الصهاينة یقتلون طبيب أسنان يُعالج الفقراء مجّاناً
كعادة السماء تتجهز يومياً لاستقبال الشهداء الأبرار، ومع أن فلسطين اعتادت على توديع خيرة أبنائها إلا أن تفاصيل الحكايات تختلف. فكل مرة هناك صفات جديدة لمن اصطفاهم الله من أنقياء الأرض.
اليوم ضمن موكب الشهداء يودع الغزيون جمال خصوان -52 عاما- أشهر أطباء الأسنان في قطاع غزة، لم يكتسب شهرته من مواقع التواصل الاجتماعي بل من أحاديث الفقراء الذين يطرقون باب عيادته من شمال القطاع وحتى
جنوبه.
منتصف الليل حين قُصف المبنى الذي يعيش فيه الطبيب خصوان، ارتقى وجاره وأفراد من عائلته، لتبقى ابنته الصغيرة ميرال التي انتشلها رجال الإسعاف في حالة ذهول بعدما استيقظت من نومها مذعورة لا تدري إن كان كابوسا، وبقيت تردد “وين بابا“.
وقع الصدمة لم يكن على الصغيرة فقط، بل على جميع الغزيين رغم اعتيادهم على غدر الاحتلال لكن هذه المرة كان الأمر مختلف، حيث استيقظوا على خبر ارتقاء 13 شهيدا بينهم 4 أطفال و 4 سيدات، دون أي مقدمات.
يذكر أن الطبيب خصوان نقابي كبير ومناضل مدافع عن الحقوق والحريات النقابية، وشغل منصب نقيب أطباء الأسنان.
نبذة عن الشهيد خصوان
تخرج الدكتور جمال من كلية طب الأسنان في روسيا وهو متزوج ولديه 3 أولاد وفتاة، عرف عنه أنه من أصحاب الأيادي البيضاء لمواقفه الإنسانية مع الفقراء والمحتاجين، يدير عيادته وسط مدينة غزة، وهو أيضا رئيس مجلس جمعية الوفاء الخيرية. كان خصوان على موعد لافتتاح مركزه الثاني للأسنان خلال أيام، بعد أن بدأ مشوار عمله في عيادة بسيطة قرب سوق الزاوية وسط مدينة غزة. لم يخذل أو يحرج يوما أحدا من مرضاه، فكان يقدم لهم الخدمات اللازمة ويساعد فقيرهم وفق الإمكانيات المتاحة في عيادته.
أجمع أصدقاؤه ومعارفه بعد خبر استشهاده أنه رجل البر والعطاء، صاحب الأخلاق الحميدة والصفات الدمثة، يعمل على خدمة الناس سواء داخل عيادته أو سعيا في الخير طيلة الوقت، ففي أي وقت يدق هاتفه يجيب “كيف أستطيع خدمتك؟“. إحدى السيدات الغزيات وهي كبيرة في السن، حين علمت بخبر استشهاده لم تتوقف عن البكاء، فهي تعتبره ابنها ولم تنس مواقف طبيب أسنانها معها منذ ثلاثين عاما والذي كان يعالجها مجانا لضيق حالها، قائلا: “إنتِ أمي“. كتب أصدقاؤه الكثير من كلمات الرثاء، وكشفوا عن أعماله الخيرية التي يحرص أن تكون في الخفاء. يكتب عبر صفحة الفيسبوك، جمال نعيم وهو طبيب وزميل الشهيد الطبيب خصوان: “هذا هو الاصطفاء (..) تليق بك الشهادة، لم أغبط أحدا مثلك على دماثة خلقك وطيبة قلبك، كنت لا تنتظر أن يسألك المحتاج، بل كنت سباقا لخدمته قبل أن يتكلم”. بعد أن وارى الثرى جثمان الطبيب خصوان وزوجته “ميرفت بنات”، وولده البكر يوسف، لم يتبق لصغيرته ميرال سوى شقيقيها، وسيرة والدها ومواقفه الإنسانية والخيرية مع الناس.