الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان واثنان وستون - ١٩ يونيو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان واثنان وستون - ١٩ يونيو ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

وسيلة حرب إيديولوجية استراتيجية

الدور المؤثّر للحرب الناعمة في دائرة السلوكيّات الإنسانيّة


الوفاق / وكالات
يبرز الدور المؤثّر للحرب الناعمة في دائرة السلوكيّات الإنسانيّة أكثر منها في أيّ إطار آخر، وذلك لاعتبارات خطيرة أبرزها أنّ الحرب الناعمة هي محاولة لتغيير القوالب الفكريّة والسلوكيّة للمستهدفين بما ينسجم مع ما يريده الطرف الآخر. ونمط الحياة واحد من أهمّ مُحدّدات السلوك الإنسانيّ؛ إذ ينطوي في داخله على القيم والأفكار والخلفيّات كافّة التي تجعل السلوك واقعاً وحقيقة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الهويّة الخاصّة لكلّ فرد أو مجموعة تتشكّل من خلال القيم والمعتقدات التي تخاطب الفرد وتضمن رُقيّه واستمراريّته، وبالتالي الوصول إلى أهدافه. لذلك، كان استهداف الهويّة من أبرز مصاديق تغيير القوالب السلوكيّة من منطلق أنّ النمط الحياتيّ هو العنصر الفاعل في الهويّة. وعليه، فإنّ أهميّة نمط الحياة تنبع من أنّه المكان الأهمّ للاستهدافات الناعمة.
فما هو مفهوم نمط الحياة؟
نمط العيش أو نمط الحياة  هو التجلي والتمظهر الفعلي السلوكي والقيمي لمنظومة اجتماعية وثقافية ولتجربة حضارية راهنة تفرض نفسها عبر قوة نموذجها، وما يمكن تسميته بمخرجات منظومة كاملة من القيم والمفاهيم والرموز للحياة الحضارية السائدة والمهيمنة، وهو ليس عملا أو سلوكاً فرديا منفصلاً أو مستقلاً، وهو في الغالب ليس اختياريا أو تلقائياً، بل نتيجة موجات متدرجة من التأثر بنموذج نمط العيش السائد المنتشر في بيئة جغرافية واجتماعية معينة. فالتغير في القيم والعادات والأعراف الاجتماعية أمر لا يتم بسهولة عادة، بل يحدث بصورة  بطيئة وتدريجية.
وفي ظلّ السعي الغربيّ الحثيث لتغيير نمط حياة المسلمين، عبر ثقافةٍ سَحَرَ بريقُها أعينَ الناس، دُسَّت إلينا ،ممزوجةً بعسل، في حربٍ هادئةٍ ناعمة، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على أهم مقومات نمط الحياة في الاسلام الذي هو نظامٌ حياتيّ متكامل، يتولّى مسؤوليّةَ التكامل البشريّ في أبعاده كافّة، ولا يرى انفكاكاً بين الدارين، بل يرى الدنيا مزرعة الآخرة. لذا، رسم للإنسان صراطاً قويماً شاملاً لنمط العيش في الحياة الدنيا، يستطيع من خلال التزامه تحقيقَ ما تنشده الفطرة من سعادةٍ، قبلَ الموت وبعدَه، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
مقوّمات "نمط الحياة"
إذا كان نمط الحياة يشير إلى عناوين ومسائل واسعة في السلوك الإنسانيّ، فمع ذلك يمكن التأكيد على مجموعة من العناوين المحوريّة أو الضوابط التي تساهم في تحقيق نمط حياة موافق لما يريده الإسلام من المسلم:
الاقتصاد والاعتدال: والمقصود منه الابتعاد عن الإسراف والإقتار. أمّا الإسراف فهو الاستزادة من الأمور الدنيويّة وصرف الشيء في غير المصلحة المقرَّرة له، وأمّا الإقتار فهو التضييق على النفس والعيال(7). وعن الإمام الصادق عليه السلام: " علامات المؤمن ثلاث: حُسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة، والتفقّه في الدين".
