الإتفاق النووي.. بين الضغوط القصوى والتقاعس الأقصى
هل تلاشت آمال إحياء الإتفاق النووي؟
الوفاق/ خاص
يوم 8 مايو عام 2018 لم يكن يوماً عادياً بالنسبة للنظام والعهود الدولية لا سيما بالنسبة لإيران أو الأطراف الأخرى المشاركة في الاتفاق النووي، فهو اليوم الذي انسحب فيه الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاقية مع إيران استمرارا لسياساته "المتطرفة" في العلاقات الدولية، وسارع حينها لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية ضد إيران. في الذكرى الخامسة لهذا الإجراء لم يبق ترامب في البيت الأبيض ولم تنجح حملة العقوبات ضد إيران، ولم تكتف الجمهورية الإسلامية بالاحتفال بالذكرى 44 لانتصار ثورتها، بل تعمل الجمهورية الإسلامية اليوم على قدم وساق لترسيخ علاقات إيران في المنطقة والعالم لتحقيق مصالحها وإعادة الأمن والسلام الى المنطقة بعيداً عن التدخل الأجنبي.
وعقب تدهور الإتفاق مع الغرب فشلت جميع المساعي الأوروبية والإيرانية لإعادة الإتفاق الى مساره الصحيح، وذلك بسبب التعنّت والإفراط الأمريكي في المطالب، حيث قال مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية "علي باقري كني": وجهت أمريكا ضربة قاتلة لسيادة القانون على المستوى الدولي بالخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) قبل 5 سنوات، معتبرا ان فرصة إعادة تنفيذها ليست دائمة.
ضربة كبيرة لسيادة القانون
وكتب باقري كني في تغريدة على تويتر في الذكرى السنوية لإعلان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب في يوم 8 مايو عام 2018 رسمياً خروج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران: تذكير مهم؛ وجهت أمريكا ضربة كبيرة لـ "حكم القانون على المستوى الدولي" بالانسحاب غير القانوني من خطة العمل الشاملة المشتركة قبل خمس سنوات لكن منذ ذلك الحين لم تتمكن أمريكا من التعويض عن هذا الاجراء غير القانوني. وتابع: بينما تستمر الإجراءات التعويضية المشروعة لإيران في المجال النووي، ينبغي استئناف التنفيذ الكامل للاتفاق، والذي يجب أن يكون العنصر الأساسي فيه هو الرفع الفعال والدائم للحظر، إذا كان الطرف المنتهك (الاتحاد الأوروبي / الترويكا) يظهر إرادة سياسية صالحة لإنهاء المفاوضات ولا توجد فرصة دائمة لذلك.
5 سنوات من الأخطاء الفادحة
وفي حال أجريت قراءة دقيقة لموضعية كل جهة فاعلة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد خمس سنوات من تلاشيها، يتبيّن للمتابع الشغوف مدى المواربة والمخاتلة الأمريكية في هذا الملف، ناهيك عن التواطؤ الأوروبي مع الجانب الأمريكي في هذا الملفّ. وعلى مدى العقدين الأخيرين أصرّت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مقترحين لمبادئها، يتمثّل أولهما بأنشطة طهران النووية السلمية وهذه الأنشطة هي حق غير قابل للتصرف للجمهورية الإسلامية. ولإثبات البيان الأول، فإنه منذ سنوات عديدة لديها التعاون الأوسع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها الهيئة التي تحدد الطبيعة السلمية للأنشطة النووية، ووفقًا لمراسلي هذه المنظمة الدولية لا توجد أدلة عينية يمكن لها أن تدين برنامج ايران النووي السلمي لا من قريب ولا من بعيد، وذلك رغم جميع محاولات الكيان الصهيوني صاحب الترسانة النووية الأخطر في المنطقة لشيطنة برنامج ايران النووي السلمي.
الضغوط القصوى والتقاعس الأقصى
وكانت حملة الضغط الأقصى في عهد ترامب وحملة التقاعس القصوى في عهد جو بايدن استراتيجيتين تم تطبيقهما ضد الجمهورية الإسلامية، والتي اتخذت شكلاً ولونا مختلفين في كل فترة من هذه السنوات الخمس، وأحيانًا حدّت من بيع النفط الإيراني وفي بعض الأحيان تنعكس تلك الأمور على الوضع في الداخل الإيراني بعد تكثيف الضغط الإقتصادي على الشعب الإيراني. ومع ذلك فإن واقع اليوم يظهر فشل هاتين الحملتين ورغم أنه لا يمكن إنكار تأثير العقوبات الأمريكية اللاإنسانية وغير القانونية على حياة ومعيشة الشعب الإيراني، فإن إيران لم تقع ضحية لأوهام ومخاتلات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في علاقاتهما الدولية، لاسيما فيما يخصّ قضية الترهيب من إيران.
استراتيجيتان رادعتان
تتمثل استراتيجيتان إنتهجتهما ايران في السنوات الخمس الماضية في حماية قوتها النووية السلمية الرئيسية ومعرفتها وتقليل تأثير العقوبات على الاقتصاد ومعيشة شعبها. ويمكن أن تكون آثار النجاح النسبي لكلتا الاستراتيجيتين: كما شوهدت في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تقدم برنامج إيران السلمي، واستمرار حياة الشعب الإيراني واقتصاده رغم كل الضغوط الجمّة والجائرة التي تعرّض لها.
بعد خمس سنوات من خروج حكومة الولايات المتحدة عن القانون فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع إيران، من خلال النظر إلى الأطراف الأخرى في خطة العمل الشاملة المشتركة ، يمكننا التوصل إلى بعض الاستنتاجات المثيرة للاهتمام بشأنها. عانت الترويكا الأوروبية واحدة من أقسى الخسائر من هذا العمل الإنتهاكي الفاضح. بعد هذا الانسحاب، حاولت أوروبا جاهدة الظهور في الأحداث على شكل دور مستقل ومختلف.
والعلامة الواضحة على ذلك هي خمس سنوات من التقاعس عن العمل فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة وإيران الإسلامية ستظلّ صامدة فهي التي إبتعدت عن الإرتهان لقرار الغرب ولم تربط مصير شعبها بالإتفاق النووي وغيره من التعهدات الغربية المواربة مع الدول الإسلامية.
وتظلّ الآمال معلّقة على الجانب الغربي الذي ألقينا الاضواء فيما سلف على موارباته وتخرّصاته إزاء الإتفاق النووي، فيما يتساءل العديد من الخبراء "هل تلاشت آمال إحياء الإتفاق النووي؟