الأسيرة فاطمة شاهين:
حرمها الاحتلال من أمومتها فهزمته بصمودها
يزعم المجتمع الغربي وبعض الأنظمة الغربية اهتمامًا بقضايا المرأة و"حقوقها"، ولكن في المجتمعات والبلدان المخالفة للسياسات الأمريكية والصهيونية، نجد عند أي حادثة تتعلق بالمرأة في هذه البلدان تضج المنظمات الحقوقية والإعلام الغربي والمحلي الموالي لهم، بالاتهامات ضد البلدان وقادتها ومسؤوليها حول انتهاك حرية المرأة ووضعها في المجتمع. لكن هل تنظر ذات المنظمات الدولية الحقوقية إلى وضع المراة الفلسطينية وخاصةً حالة 34 أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال؟ ثمّ تحديدًا الى الحالة الصحية الحرجة للأسيرة فاطمة شاهين؟
شلها الاحتلال واعتقلها في أصعب ظروف
هزمت الأسيرة الفلسطينية فاطمة شاهين، ابنة الـ 33 عامًا، الاحتلال بهزيمتها للعدو بأمومتها وابتسامتها، فقد اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني الأسيرة بتاريخ 17/4/2023 ،عند مفرق"غوش عصيون" الاستيطاني الذي يفصل بين مدينتي بيت لحم والخليل بتهمة محاول القتل العمد وحيازة سكين.
وتعرضت أثناء اعتقالها لاطلاق نار من جنود الاحتلال قرب مخيم "الدهيشة" في بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلّة، مّا أدى الى إصابة جسدها برصاصات، واحدة استقرت في عامودها الفقري وأدت الى شللها. فيما ذكرت وزارة الأسرى والمحررين في بيان لها "أنّ الأسيرة فاطمة شاهين مصابة بأربعة رصاصات إحداها استقرت في منطقة الظهر بين الفقرتين الرابعة والخامسة، ما أدى لإصابتها بشلل نصفي".
وأُجريت لها عملية جرى فيها استئصال إحدى الكليتين واستئصال نحو 50% من كبدها، وأصبحت الأسيرة فاطمة لا تتحرك إلاّ على كرسي متحرك وحالتها الصحية لا زالت خطيرة، لم يكتفِ الاحتلال بشلّ الشابة، بل اعتقلها أيضًا في قسم الجنائيين، في السابع عشر من شهر نيسان / ابريل الماضي، وأحالها رغم وضعها الصحي الصعب جدًا والحرج الى عيادة سجن "الرملة" التي لا تتوفر فيها أدنى مقومات الرعاية الطبية.
هذا وتُمعن مصلحة السجون في تشديد الإجراءات الظالمة بحق الأسيرة شاهين رغم شللها، فتتعامل بسياسة الإهمال الطبي وعدم توفير العلاج اللازم، كما تمنع عنها زيارة أهلها وذويها. وكانت قد رفضت المصلحة نقلها الى الأقسام العادية للأسيرات ليساعدنها، الى أن وضع الاحتلال – بعد الضغط - معها الأسيرة عطاف جرادات لمساعدتها في تلبية حاجاتها.
الأسيرة الأم
تعيش طفلة الأسيرة فاطمة الصغيرة حالة فقد وحرمان قلّ ما تمر بها طفلة بعمرها بعد اعتقال والدتها، وتطلب رؤيتها دائما معبرة ًعن اشتياقها لها، فهي لم تتمكن كما عائلة والدتها من زيارتها في سجون الاحتلال أو حتى الاتصال بها هاتفياً .
يقول والد الأسيرة بأنّ الصغيرة لا تعرف شيئا عن والدتها حتى اللحظة، ولا تدري أنها معتقلة بعد إصابتها برصاص الاحتلال، وتدرك فقط أنّ والدتها قد تأثرت حالتها الصحية وذهبت إلى المستشفى لتلقي العلاج".
وكانت الأسيرة طالبةٌ متميزة، إذ انها تفوقت في الثانوية العامة على مستوى مدينة بيت لحم، وحصلت على معدل 97% من التخصص العلمي، وقد درست الطب في جامعة القدس أبو ديس، لكن بسبب ظروف عائلتها المادية لم تكمل دراسة التخصص، ولجأت إلى دراسة علوم حاسوب، وحصلت على درجة البكالوريوس. وبينما كانت الأسيرة تعيش مع عائلتها بسعادة، أصبحت هذه العائلة مكلومة تعيش ظروفاً لم تعهدها من قبل بعد اعتقالها وحرمانها من العائلة والأولاد.
