من أجل تنشئة شخصية قوية
الأسرة وبناء النفس والعاطفة
ما رأيكم لو عدنا اليوم الى مجتمعنا الذي نعيش فيه وزرنا السجون ومستشفيات الأمراض العقلية، ثم دخلنا المدارس وأحصينا عدد الراسبين من الطلاب والمشاكسين منهم والمتطرفين في السياسة والذاهبين بها الى أبعد الحدود، ثم درسنا من نعرفهم من هؤلاء جميعاً لوجدنا ان معظمهم حُرِموا من الاستقرار العائلي، ولم يجد معظمهم بيتاً هادئاً فيه أب يحنو عليهم، وأم تدرك معنى الشفقة فلا تفرط في الدلال ولا في القسوة، وفساد البيت أوجد هذه الحالة من الفوضى الاجتماعية وأوجد هذا الجيل الحائر الذي لا يعرف هدفاً ولا يعرف له مستقراً.
ان انحراف الأفراد وجنوحهم، واهتزازهم وعدم استقرار شخصياتهم، إنما يعود الى تلك التربية النفسية في البيت، فإن احترام الفرد في الأسرة والتعامل معه كوحدة إنسانية لها مشاعرها الخاصة يُنشئ تلك الشخصية القوية التي تستطيع أن تواجه كافة ضغوط الحياة، ومنها التغلب على تلك العقد النفسية كعقدة الحقارة والخوف والانهزامية والسلبية أو بتعبير أدق عدم التأثر بمثل لك العقد بأي شكل من الأشكال، ولذلك كان إحياء شخصية الطفل واحترامه والامتناع عن تحقيره وإهانته هو الطريق لبناء نفسية الفرد القوية والى ذلك يشير الرسول(ص):- «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم»..
فعدم استقامة العائلة عبارة عن عدم سلامة وأمن البيت الذي يتربى فيه الأولاد أما بالكبت، أو بالتنازع ،أو بالمزيد من العطف ، فإن كل ذلك يوجب عدم استقامة النفس مما ينتهي بالآخر الى الانحرافات الروحية.
وفي كثير من البلاد الغربية يقع الأولاد أوائل بلوغهم بين تناقض متطلبات العائلة منهم، على سبيل المثال: من ناحية يريد الأبوان من البالغين الاستقلال في إدارة أمورهم الاقتصادية وغيرها ومن ناحية أخرى يربطون الأولاد بالبيت وبالطاعة للأبوين، ومن الطبيعي أن يقع التناقض بين الاستقلال واللا استقلال.. وكذلك الحال يكون مع الأولاد الذين يريد الآباء منهم الطاعة، وهم لا يقومون بكل حوائجهم ولو حتى تزويجهم، وبذلك يحدث الانفصام والعقد النفسية، فاللازم أما إعطاء الحاجة ولو النواقص منها في قبال الطاعة وأما ترك الأولاد ليقوموا بحوائج أنفسهم باستقلال دون طلب الطاعة منهم..
فالطاعة لا تكون إلا في قبال الحاجة، فإذا اختل الميزان اختلت الصحة النفسية مما أوجب الانحراف، وهذه هي حال الحكومات في قبال الشعوب، فاللازم أما إعطاء حاجاتهم في قبال تطلب الطاعة منهم، وأما تركهم وشأنهم لتحصيل حاجاتهم بأنفسهم بدون تطلب الطاعة، وإنما يكون شأن الحكومة حينئذ المراقب لئلا يطغى بعضهم على بعض.
وفي بعض الأمم يتجلى التضاد في العائلة بمظاهر أخرى، مثلاً: الأب يريد المجازات للمسيء من الأولاد لكن الأم تمنع ذلك، فيقع الطفل بين هذين النقيضين، أو يرد الأب إنهاء الدارسة للأولاد ليساعدوه في عمله ومزرعته وتريد الأم عكس ذلك، أو تريد الأم زواج البنت ويريد الأب عدم زواجها لأجل خدمة البيت، أوغير ذلك، ولون آخر من ألوان التضاد وهو تسييب الأولاد في الدار، وارادة الانضباط منهم لدى الذهاب الى السفر مثلا، أو الى الضيافة أو عند حلول الضيف لديهم..
والحاصل أنه كلما يوجب الازدواجية يوجب انفصام الشخصية مما يقود أطفالنا في نهاية المطاف الى الأمراض والعقد النفسية.. وحيث أن النفس والجسم يتبادلان المرض، ولذلك قيل "العقل السليم في الجسم السليم" فإذا مرضت النفس وتعقدت أوجبت بالإضافة الى انحراف خط سير الحياة للمريض ولمن يرتبط به تأثير المرض النفسي الى جسمه.
قد يسمع الأطفال أن حديثا يدور حولهم وأن الحديث يتناول ذكرهم ومعايبهم وتأويل سذاجتهم الى شيء من البلادة والحمق..
عند ذلك يدركون أن الكبار يحقرونهم ويوجهون اللوم والتقريع نحوهم في حين أن هؤلاء الأطفال الأبرياء لا يعلمون السبب في توبيخهم وتأنيبهم..
ولذلك يقول الإمام الحسن العسكري(ع): «جرأة الولد على والده في صغره تدعو الى العقوق في كبره»، فإن عدم احترام الفرد وتحقيره في أسرته تولد ذلك النوع من الأفراد المليئين بالرواسب والعقد النفسية جعلنا الله قادرين على حماية أطفالنا منها.