الناشطة الحقوقية والاجتماعية إسراء جابر للوفاق:
تفاقم القسوة ضد الطفولة رغم وجود القوانين
عبير شمص
"من المفترض أن تكون الطفولة، هي المرحلة الزمنية الآمنة، للنمو والتعلم واللعب، وكل طفل يستحق التمتع بطفولة، من الحب والرعاية والحماية، حتى تتطور كامل قدراته، غير أن ربع أطفال العالم على الأقل لا ينعمون بهذه التجربة" هذا هو جانب من أحد تقارير منظمة "أنقذوا الأطفال" عن وضع الأطفال في العالم.
ولئن كانت هذه هي حال الأطفال في العالم، وفقاً لتقارير عدة، فإنّ معاناة الأطفال في المنطقة العربية، التي مزقتها الحروب، ويتمدد في أرجائها الفقر، هي أكثر قسوة، ويكفي إلقاء نظرة على تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"،عن أحوال أطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمعرفة الظروف القاسية التي تعيشها تلك الفئة، من حروب وجوع، وضعف في الحماية الاجتماعية والصحية.
في هذه المقالة سنعرض صوراً من معاناة الأطفال وهي سوء معاملتهم ومشاركتهم في سوق العمل والتي تُعد مظهراً من مظاهر العنف تجاههم، وذلك تزامناً مع ورود مناسبة اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال واليوم العالمي للأطفال الأبرياء ضحايا العنف في شهر حزيران/ يونيو، وفي هذا السياق أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع الناشطة في العمل البحثي الحقوقي الاجتماعي إسراء جابر وكان الحوار التالي:
واقع مشكلة سوء معاملة الأطفال
ابتدأت جابر بالحديث عن واقع مشكلة سوء معاملة الأطفال والتي عدتها من المشكلات المنتشرة عالمياً فقالت:" لاقت هذه المسألة في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً من منطمات حقوق الإنسان ولم يتم الاعتراف بانتشارها الواسع إلاّ في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية وذلك بسبب تفشي المشكلة داخل الأسرة وخارجها. وظهرت مخاطرها ليس على الأفراد فقط وإنما على المجتمع بأكمله. مشيرة ً إلى أنه:" لا ترتبط الإساءة بدرجة تقدم أو تخلف الدول ولا تتمثل في ثقافة أو عرق أو ديانة معينة فالإساءة لا هوية لها".
وتابعت حديثها قائلةً:" تعتبر هذه المشكلة ّمن المشاكلِ سهلةِ الانتشار، صعبة التفكيكِ والحل، فالإساءة في المعاملة للأطفال، لهذه الفئةُ العمرية الحساسة الركائزية في المجتمع، والتي تمتدُّ حتى سنّ الثامنة عشرة، تؤدي إلى نتائجٍ وخيمةِ وخاصةً في ظل إهمال وإنكفاء عن حل هذه المشكلة، على صعيد الفردِ ذاته وعائلته بشكلٍ خاص، والمجتمع والدّولة بشكلٍ عام".
وتلفت جابر إلى واقع هذه المشكلة في الدول العربية بالقول:" قانونياً أجمعت الدول العربية على ضرورة حماية الطفل من أي مظهر من مظاهر الخطر وذلك عبر الإلتزام بالإتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، إلا أنّ الواقع يظهر خلاف ذلك. ففي الوقت الذي نصت فيه الإتفاقية المذكورة على حق الطفل في الحماية من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو النفسية أو الإهمال أو الإستغلال كافة، وحقه في حياة كاملة وكريمة إذا كان معوّقاً جسدياً أو عقلياً وحقه بمستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، وحقه في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، إلى أنه من المستغرب وعلى الرغم من أن هذه الإتفاقية قد أوجبت على الدول الأعضاء إتخاذ التدابير اللازمة لتكريس هذه الحقوق في نظامها القانوني لضمان حماية الطفل، وعلى الرغم من وجود النصوص القانونية، على الصعد الدولية والمحلية، التي تنظم حقوق الطفل وتدعو إلى حماية الطفولة وتحظّر سوء معاملة الأطفال أو تعنيفهم، تُسجّل التقارير الرسمية وغير الرسمية تجاوزات بالغة القسوة ضد الطفولة من ناحية سوء معاملتهم وتعرّضهم لأبشع الجرائم المهينة بحق الإنسان والبشرية، إذ يتضح أن ظاهرة العنف ضد الأطفال تتزايد، فتتراوح نسب هذه الحالات من 85% في اليمن، وحتى 62% في العراق، وبين هاتين النسبتين دولٌ عربية أخرى، مثل مصر وسوريا وتونس وفلسطين، إضافةً إلى لبنان الذي سجل تزايد حالات العنف ضد الأطفال من %10 عام 2020إلى12 % عام 2022م". والأرقام متشابهة فيما بتعلق بظاهرة عمالة الأطفال إذ تبلغ نسبة الأطفال العاملين في لبنان 6%، في الأردن تشكل هذه النسبة4.6%، في العراق لايوجد دراسات تحدد هذه النسب إلاّ أنّ الدراسات تُشير إلى وجود أعدادٍ هائلة".