يُشار إلى أن اعتقال الأسيرة وافق ذكرى يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان/ أبريل، وهي مناسبة يُحييها الشعب الفلسطيني بفعاليات ميدانية وتضامنية مع الأسرى في سجون الاحتلال، ويبلغ عددهم قرابة خمسة ألاف بينهم أكثر من ثلاثين أسيرة.
معاناة الأسيرات الفلسطينيات
تُعيد حالة الأسيرة فاطمة شاهين قضية الأسيرات الفلسطينيات وظروف اعتقالهنّ الى الواجهة. في تقرير في 18/ 5 / 2023، أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى بـ "أنّ أعداد الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال ارتفعت لتصل إلى 34 أسيرة يُحتجزن في ظل ظروف لا إنسانية قاهرة، وهذا العدد مرشح للارتفاع في ظل حملات الاعتقال التي يمارسها الاحتلال بحق النساء بشكل شبه يومي".
وأضاف التقرير أنّ "الأسيرات تتعرضن للعديد من عمليات القمع والانتهاك، مع استمرار سياسة اقتحام الغرف بهدف التفتيش والتنغيص، وانتهاك خصوصيتهم من خلال تثبيت كاميرات المراقبة في ساحة الفورة والممرات، وحرمانهن من الزيارات، ومنع إدخال الكتب الثقافية أو العلمية، إضافة الى رحلة البوسطة السيئة التي تسبب لهن الإرهاق الجسدي والنفسي".
تتواجد في سجون الاحتلال 13 أسيرة محكومات بأحكام مختلفة، منهم ميسون الجبالي (بيت لحم)، هي تعتبر من بين عميدات الأسرى تقضي حكمًا بـ 15 عامًا، الى جانب الأسيرتين شروق دويات من القدس وشاتيلا أبو عياد، من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومحكومتان بالسجن لمدة 16 عاماً.
كذلك، من بين الأسيرات 8 حكم عليهنّ الاحتلال بالسجن 10 سنوات، و7 أسيرات مرضى، أبرزهنّ اسراء الجعابيص، وأزهار عساف، ورجاء كرسوع، يخضعن لسياسة الإهمال الطبي والمماطلة في إجراء الفحوصات الطبية وتوفير الأدوية المناسبة. بالإضافة الى الأسيرة نفوذ حماد القاصر (16 عامًا)، وأسيرتين في الاعتقال الإداري رغد الفني، وروضة أبو عجمية.
تعددت أساليب التعذيب التي مورست وما تزال على الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال إذ تم احتجازهن داخل زنازين لا تصلح للعيش، واخضاعهن للتحقيق لمدة طويلة" مورس ضدهن كافة أساليب التعذيب كالضرب والشبح والشتم والحرمان من النوم لساعاتٍ طويلة، والترويع والترهيب دون مراعاة لجنسهن واحتياجاتهن الخاصة ". ولم يتوان المحقق الإسرائيلي من ضرب الأسيرات بشكلٍ هجمي ووحشي أثناء استجوابها؛ في محاولة لانتزاع المعلومات منهن.
لم يُفرق الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني بين الرجل والمرأة وبين الصغير والشيخ، فتعرضت نساء فلسطين لأسوء حالات الاعتقال، فقيدت داخل زنازين المحتل في ظروف مؤلمة وقاسية للغاية، تم فيها مخالفة كافة القوانين والشرائع الدولية والقانون الإنساني في غياهب السجون المظلمة.
ومنذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو الحكم أواخر العام 2022، واستلام اليميني المتطرف ايتمار بن غفير لحقيبة الأمن الداخلي، يمعن الأخير في استهداف الأسرى الفلسطينيين، في إطار استفزاز مشاعر الشعب الفلسطيني الذي يرى في قضية الأسرى عمومًا والأسيرات خاصة إحدى الثوابت الوطنية التي تُجمع عليها كل الأطراف من مختلف الانتماءات والتوجهات. كما يضغط بن غفير في هذا الملف، ضمن السياسة الانتقامية بعد تآكل ردع الاحتلال في التعامل مع تصاعد المقاومة وتطورها في القدس والضفة الغربية المحتلّة، وغياب استراتيجيات بن غفير في التعامل معها على عكس ما "وعد" به الجمهور اليهودي في برنامجه الانتخابي.