أميركا تتجه أكثر نحو العنف
علي دربج
موقع العهد الاخباري
لطالما ظن العالم أن ميل الولايات المتحدة الأمريكية الى العنف، يقتصر على قيادتها وجيشها ومؤسساتها الأمنية فقط. لكن الحقيقة تشي بخلاف ذلك، إذ أظهر استطلاع للرأي أجري قبل فترة وجيزة من انتخابات التجديد النصفي العام الفائت أن نسبة كبيرة من الأمريكيين، ترى أن العنف السياسي مقبول لديهم وفق سيناريوهات
معينة.
ومع أن الأغلبية الساحقة من مواطني هذا البلد، اعترفت أن العنف السياسي يمثل مشكلة تواجه البلاد، وعارضوا بشكل عام أعمال العنف ضد الأشخاص العاديين أو المسؤولين المنتخبين، لكن اللافت في الأمر أنهم لم يرفضوا العنف بالمجمل.
ما تجدر معرفته هنا أن المسح (الدراسة الجديدة) قامت بها كل من شركة الاستطلاعات "يوجوف" و"مركز الولايات المتحدة للديمقراطية" (تعرف عن نفسها بأنها منظمة غير حزبية تعمل على تحقيق انتخابات حرة ونزيهة وآمنة)، وقد شملت 3049 بالغًا في الولايات المتحدة، وكانت قد أجريت في الفترة الممتدة من 27 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. وقد تم تعريف العنف السياسي ـــ بحسب الاستطلاع ـــ على أنه استخدام العنف أو التهديد أو الترهيب أو المضايقة لمنع الآخرين من ممارسة حقوقهم الاجتماعية أو السياسية الكاملة.
ما هي نسبة تأييد الأمريكيين للعنف كما عرفه الاستطلاع؟
كشف الاستطلاع أن 78 بالمائة من الأمريكيين، اعتبروا أن العنف بدوافع سياسية يمثل مشكلة في الولايات المتحدة، بينما رأى 12 بالمئة أنه يشكل أقل من مشكلة أو لا يعتبر مشكلة على الإطلاق. صحيح أن ما بين 73 و78 بالمائة من المستطلَعين قالوا بحسب الدراسة، إنهم "لن يدعموا أبدًا" الأنشطة "مثل القتل أو الإصابة أو المضايقة أو الاستغناء عن الأشخاص العاديين الذين يختلفون معهم سياسيًا"، غير أن المفاجأة الكبرى أن الدراسة وجدت عند تحليلها للبيانات، أن بعض الأمريكيين عبروا عن آراء أكثر تقبلًا للعنف السياسي اعتمادًا على خصوصية السؤال.
فعلى سبيل المثال، قال 43 بالمئة من الأميركيين، إنه إذا حظرت الحكومة حيازة جميع الأسلحة النارية، فإن العنف السياسي مقبول في بعض الأحيان على الأقل، في حين قال 18 بالمئة، إن مثل هذا السيناريو يعني أن العنف مقبول "دائما".
وعندما سئل الناس بشكل مباشر عن دعمهم للعنف إذا خسر مرشحهم الرئاسي المفضل انتخابات 2024 "بعد فرز جميع الأصوات المؤهلة بشكل عادل"، أجاب 20 بالمئة أن العنف قد يكون مبررًا "قليلا". ولكن بعدما سئلوا عما إذا كان العنف مبررًا إذا خسر مرشحهم السياسي المفضل "بسبب أفعال غير عادلة" من خصومهم السياسيين، ارتفع التأييد لبعض العنف إلى 37 بالمئة.
وفي السياق ذاته، أكد 30 بالمئة، أن العنف السياسي مقبول "دائما" أو "في كثير من الأحيان" إذا "عصى قادة الحزب الحاكم القوانين أثناء محاكمة خصومهم السياسيين الذين يخالفون القوانين نفسها". بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 49 بالمئة، بعدما انضم اليهم أولئك الذين قالوا إن العنف مقبول "أحيانا" في ظل هذه الظروف.
ماذا عن أعمال القتل وإطلاق النار والتهديد عبر النت؟
غني عن التعريف أن التهديدات بالعنف السياسي والمضايقات والترهيب، ممارسات كلها انتقلت إلى قلب الحياة السياسية الأمريكية في أعقاب الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب. كما أثارت الهجمات العنيفة البارزة والاحتجاجات والمخاوف من أعمال الشغب، قلق الخبراء والمسؤولين المنتخبين ومعظم الأمريكيين المتجهين إلى دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وبناء على ذلك، سأل الاستطلاع المشاركين بشكل مباشر عما إذا كان من المقبول أن يرتكب حلفاؤهم السياسيون أعمال عنف معينة ضد المعارضين السياسيين العاديين، وقد يشمل ذلك قتل شخص ما، أو ضربه أو رمي الحجارة عليه، أو تدمير ممتلكاته، أو الاحتجاج ضده بشكل واضح باستخدام الأسلحة النارية خارج منزله، أو مضايقته أو ترهيبه شخصيًا أو عبر اللجوء للإنترنت لإخافته من خلال نشر معلومات شخصية مضللة عنه لتشويه سمعته. أما الاجابات فكانت صادمة. ففي حين أن الأغلبية الساحقة قالت إنه من غير المقبول أبدًا ارتكاب مثل هذه الأعمال ضد أي شخص، غير أن الاستطلاع، وجد أيضًا دعمًا أكبر بشكل ملحوظ لأعمال العنف ضد المسؤولين المنتخبين من الحزب الآخر، مقارنة بدعم العنف ضد الأمريكيين العاديين.
في المحصلة، في حين شهدت الولايات المتحدة فترات من العنف السياسي، من المرجح أن تتفاقم ظاهرة العنف هذه (بمختلف درجاتها) خصوصًا بعد التهمة الجنائية التي وجهتها وزارة العدل الأمريكية لترامب بسبب تعامله مع وثائق سرية، وتشويهه لسمعة النظام القانوني، حيث ألمح أنصاره إلى نيتهم القيام بأعمال عنف محتملة ردًا على لائحة الاتهام هذه، ولائحة سابقة في مانهاتن بتهم تتعلق بالمال السري، وما يدعم هذا الأمر هو الخطاب التحريضي العنيف الذي تنشره الجماعات المؤيدة لترامب على الإنترنت، ضد المؤسسات الأمنية وخصومهم السياسيين بالتحديد الحزب الديمقراطي.