الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وأربعون - ٢٧ مايو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وخمسة وأربعون - ٢٧ مايو ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

23 عاماً على الإنسحاب الصهيوني...

كيف حرر اللبنانيون أسرى معتقل الخيام

مئات الأمتار فقط تفصل بلدة الخيام عن فلسطين المحتلة... البلدة الجنوبية الواقعة في قضاء مرجعيون، والمطلة شرقاً على جبل الشيخ، وهضبة الجولان، ارتبط إسمها بمعتقلها.
المكان الذي زجّت فيه وعذبت إسرائيل وعملاؤها مئات الشباب المقاوم، تحول اليوم إلى واحدٍ من أبرز معالم التحرير. ذلك المعتقل الذي إخترقت في الثالث والعشرين من أيّار عام ألفين صمت زنازين ما كان يخرقه سوى حقد جلادٍ، أشعله ثبات أسيرٍ مقاوم، أصوات زحفٌ بشريٌ تكسّرت على عتباته قيود أكثر من مئةٍ وأربعةٍ وأربعين أسيراً... ليُضاف هذا التاريخ إلى سلسلة التواريخ التي تضجّ بها ذاكرة الوطن المقاوم.
قصّة التحرير هذه وعودة القرى الجنوبيّة إلى أحضان الوطن، أثبتت أنّ إرادة تحرير الإنسان كما تحرير الأرض هزمت المحتل، وكان التحرير يوماً من أيام الله وعزٌ ليس كمثله عز كما يشير الأسيران المحرران مجيب ترمس وسليمان كرنيب، وذلك في لقاءٍ خاص مع صحيفة الوفاق.
الأسير مجيب ترمس: معتقل الخيام... الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود
يحدثنا الأسير ترمس بدايةً عن سبب ومدة أسره التي استمرت 11 عاماً فيقول:" أُسرت بالضبط  في يوم الثامن عشر من شهر آب في عام 1989م  تاريخ العملية الاستشهادية للشهيد أسعد برو والتي كنت أشارك بمراقبة مسار الطريق الذي سلكه الشهيد واستضفته في منزلي، فاعتقلت  بعد العملية مباشرة ًضمن موجة من الاعتقالات شملت العديد من الأشخاص، نُقلت إلى معتقل الخيام الواقع في بلدة الخيام في جنوب لبنان والذي يُشتهر بأنّ الداخل له مفقود والخارج منه مولود".  يضيف الأسير:"مورست معي أساليب تعذيب وحشية ولكني صبرت رغم صغر سني، كانت قسوة التعذيب لا توصف، ولكنها كانت تزيدنا قوة وتمسكاً بالخط رغم كل الظلم والمعاناة".
يوم الحرية... كان حلماً لم نتوقعه أبداً
الطريقة التي حُررنا فيه كانت حلماً لم نتوقعه أبداً، يقول الأسير ويتابع راوياً عمّا جرى في المعتقل إبان التحرير، فيقول:" قبل يومٍ من تحرير المعتقل سمعنا من العملاء بطريقةٍ غير مباشرة عن دخول الأهالي لبلدات القنطرة والطيبة المحتلتان واللتان تقعان داخل الشريط الحدودي المحتل من قبل العدو الإسرائيلي، في البداية لم نأخذ الأمر على محمل الجد لأنّ مصدر المعلومة من عميلٍ لحدي، ولم  نقم بنشرها بين الأسرى  لكي لا  نمنحهم أملاً  لسنا متأكدين من تحققه،  بقي الخبر بيني ويين أصدقائي وتأملنا خيراً ".
يوم التحرير.. يوماً من أيام الله
 أمّا عن يوم التحرير فيشير الأسير ترمس بأنه:" كان  يوم الثلاثاء في 23 آيار 2000 م ، وفي وقت تقديم طعام الغذاء لنا في زنزانتنا والتي تضم إثنا عشر أسيراً من ذوي سنوات الأسر الطوال والتي تخطى سنوات أسر كل واحدٍ منهم العشر سنوات، لاحظنا حركة غريبة على تصرفات العملاء وارتباك يسود أوساطهم، وبعد الانتهاء من الغذاء، سمعنا صراخ وصفق على الأبواب لم نعرف أسبابه، فشرعنا نضرب على الأبواب مع الجميع لاعتقادنا بوقوع مشكلة بين أسرى الأقسام الأخرى والعملاء تضامناً معهم، ولكي نخفف الضغط  عليهم، ولكن فجأة لمحت ثلاثة أشخاص على باب زنزانتنا فتفاجأت بهم، فبادروني بالقول الحمد لله على  سلامتكم، العدو الإسرائيلي انسحب، ولبنان تحرر ونحن مدنيين من بلدة الخيام قدمنا لنكسر أبواب زنزانتكم لنخرجكم".