- القناعة: القناعة هي شعور النفس بعدم الرغبة فيما هو أكثر من حاجتها، ويترتّب عليها الرضى بالرزق الإلهيّ وعدم الاعتماد على غيره. وقد تحدّثت الروايات بشكل مستفيض حول القناعة وأهميّتها ودورها في حياة الفرد بما يُرتّب عليها من آثارٍ دنيويّة وأخرويّة. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بالقناعة يكون العزّ".
الزهد: هو واحد من الفضائل التي شدَّد عليها الإسلام وذكر حدودها وتفاصيلها. والمقصود به عدم التعلّق باللذائذ الدنيويّة بحيث يكون لها التأثير الكبير على مستوى الحياة على حساب الأبعاد الأخرويّة للحياة الإنسانيّة. وللزهد منافع كبيرة من أبرزها: الاهتمام بالأبعاد الأخلاقيّة في الحياة، التوجّه نحو القضايا المعنويّة، صلاح الحياة الدنيويّة والأخرويّة...
أَوْلى الإسلام اهتماماً خاصّاً لنمط الحياة، فجعله منسجماً مع الأهداف العليا للوجود الإنسانيّ الذي يضمن صلاح الدارين. ومن هنا، يرى الإسلام الحياة الدنيا سبيلاً للوصول إلى الآخرة، وأنّ السعادة فيهما لا تتحقّق إلّا وفق نمط خاصّ، لذلك ربّى الإسلامُ المؤمنَ على سلوكيّات تنسجم بكاملها مع تلك الأهداف، وسلّحه بضوابط يقيس بها انسجام طريقته مع ما أراده الله تعالى. فعندما نراعي جوانب الاعتدال والقناعة والزهد، نكون عند ذلك في طور بناء مجتمعٍ متكاملٍ يساهم في ارتقاء الحضارة الإسلاميّة، ونضمن سعادة الفرد على اختلاف توجّهاته. ويترتّب على نمط الحياة الإسلاميّ امتلاك قيم محدّدة، تقع بالدرجة الأولى في مصلحة الفرد والمجتمع وتحصّنهما أمام القيم التي قد تحرفهما عن المسار الإلهيّ.
نمط الحياة الغربي
لا يمكن اعتبار نمط الحياة الغربيّ، بالنسبة إلى البلاد الإسلاميّة وغيرها، مجرّد سلوكيّات أو أنظمة أو أفكار بعيدة عن غايات وأهداف الهيمنة، بل هو وسيلة حرب أيديولوجيّة استراتيجيّة، يتمُّ فيها الإخضاع الثقافيّ والسياسيّ والاقتصاديّ.
ففي ظل تنوع وسائل الاتصال أصبحت الثقافة الغربية هي المهيمنة في كثير من البلدان الغربية والإسلامية. ولا يمكن اعتبار نمط الحياة الأمريكي والغربي مجرد سلوكيات أو أنظمة أو أفكار بعيدة عن أهداف وغايات الهيمنة، بل هو وسيلة حرب إيديولوجية استراتيجية يتم فيها الإخضاع الثقافي و السياسي والاقتصادي. يقول الدبلوماسي البريطاني أنتوني بارسونز: “إن استأنست بلغة أحد وأدبه، إن عرفت وأحببت  بلاده، مدنها، فنونها، شعبها، ستكون مستعدا بشكل لاشعوري لاقتناء ما تريده منه أكثر من مصدر لا تعرفه بدقة، ولدعمه حين تعتبر أنه على صواب، ولتجنب معاقبته بقسوة إن أخطأ، فالسيطرة على أذواق الناس بالموسيقى والتلفزيون والسينما، إلى لباس الشوارع والأطعمة السريعة وغيرها من السلع الاستهلاكية تشكل عمليات تدجين ثقافي يومي يمهد لتغيير قيم الشعوب ويفتح أسواقها أمام التجارة الأمريكية، ويغير من مواقفها السياسية. وقد تمكنت أمريكا من استغلال قوتها في الإنتاج الفني التلفزيوني وفي الصناعة الترفيهية وشركات الأقمار الصناعية فدخلت إلى كل بيت وأثرت في كل فرد. وكما ورد في كتاب "الإعلام الأمريكي بعد العراق.. حرب القوة الناعمة" تروِّج عبر العالم للحلم الأمريكي، الذي أصبح هو النمط المثالي للحياة، وهو الذي يسعى لتحقيقه كل إنسان، وحينها، تتلخص السعادة بالنسبة لكَ، بغض النظر عن جنسيتك أو ديانتك، في تحقيق هذا الحلم ، فالحلم الأمريكي الذي يجري تسويقه، يقوم على إشباع الملذات الحسية وضرب القيم الروحية والمعنوية.
