اطلالة علی الشعر الشعبي في خوزستان.. المهداوي نموذجاً
د. رسول بلاوي
من یتمعّن في الشعر الشعبي في محافظة خوزستان سیتبیّن له أنّ شعراء هذه المحافظة استخدموا نفس الأغراض التي طرقها شعراء العراق کالمدح، والرثاء، والفخر، والإخوانیات، والغزل، والإجتماعیات وغيرها، ونفس الفنون المتداولة في العراق کالأبوذیة، والموال، والدارمي، والعتابة، والمیمر، وغيرها، وهذا یدلّ علی صلتهم الوثیقة بالشعر العراقي فقد أثّروا وتأثروا به..
من أبرز الأغراض التي طرقها شعراء خوزستان هي قضیة الإلتزام بحب أهل البیت عليهم السلام، فقد أقبل الشعراء علی مدح ورثاء وبیان مناقب أهل البیت عليهم السلام في المناسبات الدینیة وفي دواوینهم الشعریة فمعظم الدواوین المنشورة أُفرِدت لمدح ورثاء اهل البیت عليهم السلام.. وهذا یدلّ علی مدی التزام الشعراء بحبّهم، وإذا تتبعنا مسیرة الشعر العربي في خوزستان سوف نجد بأن هذا الالتزام کان موجوداً لدی الشعراء الخوزستانیین في فترة الإنحطاط.. فشعراء السادة المشعشعین في هذه الفترة التاریخیة والتي تُعتبر إزدهاراً للشعر العربي في خوزستان بل في ایران، کانت دواوینهم تزخر بمدح ورثاء اهل البیت عليهم السلام.. هذا "ابن معتوق الحویزي" فقد اشتهر بحبّه لأهل البیت عليهم السلام وأکثر شعره مقصور علیهم، ذکره الأميني: لم يكن شاعرنا أبو معتوق العلوي نسباً ومذهباً، العلوي نزعة وأدباً..
ولد في هویزة سنة 1025 وتوفي في يوم 14 شوال سنة 1077 هكذا أرّخه ولده في مقدمة ديوانه (اسم الشاعر سید شهاب الدین بن احمد، ومعتوق ابن الشاعر فلا یُدری لماذا اشتهر بابن معتوق والصحیح: ابو معتوق).. كان من عباقرة شعراء أهل البيت عليهم السلام فخم اللفظ، جزل المعنى، قال السيد ضامن بن شدقم في "تحفة الأزهار ج 3": "كان سيدا جليلاً، حسن الأخلاق، كريم الأعراق، فصيحاً أديباً شاعراً" ثم ذكر نبذا من شعره، وذكره صاحب "تاريخ آداب اللغة العربية، ج 3 ص 280" وقال: "إنه مشهور برقته". وقال البستاني في دائرة المعارف ج 10 ص 589: "إنه من أعيان القرن الحادي عشر توفي سنة 1082، وكان له شعر رقيق، وسجع منسجم، وترجم له الإسكندري في (الوسيط) ص 315 وقال: شاعر العراق في عصره.
یقال "ابن معتوق" هو الذي أبدع فن البند.. والبند بشكل عام هو: فن شعري شاع في أهواز (خوزستان) والعراق في القرن الحادي عشر الهجري واتخذته الشاعرة نازك الملائكة والشاعر السياب في العراق كأداة وحجة للتجديد فأشارت نازك الملائكة مثلاً إلى شعر البند والموشح كنوعين لهما قرابة او نسب بالقصيدة الجديدة (الشعر الحر).. البند يتكون من مجموعة مقاطع، وجميع المقاطع تنتهي بنفس القافية، كذلك يعتمد البند في تركيبته الإيقاعية على التدوير، وتتالى القوافي الداخلية.
أما بالنسبة للشعر الشعبي في محافظة خوزستان فقد أبدع الشعراء فنوناً غیر معهودة من قبل لدی الشعراء الآخرین.. من أهمّ وأبرز هذه الفنون هو فن "المهداوي".
هذا النوع من الشعر الشعبي یُعتَبر خوزستاني بإمتیاز، من إبداع الشاعر "مهدي ابن ملة فاضل السکراني" وأُطلِق علیه المهداوي نسبةً إلی اسم الشاعر مهدي، کما جاء في البیت التالي:
بوسام کل شاعر فطن هذا الشعر وسمیته / وبخیر کل وسمي النزل یسگي الأرض وسمیته..
خلدّته بسمي أو دوّنت اسمه ابثقه وسمیته / والیسألک عنه ابعجل جاوب یخي مهداوي..
یتألّف المهداوي من اربعة شطور، الثلاثة الأولی متحدة القافية بالجناس اللفظی مختلفة المعنی، والشطر الرابع یُختَم بالألف والواو والیاء، کالبیت التالي:
مُهر الشرف للما عرف گدر الزلم منغیره / او منهج اهلنه ایضل فخر النه وأبد منغیره..
ما ینحسب منه الیود یچسب فخر منغیره / منه البنه بیده المجد والصوت أله أصبح داوي..
کما نلاحظ یتکون الشطر الواحد من المهداوي من خمسة عشر هجاً عند التقطیع، و یأتي علی وزن یختلف تماما عن اوزان الخلیل المعهودة في الشعر العربي.. وهو "مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعل"، وتکرار "مستفعلن" في الشطر الواحد اربع مرّات یساعد علی موسیقی البیت..کما نجد الشاعر یعمد إلی الحفاظ علی موسیقی المهداوي من خلال ظاهرة التکرار واستخدام المفردات المموسقة، ففي البیت السابق مثلا یرکّز الشاعر في الشطر الثالث علی مفردة (الیود) بدل (الیحب) وإبدال الکاف إلی (چ) في مفردة (یچسب) للحفاظ علی الموسیقی.. فحرف (چ) فيه موسیقی خاصة، یقول الشاعر:
چا وشحلات الچا چا شنهي انته
والحچي ابدون الچا چا شنهي لذته
ولننظر إلی المهداوي التالي وتکرار حرف (السین) ومفردة (الحسد) فيه:
حِس الحِسد عند الحَسد یهل الحسد حسدوني / واللي حسدني ابلا سبب چی بالرتب حسدوني..
اشما بعد عدکم حسد یهل الحسد حسدوني / لحرگکم ابنار الحسد وأمضي ابفله العز طاوي..
فتکرار حرف (السین) في هذا المهداوي یساعد علی موسیقی البیت فکأنه نغمة موسیقی هادئة تتخلل البیت..
ومن خصائص المهداوي طول الشطر الواحد بالقیاس للفنون الأخری کالموال والابوذیة والعتابة والمیمر، فهذا یساعد الشاعر علی حشد معانی مکثّفة.
یقول ابو فيصل غبیشاوی أحد شعراء خوزستان یصف هذا النوع من الشعر:
حالي شعرکم وانصبت منه ابمرض سکراني / او إسألوني سکران او گلت عدکم عجب سکراني..
گالو خمر شارب گلت سامع شعر سکراني / أحدث شعر هذا العصر وأکمل وزن مهداوي.