سوء معاملة الأطفال في أشكالها المختلفة
تُقدم جابر لبنان كنموذج في محاولة وضع هذه الظاهرة في ميزان النصوص القانونية، فتقول معرفة ًهوية الطفل في القانون اللبناني :" لم يرد تعريف واضح للطفل، لكن قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر نص في مادته الأولى على أن الحدث هو الشخص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره. لم يفرق القانون اللبناني بين الحدث الضحية والحدث المعرض للخطر، إذ يوفر لهما القانون الحماية عينها انطلاقاً من أن الحدث الضحية هو كالحدث المعرض للخطر مع الفارق بأن الخطر في الحالة الأولى يكون قد حقق نتيجته، في حين أنه بقي في الحالة الثانية محدقاً به ومهدداً له. وأضافت بأنّ:" أهم صور العنف التي تطرق إليها القانون اللبناني هي: ترك الطفل وإهماله وعدم إعالته والإنفاق عليه، فالقانون يعاقب أهله المكلفين بإعالته وتربيته وتأمين احتياجاته المختلفة، وهناك التعنيف الجسدي للطفل، وحجز حرية الطفل، المتاجرة بالأطفال".
ووفقاً لجابر فقد فرض القانون اللبناني إلزامية إخبار الضابطة العدلية وقاضي التحقيق بواقع الحدث الضحية المعرض للخطر إذ قالت بأنه:" يتوجب على كل شخص علم بواقع الحدث المعرض للخطر أو للحدث الضحية أو اشتبه بصورة جدية بقيام هذا الواقع بإخبار المراجع المعنية، كما يلزم القانون بالإعلام أصحاب المهن أطباء وممرضين والأساتذة والمساعدين الاجتماعيين إضافةً للأهل المسؤولين عن الحدث أو الحدث نفسه".
آثار سوء المعاملة على شخصية الطفل المستقبلية
تشرح جابر الآثار المترتبة عن سوء المعاملة على شخصية الطفل المستقبلية بالقول:" تكمن صعوبة إساءة معاملة الطفل ببقائها راسخة في ذهن الطّفل لفترةٍ ممتدّة من الحياة، فهو إن تغلّب عليها، فقد تخطّى كارثةً كبيرة، وإن لم يُكتَب له تخطيها وقع فيها وأصبح عرضةً لأفظع النتائج. وقد يتعرّض الأطفال في بعض المناطق ذاتِ التخلّف الحضاري والسلوكيّ وربما الدينيّ، إلى ظاهرةِ الاعتداء الجنسيّ والتحرّش واستنزاف الصّغار في أعمال وحشيّة، يبقى أثرها في الطفل لمرحلةٍ ممتدّة طويلةٍ من حياته، قد لا يستطيع النهوض بنفسِه بعدها."
لذلك، تدعو جابر وكل المهتمّين بعنصر الطّفولة دائماً إلى زياراتٍ طبيّةٍ وتوعويّةٍ لأهل الأطفال، وتوجيههم للحفاظ على هذه الفئة، ونشر الثقافة في المجتمع ككُل للالتفات لهم، وتوفير الحصانةِ الكافية، ومحاكمةِ كل من يعرّضهم للأذى ويلحق بكينونتهِم التعذيب والضرر، وكذلك الدّعوة لزيادةِ الاهتمام الدّولي بطبقتِهم، وطرحِ العديد من البرامجِ الفاعلةِ لتنميتِهم والمطالبةِ بحقوقِهم المنتهَكة، والوقوفِ في ظلّ قضيتهم التي تتعرض للتهميشِ العالميّ تقريباً سيما في الحروب".