طبعا هذا السلوك الجماعي لم ينشأ من فراغ وهو ليس وليد ساعته وإنما عمل عليه ويعمل في الليل والنهار بمكينات إعلامية ضخمة. ومن أبرز مظاهر نمط الحياة الأمريكي والغربي في مجتمعنا:
ثقافة الاستهلاك
إن ثقافة الاستهلاك هي شراء ما يفوق قدراتنا المادية،‏ ثقافة تمّ تصنيعها من قبل شركات تجارية عملاقة ومؤسسات مالية ضخمة، تعمل جنباً إلى جنب مع السياسي والحاكم على رسم سياسات مؤثرة في الشعوب هدفها الربح وتوسيع دائرة الاستهلاك وزيادة أعداد المستهلكين وتغيير الهوية الثقافية لهذه المجتمعات. فهي تخطط بذكاء تقني‏، وبفكر عملي وعقلية إنتاجية ربحية، وبأساليب متنوعة. تخلق عند المستهلك التعطش لاقتناء كل ما هو معروض من سلع وتنمي لديه حب التملك، وتقدم له نوع من الإحساس بالتميز والتفوّق بما يعزز مكانته الاجتماعية من الوجاهة وحب الظهور والتفاخر،  فتدفعه إلى  الشراء المفرط بما يتجاوز حاجاته. ومن المؤسف أن مجتمعنا مبتلى بهذه الثقافة فتغيير وتبديل السيارات، آثاث المنزل، الهاتف الذكي...  باتت من العادات التي تغزو مجتمعاتنا. وقد نرى نوعاً من المستهلكين يلجأ إلى الاقتراض للحصول على إيرادات إضافية لأجل شراء غير الضرورات، ويصبح غير قادر على الوفاء بأقساط تلك القروض، فيلجأ إلى مزيد من الدين أو القيام بأعمالٍ غير مشروعة لأجل حب الظهور
والتفاخر.
ثقافة الترفيه
 ليس المقصود رفض الترفيه ومخالفة كلّ محاولات الأفراد الترفيه عن أنفسهم، بل المقصود به أن يُصبح هذا الترفيه من محدّدات الشخصيّة الإنسانية، والذي يندرج ضمن استراتيجيّات الحرب الناعمة الأمريكية ضدّ الشعوب. أصبح الترفيه في الفهم الأمريكيّ وسيلةً لترويج الأفكار والأيديولوجيّات، وفي هذا الإطار يقول صاحب واحدة من أهمّ شركات الإنتاج الأمريكيّة: "إذا كان لديك شيءٌ تقوله وتنشره، فمن المفيد أن تضعه في جلباب الترفيه وستجد سوقاً جاهزةً لتعميم ما تقوله أو ما تريد ترويجه من أفكار وأيديولوجيات".