يلفت الأسير ترمس أنه لم يستوعب ماذا يحصل ولم يكن مصدقاً ما يحصل قائلاً:"  لم أرى طيلة إحدى عشر عاماً هي مدة أسري مدنيين من قبل، كان تعاملنا فقط طيلة تلك السنوات مع العملاء، إنه شيءٌ لا يصدق، وقفت صامتاً لا أقوى على الكلام من وقع المفاجأة، ويضيف:" بعد فتح زنزانتنا من قبل الأهالي خرج الجميع وأنا أخرهم، وعندما خرجت التقيت بجموع المدنيين في المعتقل وهم يندفعون نحوي ويهنئوني بالسلامة ويعانقوني ويقبلونني، وأنا ما زلت مذهولاً مما حصل، وغير مصدق أبداً، عند وصولي إلى ساحة المعتقل شاهدت الجموع الغفيرة  من الأهالي وهي فرحةً وتهلل للنصر وتطلق الرصاص ابتهاجاً". وبعد ذلك يكمل الأسير:" حضر شباب المقاومة وأخذونا أنا وعدد من الأسرى من بين هذه الجموع  صوناً لحياتنا من أي أذى يمكن أن يحصل، وتوجهنا الى منزل أحد الإخوة في بلدة الخيام وطوال الطريق كانت الناس تُهلل لنا وتستقبلنا وتهنئنا بالحرية".
ويتابع حديثه بالقول:" في ذاك المنزل  ارتدينا ثياباً جديدة، ولأول مرة  منذ إحدى عشر عاماً ارتديت حذاء وكنت متضايقاً منه في البداية بسبب عدم ارتدائي حذاء طيلة تلك السنوات".
لقاء السيد حسن نصر الله ... يوم العيد
ويوضح الأسير إلى أننا:" عند ذهابنا إلى حسينية البلدة التقيت بمندوب الصليب الأحمر الذي كان يزورني في المعتقل وسألني إنّ كنت أرغب بالاتصال بعائلتي، فأجبته بالموافقة، وكانت المرة الأولى التي أتواصل فيها مع عائلتي  منذ أسري وكذلك المرة الأولى للتواصل عبر الهاتف الخليوي الذي لم يكن موجوداً عند أسري، تكلمت مع والدتي وشقيقتي، ولكن لم أتحدث مع والدي الذي طرده العملاء منذ أكثر من سنة من  قريتنا المحتلة إلى بيروت، ومن بعدها توجهنا مع الشباب إلى بيروت ووصلنا إلى الشورى في الضاحية وهناك التقينا سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، كان يوم عيد ويوم تاريخي والعالم كانت مجتمعة بأعدادٍ كبيرة في انتظارنا، ومن ثّم توجهنا إلى منازلنا حيث التقيت بوالدي وإخوتي الذين لم أرهم منذ اعتقالي، خشيت أن لا أتعرف عليهم ولا يتعرفون عليّ، ومن ثم عدنا إلى قريتنا والتقيت بوالدتي وشقيقاتي، وكان يوم التحرير للبنان هو يوم عرس و حينما شاهدت منزلـي شعرت بالقرية غير التي تركتها منذ 11 سنة، البيوت قديمة وخربة والطرقات سيئة، وكل شيء قد تغير منذ يوم اعتقالي في القرية  وحضر كل أهل بلدتي وسلموا عليّ ، لم أعرف غالبيتهم لأنّ كل شيء قد تغير مع مرور الزمن ولكن الحمد لله العزة والكرامة كانت بعيون كل شخص منهم"، ختم الأسير.
الأسير سليمان كرنيب: يوم التحرير عز ليس كمثله عز
يحدثنا الأسير كرنيب بدايةً عن سبب ومدة أسره التي استمرت ثلاثة أعوام وشهرين فيقول:" نحن من بلدة مارون الراس وهي قرية تقع على الحدود مع فلسطين المحتلة، وأنّا لست الوحيد من العائلة الذي اعتقل، فقد سبقني والدي الذي اعتقل في معتقل الخيام ست سنوات وكذلك شقيقي الذي اعتقلت معه بتهمة التعامل مع المقاومة وذلك في العام 1997 م ، وكانت مدة أسري ثلاث أعوام وشهرين".
أمّا عما عاناه الأسير من تعذيب على أيدي العملاء اللحديين فيوضح:" لقد تعرضت لتعذيب ٍوحشي من تعليقٍ على العامود والضرب المبرح بالسيّاط، والتعذيب بالكهرباء وأساليب شيطانية إجرامية فاقت كل التصورات الإنسانية".