عمالة الأطفال سرقة الأحلام قبل أن تولد
كذلك تعتبر جابر بأن ّعمالة الأطفال هي واحدة من الظواهر الاجتماعية التي انتشرت مؤخراً في المجتمعات وتؤثر بشكلٍ خطير على حياة الأطفال. ويُشكل الفقر أحد أبرز الأسباب التي تدفع الأطفال للانخراط في العمل، إذ يضطر العديد منهم الى إعالة الأسرة كاملةً أو المساهمة في توفير الاحتياجات المختلفة.".
وتلفت إلى أنه :" يعدّ إستغلال الأطفال في أي شكل من أشكال العمل وحرمانهم من الطفولة من أسوأ الأمور التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال إذ إنه يمس بكرامتهم وإمكاناتهم ويعيق قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية كالتعليم والصحة التغذية والحماية، وقد يترك ذلك آثاراً تلازم الطفل بقية حياته على المستويين النفسي والجسدي، ففي بعض المجتمعات النامية والفقيرة، بتوجيه الطّفل للعمالةِ المبكرة، وأحياناً لممارسةِ أعمال شاقة، لهدف الخروج بأهليهم من مأزقِ الحاجة، بما في ذلك من أضرار صحيّةٍ جسيمة، ونفسية عميقة، حيث يُسلب الطفل حريّته ، ويتم حصرُه في المسؤولية الجاهدة وهموم الحياةِ التي هي أكبرَ من أبويه".
ولذلك تقول جابر ولمواجهة هذه الظاهرة السيئة وفي سبيل مكافحة عمالة الأطفال صدر عام 2015 المرسوم 8987 في لبنان ليضع إطار ينظم عمل الأطفال إذ حظر استخدام الأحداث دون إكمالهم سن الثامنة عشرة في المهن والأنشطة المحظورة كلياً والتي تؤدي بفعل طبيعتها إلى الأضرار الجسدية والنفسية والأخلاقية وتحد من التحصيل التربوي، وخاصةً في بعض الأعمال الشاقة والخطرة التي تعرض سلامتهم للخطر".
تختم الناشطة الحقوقية والاجتماعية حديثها بالقول :" يتفق المبدآن الديني والقانوني حول منع التعرض للسلامة الجسدية للطفل كطرفٍ ضعيف، فقد أكد فقهاء وعلماء الشريعة على معنى التأديب الذي يجب ألا يؤدي إلى الأضرار والإيذاء وهما جريمة في الدين والقانون وعلى إمكانية عمل الأطفال في أعمالٍ معينة ليكتسب خبرة تكوين شخصيته، كما اتفقوا على شروط وضوابط ممارسة هذا الحق. و لكن إقتناع الأهل وحتى الأطفال أنّ العقاب البدني أسلوب مقبول للتربية يزيد من نسبة العنف الجسدي، وإهمال بعض الأهل وعدم الإهتمام بالجانب العاطفي للطفل قد يعرضه للعنف الجنسي والنفسي، وكذلك إنّ بعض الأهل ينظرون إلى الطفل على أنه أداة لتحقيق الكسب المادي فيدفعونه للعمل أو التسول. أضف إلى أننا في إطار المجتمعات العربية المبنية على ثقافة إجتماعية تستبعد اللجوء إلى القضاء لحماية الفرد يعطي هامشاً من الحرية للتعسف في التعامل مع الطفل. وبذلك، فالمسألة إذن مسألة ثقافية إجتماعية وليست تشريعية أو دينية. وهذه الثقافة هي التي تمنع المتضرر من طلب الحماية المكرسة في القوانين الوضعية. فهل السائد الاجتماعي هو الذي يُكبل حسن تطبيق النص؟ وهل ثقافة العنف في المجتمعات العربية هي السائدة؟ وهل المجتمع يسعى إلى تكريس ممارسات تخالف الأسس الدينية و القانونية؟