس لها أيّ علاقة بما يَحدُث.
المُستوطنون المُسلّحون الذين يقترب عددهم من الـ800 ألف مُستوطن في الضفّة الغربيّة باتوا يتحوّلون بشَكلٍ مُتسارع إلى ميليشياتٍ إرهابيّة فوق القانون، وبحمايةِ الجيش الإسرائيلي، وبغطاءٍ أمريكي أوروبي أُممي، تنفيذًا لمُخطّطات بنيامين نِتنياهو وحليفيه بن غفير وسموتريتش، وقد تُعطي هذه الخطوة نتائج مُعاكسة تمامًا من حيث رُدود الفِعل الفِلسطينيّة التي يُمكن أن تترتّب عليها، وتُزعزع أمن واستِقرار الدّولة العِبريّة بصُورةٍ قد تُؤدّي إلى انهِيارها في نهاية المَطاف.
تسليح الشّعب الفِلسطيني في الضفّة والقِطاع، والأشقّاء السوريين الثّائرين في هضبة الجولان، سيكون أبرز الخِيارات المطروحة في المرحلة المُقبلة، فعندما لا تقوم سُلطة الاحتِلال بواجباتها في حِماية من هُم يقعون تحت احتِلالها من أعمال القتل والحرق التي تُمارسها الميليشيات الاستيطانيّة فإنّ المُطالبة بالتّسليح الشّعبي تظل الخِيار الشّرعي والمنطقي الوحيد.
والضفّة الغربيّة تعيشُ الآن حالة حرب، ويبدو أن الأشقّاء في هضبة الجولان انضمّوا إلى نظريّة وحدة السّاحات الميدانيّة، وبدأوا انتِفاضتهم المُباركة، فإذا كانَ استِخدام العدوّ مِروحيّات الأباتشي، والمُسيّرات والدبّابات ليس حربًا فما هي الحرب إذًا؟ إن عمليّات المُقاومة في يوم الخميس ليست عبارةً عن ردّ فعل سريع للانتِقام لشُهداء مخيّم جنين، وإنّما ثمرة تخطيط مُحكم، وإرادة قويّة، وهذا ما يُميّزها عن سابقاتها ويجعلها تَفاقُم حالة الرّعب التي يعيشها المُستوطنون في كُل فِلسطين هذه الأيّام.
وموقع "كيبا" الإسرائيلي أكّد هذه الحقيقة عندما نقل عن اللّواء الاحتِياط عرشون هكوهين "أن ما حدث في جنين صباح الاثنين يُشكّل سابقةً، فالمسألة ليست إطلاق عدد قليل من المُسلّحين النّار على مُدرّعات بل معركة شارك فيها أكثر من مئة رجل مُسلّح"، بينما قال جِنرالات لموقع "واللا" الاسِتخباري "إن كمين جنين المُتطوّر وعمليّات الضفّة الأخيرة، غيّرت قواعد اللّعبة وتُنبئ بذروةِ تصعيدٍ جديدةٍ في المِنطقة".