ويضيف شارحاً الأوضاع السيئة التي عانى منها الأسرى:" لقد كنا منقطعين عن العالم في البداية، ولم نرى أهلنا إلاّ بعد فترة ، ولمدة ربع ساعة لكل زيارة، وجرت عمليات تبادل كثيرة في فترة أسري، ومع كل تحرير للأسرى كانت ترتفع معنوياتنا وبأنّ المقاومة لن تتركنا وستحررنا إن شاء الله، وكنا نعيش على هذا الأمل وتأقلمنا مع واقع الأسر عبر المحافظة على إيماننا وكانت أغلب أوقاتنا نقضيها بالعبادة والتقرب إلى الله".
يوم التحرير ... شعورٌ لا يوصف
أمّا عن يوم التحرير فيشرح الأسير قائلاً:"ومرت أيام الأسر ووصلتنا أخبار عن رغبة رئيس وزراء العدو آنذاك " ايهود باراك"  بالانسحاب من لبنان في شهر تموز، ولكن لم نكن نصدق هذا الكلام وكنا نمارس حياتنا بشكل طبيعي حتى يوم  الثالث والعشرين من شهر آيار لعام 2000م ، كان يوماً طبيعياً وبعد  الانتهاء من صلاة الظهر، تناولنا طعام الغذاء وبدأنا نسمع أصوات إطلاق الرصاص ولكن كانت بعيدة ، وبعد فترة بدأت هذه الأصوات بالإقتراب أكثر وأكثر،  بالتزامن مع صرخات التكبير، عندها سادت حالة من الصمت في كل القسم، ولا أخفيكم أننا خفنا لأننا لم نسمع ذلك من قبل،  وعندما دنت الأصوات  منا كثيراً، علا صراخ أحد المعتقلين بالقول بحصول انتفاضة بقسم رقم أربعة، وبأنّ العملاء  يقتلون الشباب الأسرى واحداً تلو الآخر، فعلّت أصواتنا جميعاً بالتكبير تضامناً معهم، وأثناء ذلك شاهدت من فتحة الشباك  عدداً من الفتية وهم يحاولون تسلق الجدار، فسألتهم عن هويتهم، فقالوا نحن من بلدة الخيام وقد انسحب العدو الإسرائيلي وقدمنا لنحرركم، عندها علا الصراخ  وشرعنا بخلع الأبواب بأقدامنا، ومّا هي إلاّ لحظات حتى دخل الأهالي إلى المعتقل محطمين أقفال الزنازين، وخرجنا إلى الخارج مندهشين لا نصدق ماذا يحصل".
أمًا عن شعوره فيوضح الأسير:"إذا سألتني عن شعوري بهذه الدقائق أقول لا يوجد عقل بشري بإستطاعته شرح بماذا شعرنا، ومن ثم خرجنا إلى الساحة وشاهدت ساحات وبوابات المعتقل لأول مرة، دائماً عند خروجنا إلى هذه الأجزاء من المعتقل كنت مغمض العينين وكذلك بقية الأسرى".
العز الذي ليس كمثله عز
ويكمل الأسير حديثه عن مجريات أحداث يوم التحرير بالقول:" فرحنا بالتحرير مع الأهالي وعانقنا الجميع من نعرفه ومن لا نعرفه، وتوجهنا إلى حسينية البلدة التي اجتمع فيها كل المعتقلين والأسرى، ومن ثم استضافنا أهل بلدة الخيام في منازلهم قبل توجه كل منا إلى منزله وقريته، وبدأت الاتصالات لإخراجنا من الخيام والتوجه إلى  بيروت، وبالفعل وقبل منتصف الليل، انتقلنا في الباصات إلى العاصمة عبر معبر زمريا فى البقاع الغربي ووصلنا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت عند ساعات الفجر وكان بعض الأهالي بإنتظارنا، وإلتقينا سماحة السيد حسن الله (حفظه الله) ورحب بنا سماحة السيد وسلم علينا فرداً فردا ًوعانقنا وخطب بنا، وهنا بدأ العز الذي ليس كمثله عز".
ويختم الأسير بالقول:" كنا نتصور الخروج من المعتقل بأي شكلٍ من الأشكال عبر تبادل أو صفقة إلاّ بهذه الطريقة وهي أنه تكسر أبواب السجن من قبل الأهالي ونخرج بهذه الطريقة". لقد شاهد مشهد كسر أبواب المعتقل من قبل الأهالي العالم بأسره ، طبعاً كان يوماً من أيام الله ، نحن نعتبر هذا اليوم الحقيقي للتحرير لأنّه لا يوجد عقل بشري يستطيع أن يصف الشعور الذي شعرنا به في تلك اللحظات.
وختاماً تجدر الإشارة بعد التحرير تحوّل المعتقل لاحقًا إلى متحف، ثم سوّاه القصف الإسرائيلي صيف عام 2006 بالأرض، على عادة الاحتلال في مسعاه إلى طمس جرائمه.

 

البحث
الأرشيف التاريخي