عقب زيارة بلينكن لبكين؛
ما مستقبل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة؟
وانغ مو يي
كاتبة ومحللة صينية
زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الصين يومي 18 إلى 19 من الشهر الجاري، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها دبلوماسي أميركي رفيع المستوى إلى الصين منذ 5 سنوات. حيث يعدّ بلينكن أول وزير خارجية أميركي يلتقي الرئيس الصيني منذ عام 2018. ورغم أن الزيارة لمرة واحدة ليست كافية لتصحيح مسار العلاقات بين البلدين، فإنها ترسل بعض الإشارات الإيجابية. فقد جاءت زيارة بلينكن للصين عقب اللقاء بين الرئيس الصيني شي جين بيغ ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية في العام الماضي. واتفق الزعيمان على ضرورة الحفاظ على التواصل بين الجانبين واتخاذ الإجراءات لتجنب النزاعات غير المبررة.
وتأتي الزيارة الحالية بعد 4 أشهر من زيارة كان من المفترض أن يقوم بها بلينكن، لكن الولايات المتحدة أجّلتها بسبب ما يسمى باكتشاف منطاد تجسس صيني مشتبه به في المجال الجوي الأميركي، ما أدى إلى تدمير فرصة نادرة للتبادلات رفيعة المستوى بين الجانبين.
تأتي الفترة الحالية من الزيارات رفيعة المستوى في وقت المنافسة الشديدة بين الصين والولايات المتحدة. وخلال الأشهر التي تلت زيارة بلينكن المؤجلة إلى الصين، ضغطت حكومة بايدن على حلفائها، مثل اليابان والهند وأستراليا، للانضمام إليها في الحد من مبيعات المعدات الرئيسية لصناعة الرقائق إلى الصين، وتحركت الولايات المتحدة لتوطيد التحالفات العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهندي، بما فيها التحالف مع اليابان والهند وأستراليا، التي تشارك في الحوار الأمني الرباعي، والتي اتفقت مع الفلبين على استخدام الجنود الأميركيين 4 قواعد عسكرية إضافية على أراضيها. إضافة إلى ذلك، عملت على تطوير الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ مع عشرات الدول، واستبعدت الصين عمداً. وتهدف جميع سلوكياتها المذكورة أعلاه إلى احتواء تقدم الصين وتطويقها وقمعها تحت ستار المنافسة.
إن فتور العلاقات الصينية الأميركية هو بؤرة الاهتمام العالمي. يحتاج الجانبان إلى تسيير العلاقات واستئناف الحوار للحد من مخاطر وقوع حوادث مترتبة على سوء التفاهم.
وخلال زيارة بلينكن، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين في 19 حزيران/يونيو الجاري، وشدد شي على موقف الصين بشأن العلاقات الصينية الأميركية، موضحاً أن الصين تحترم المصالح الأميركية، ولا تسعى إلى تحدي الولايات المتحدة أو الحلول محلها. وأضاف أن على الولايات المتحدة بالمثل احترام الصين وعدم الإضرار بحقوقها ومصالحها المشروعة، معرباً عن أمله في إعادة علاقة البلدين إلى مسارها الطبيعي والمستقر. من جانبه، نقل بلينكن تطلعات بايدن إلى الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة، وشدد على أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعودة إلى الأجندة التي وضعها الرئيسان في اللقاء في جزيرة بالي، وتطلع إلى الانخراط الرفيع المستوى مع الجانب الصيني، والحفاظ على الاتصالات من دون عوائق، وإدارة الخلافات بمسؤولية، والسعي وراء الحوار والتبادلات والتعاون.
بعد اللقاء بين الرئيسين الصيني والأميركي في جزيرة بالي، واصلت الولايات المتحدة تجاهل مخاوف الصين الرئيسية بشأن تايوان. على سبيل المثال، مرت السفن العسكرية الأميركية بمضيق تايوان، ودعمت الولايات المتحدة قوى "استغلال تايوان" بطرق متعددة، وصعدت التوتر في مضيقها من خلال بيعها الأسلحة، ووقعت "مبادرة القرن الحادي والعشرين التجارية" معها.
هذه الأمور تحدّت مراراً وتكراراً الخط الأحمر للصين، إذ حثت الأخيرة مرة أخرى الولايات المتحدة على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة والبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة واحترام سيادتها وسلامة أراضيها ومعارضة "استقلال تايوان" بإجراءات فعلية.
رغم أن بلينكن أوضح خلال زيارته هذه المرة أن الولايات المتحدة لا تدعم "استقلال تايوان"، فقد قال في مؤتمر صحافي مقام في بكين مساء 19 حزيران/يونيو إن الولايات المتحدة ستضمن قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها. لذا من الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال غير مستعدة لتنفيذ وعودها، ولن تتخلى أبداً عن استراتيجيتها المتمثلة في "استخدام تايوان لاحتواء الصين"، ومن الواضح أيضاً أن قضية تايوان ما زالت تمثل أبرز خطر في العلاقات الصينية الأميركية.
فحققت زيارة بلينكن بعض النتائج الإيجابية لتخفيف التوتر بين الصين والولايات المتحدة، فوافق الجانبان على التنفيذ المشترك للإجماع المهم الذي تم التوصل إليه على هامش قمة "مجموعة العشرين" في جزيرة بالي الإندونيسية، وإدارة الخلافات بشكل فعال، وتعزيز الحوار والتبادل والتعاون.
ووعد البلدان بمواصلة الحوار. ودعا بلينكن علنياً وزير الخارجية الصيني تشين غانغ إلى زيارة الولايات المتحدة خلال لقائهما؛ ففي الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تزداد التبادلات رفيعة المستوى بين البلدين، وأن تحصل الزيارات المتبادلة للمسؤولين في مجالات الاقتصاد والتجارة والنقل والثقافة وتغير المناخ. ثانياً، من المحتمل أن تُستأنف بعض آليات الحوار القائمة بين الصين والولايات المتحدة، وسيتخذ الجانبان بعض الإجراءات، مثل زيادة الرحلات الجوية وتحسين سياسات التأشيرات لتعزيز التبادلات الشعبية. لكن رغم ذلك، من المستبعد أن تحقق هذه الزيارة "انفراجة مفاجئة" في العلاقة بين بكين وواشنطن، لأن هناك تناقضات جوهرية بين الصين والولايات المتحدة، فالأخيرة تعد الصين "أهم منافس لها" وتحاول قمعها واحتوائها بكل ما تستطيع اللجوء به. لكن من أجل دفع البلدين إلى مسار صحي ومستقر، ينبغي عليهما الالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح. هذا الأمر سيفيدهما، وسيعمل أيضاً على استقرار العالم. إن العلاقات المربحة للجانبين والتعاون سيساعد في إقامة نظام عالمي مستقر، وهو أمر ذو أهمية إيجابية للعالم.