عبر الحقول المشتركة
إستثمار نفطي مرتقب بين إيران والسعودية
منذ بدء إيران إستخراج النفط من حقل إسفنديار، الذي يتصل بحقل لؤلؤة السعودي، في أغسطس/ آب 2022، توقع مراقبون أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر بين الجانبين بشأن تقاسم الموارد والإيرادات، غير أن اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، في مارس/ آذار الماضي، سار بالتوقعات إلى اتجاه معاكس، وسط مؤشرات على استئناف مضطرد للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.
وتتشارك إيران والسعودية في حقول نفط أخرى بالخليج الفارسي، مثل حقل فروزان، ومن المحتمل أن يحتاج البلدان إلى التوصل إلى اتفاقات تعاون لضمان استغلال مستدام ومربح لهذه الحقول؛ لكن اتفاقات كهذه ستواجه، على المدى القصير، عقبات تتمثل في الضغوط الأميركية على كلا البلدين، ما يجعل التنبؤ بمدى نجاح تطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية - السعودية صعباً.
ومع ذلك، من المحتمل أن تستفيد الرياض من تحسين علاقاتها مع طهران في تخفيف التوترات بالمنطقة والحد من التكاليف العسكرية والأمنية، وفي دخول سوق إيرانية كبيرة وغير مستغلة، حسب ما أورد تقرير نشره الموقع الرسمي لشركة "بارونز" الاستشارية، الشهر الماضي.
مستوى تجاري منخفض
يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات صحفية، إلى أنه من المبكر الجزم بعودة العلاقات التجارية بين السعودية وإيران، إذ إن آخر تسجيل لأرقام التبادل التجاري بين البلدين يعود إلى عام 2015 بقيمة 330 مليون دولار، ما يؤشر إلى أن مستوى التجارة بين البلدين منخفض أصلاً، حتى قبل قطع العلاقات بينهما عام 2016، خاصة بالمقارنة مع مستوى التبادل التجاري الإيراني - الإماراتي رغم توتر العلاقات السياسية بين البلدين أيضاً.
ويعود هذا الانخفاض، بحسب عايش، إلى أن السعودية وإيران متنافسان إقليميان، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على المستوى الاقتصادي أيضاً، إذ يتنافسان على مصادر الدخل، وعلى رأسها النفط والغاز، مشيراً إلى أن السعودية وإيران قبل عام 2015 لم يكن لديهما الكثير مما يمكن أن يقدماه بعضهما لبعض على صعيد التبادل التجاري؛ لكن هذا الواقع تغير في السنوات الثمانية الماضية.
ويعود السبب وراء ذلك التغير إلى التطور الاقتصادي الكبير في السعودية تحديداً، حسب ما يرى عايش، مشيراً إلى أن المملكة أصبحت قادرة على تزويد إيران باحتياجات مختلفة من السلع والخدمات والمنتجات، إضافة إلى الاستثمارات، خاصة تلك الموجهة إلى قطاعات النفط والتعدين والزراعة.
وإزاء ذلك، فالفرصة باتت سانحة لتحويل التنافس بين البلدين إلى تعاون، خاصة بعد اتفاق استئناف العلاقات بينهما برعاية صينية، في مارس/ آذار الماضي، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على إدارة حقول النفط المشتركة بينهما، والتي يبلغ عددها 3 حقول، بحسب عايش.
نموذج حقل الشمال
ويرى الخبير الاقتصادي أن التوجه نحو نموذج مشترك لإدارة حقول النفط، التي كانت محل نزاع في السابق بين إيران ودول الخليج الفارسي، سيعتمد على تكرار الصيغة التي طبقتها إيران وقطر في حقل الشمال (بالنسبة لقطر أو بارس الجنوبي بالنسبة لإيران)، والذي يعد أحد أكبر حقول الغاز في العالم ويمثل أحد أهم أشكال تعاون إيران مع دول الخليج الفارسي.
ويلفت عايش إلى أهمية الحقول المشتركة لإيران مع دول الخليج الفارسي، إذ تحوي 20% من احتياطي النفط و30% من احتياطي الغاز الخاص بالجمهورية الإسلامية، ما يفتح المجال لحوار بشأن الطاقة في المنطقة، خاصة بعد تحسين العلاقات الدبلوماسية بين مختلف دولها، ما يعني إمكانية استثمار الحقول المشتركة لصالح جميع الأطراف.
من شأن ذلك تحقيق الاستفادة من ثروة قديمة، يعود اكتشافها إلى ستينيات القرن الماضي، ولم يستثمر بعضها بالشكل المطلوب، وبعضها تأجل الاستثمار فيه بسبب النزاع على ملكيته، وبالتالي فالاتفاق الإيراني - السعودي يمثل بوابة لاستثمار حقول النفط والغاز المعطلة وإيجاد حلول بشأن الملكية المتنازع عليها.
تبادل السلع والخدمات
أما أسرع قطاعات التعاون الاقتصادي بين البلدين، فيتمثل في التبادل التجاري الفوري، وهو ما تعززه الطفرة الاقتصادية في السعودية، والقفزة الكبيرة في ناتجها من السلع والخدمات والمنتجات خلال السنوات الثماني الماضية، حسب عايش، الذي أشار إلى مفارقة مفادها أن السعودية قد تكون بوابة تتهرب منها إيران من بعض العقوبات الأميركية.
ويلفت عايش إلى أن إيران والسعودية بلدان عملاقان في قطاع الطاقة، إذ بلغ الاحتياطي السعودي من النفط، العام الماضي 2/267 مليار برميل، فيما بلغ الاحتياطي الإيراني في العام ذاته 208 مليارات برميل.
كما يبلغ حجم الاحتياطي من الغاز في إيران 34 تريليون مترمكعب، بينما يبلغ احتياطي الغاز في السعودية 5/8 تريليون مترمكعب، ما يعني أن المجال مفتوح لاستثمارات سعودية واسعة في قطاع الطاقة الأحفورية الإيراني، وهو ما تدعمه الإيرادات المرتفعة التي حققتها المملكة نتيجة ارتفاع أسعار النفط العام الماضي.