تكاليف الزواج
مظاهر الترفيه عديدة وكثيرة تبدأ بأجهزة التلفزيون والكمبيوتر وتقنيّات الإنترنت، ولا تنتهي في كيفيّة إقامة الاحتفالات والأعياد ومراسم الزفاف وغيرها، حيث دخل النمط الغربيّ وبقوة إلى أغلب تفاصيلها، وأضحى بعضهم أسير الخصوصيّات التي وضعها الآخر. وإنّ بعض هذه الممارسات لا ينسجم مع سلوكيّات ومعتقدات الإنسان المتديِّن. إن إظهار الفرح والبهجة أمر محبوب ومطلوب بهذه المناسبات لكن لا أن تؤدي المبالغة فيها إلى المشقة والحرج والوقوع في الضيق أو إلى تفشي ظاهرة العنوسة وتراكم الديون على الشباب. لتشكل ضغوط اجتماعية كبيرة بدءً من غلاء المهور  ونوعية أثاث المنزل أو العادات الاجتماعية التي ترافق الزفاف من المبالغة في البذخ على الموائد، واستئجار قاعة الاحتفالات المكلفة أو فرق الإنشاد...
مناسبات وأعياد مخترعة
يحتفل بأعياد ليست من الدين في شيء فتؤدي إلى فقدان الهوية وضياع الشخصية، ناهيك عما يصرف فيها من أموال تصل إلى حدود البذخ والإسراف من غير مسوغ ديني، من أبرزها عيد رأس السنة وعيد العشاق وأعياد الميلاد الشخصية....
سطوة الموضة
 تحتل الموضة بأشكالها حيِّزاً كبيراً من حياة أغلب الناس، يُقبلون عليها تقليداً للآخر من دون معرفة الأسباب الحقيقيّة لذلك. ولكن ممّا لا شكّ فيه فإنّ الذي ساهم في انتشارها الترويجُ والدعايةُ وربط صورة الآخر بالأفضل والأكثر تقدُّماً وتطوُّراً، متناسين أنّ الموضة تحكي عن نوع الثقافة والقيم التي نحملها. لذلك، عندما يُروِّج الآخر لأشكال الموضة المنتشرة لديه، فهو بشكلٍ أدقّ يروِّج للقيم التي يعتقد بها ويمارسها، وهذا هو الخطر المحدق بالمسلم صاحب القيم والسلوكيّات الناشئة والنابعة من معارف الدين. طبعاً، تغزو مجتمعاتنا أشكال من الموضة، تبدأ من اللّباس والمظهر وتسريحة الشعر، ولا تنتهي بالعبارات والكلمات والسلوكيّات التي تحكي عن الآخر، وليس عن المجتمع نفسه.
هذا الأمر يحتاج إلى المعالجة والتنبه إذ لا تقف ثقافة الاستهلاك عند الاقتصاد فحسب بل تتعداها إلى البعد الثقافي والسلوكي فنستهلك الثقافة الغربية التي تؤثر بتصوراتنا وتفسیرنا للحیاة. وما نعيشه اليوم هو موت بطيء للهوية والذاكرة، وبشكلٍ تدريجي يتآكل معه الجهاز المناعي لثقافة المجتمع وينعكس مباشرة على مواقفنا وسلوكياتنا، وينذر بأخطار على الأمن الاجتماعي.
في النهاية يحذّر الإمام الخامنئيّ (حفظه الله) من التحوّل الذي يُحدِثه تقليدُ الغرب في نمط حياة الشعوب الأخرى، قائلاً: "إنّ تقليد الغرب، بالنسبة إلى الدول التي استحسنَت هذا التقليد لنفسها وعملَت به، لم يَعُد عليها إلّا بالضرر والفاجعة، بما في ذلك الدول التي وصلَت -بحسب الظاهر- إلى الصناعات والاختراعات والثروة، لكنّها كانت مقلِّدة. والسبب هو أنّ ثقافة الغرب هي ثقافة هجوميّة. هذه الثقافة هي ثقافةٌ لإبادة الثقافات. فأينما جاء الغربيّون، أبادوا الثقافات المحلّيّة، واجتثّوا الأسُس الاجتماعيّة، وغيّروا تاريخ الشعوب ولغاتها وحروفها (خطوطها) ما استطاعوا".

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي