المنافسة بين إردوغان وكليجدار أوغلو.. بوتين مع من؟
حسني محل
كاتب و محلل سياسي
مع احتدام المنافسة الشرسة بين رجب طيب إردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، يتهم الرئيس التركي ووزراؤه وإعلامه الموالي كليجدار أوغلو "بالتآمر ضد الأمة والدولة التركية عبر التحالف مع الإرهاب"، الذي يقصدون به حزب الشعب الديمقراطي الكردي وأتباع الداعية فتح الله غولن، وهم جميعاً مدعومون من الدول الإمبريالية التي تعادي تركيا. وقد ثمن بوتين عالياً "ما يقوم به إردوغان من أجل بلده وتنمية اقتصاده خدمة لجميع المواطنين"، وعبر عن ارتياحه إلى "المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الروسية التركية ودور إردوغان الكبير في ذلك".
إعلان الرئيس بوتين دعمه الرئيس إردوغان بهذا الوضوح والصراحة جاء ليرفع معنويات إردوغان وأنصاره وأتباعه، بعد المعلومات التي توقعت لبوتين أن يدعم خلال الأيام القليلة المقبلة وقبل الانتخابات بأيام المصرف المركزي التركي بنحو 30 مليار دولار، وهو ما فعله قبل أشهر، عندما تحدثت المعلومات عن دعم مماثل بـ20 مليار دولار ساعدت إردوغان لمنع المزيد من التدهور في قيمة الليرة التركية، وهي الآن نحو 20 ليرة للدولار الواحد، ويتوقع الكثيرون أن يصل الدولار إلى 30-35 ليرة بعد الانتخابات فوراً. وتتحدث المعلومات عن احتمال التدخل الروسي التقني في عملية التصويت والفرز والعد لمصلحة إردوغان مقابل ادعاءات أخرى عن تدخل أميركي مماثل ضده، ولكن الجميع يعرفون أنه استنفر كل إمكانيات الدولة بلا حدود وضوابط دستورية وقانونية لضمان فوزه، مهما كلفه ذلك. ويرى المراقبون في الدعم الروسي لإردوغان مبرراً منطقياً للرئيس بوتين الذي نجح في إبقاء تركيا على الحياد في الأزمة الأوكرانية، مقابل عدم ضغط موسكو على أنقرة في موضوع سوريا، وهو ما فعله الرئيس بوتين على الرغم من اتفاقيات سوتشي وتفاهمات أستانة.
ويذكر الجميع أن الرئيس بوتين منح الجيش التركي الضوء الأخضر في 24 آب/أغسطس 2016، أي في الذكرى السنوية 500 لمعركة مرج دابق (دخول السلطان سليم إلى سوريا)، ليدخل إلى سوريا ويبقى فيها، بعدما حقق من خلال هذا التدخل تفوقاً عسكرياً وامنياً ونفسياً على أعدائه في المنطقة، ليس في سوريا فحسب، بل في ليبيا والعراق والصومال والقوقاز وغيرها أيضاً.
إعلان الرئيس بوتين دعمه لإردوغان بهذا الوضوح جاء في اليوم الذي تناقلت وسائل الإعلام نص الرسالة التي قيل إن الرئيس المرشح كمال كليجدار أوغلو بعثها إلى ندوة نظَّمها بعض المثقفين في موسكو، وأكد فيها "الأهمية التي يوليها لعلاقات بلاده مع روسيا، مستشهداً بالأحداث التاريخية في العهد العثماني، ثم السوفياتي، والدعم الذي قدمه لينين ومصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية". كذلك، قال "إن التعاون والتنسيق الروسي التركي في عهده سيساهم في تحقيق المزيد من التقدم في هذه العلاقات، وسيساهم أيضاً في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي".
رسالة كليجدار أوغلو جاءت بعد المعلومات التي روج لها الإعلام الموالي لإردوغان، والتي تتحدث عن فتور بين موسكو وكليجدار أوغلو بسبب احتمال حدوث تغيير في سياسات أنقرة بعد انتخابه، بذريعة أنَّ معظم نواب رئيس الجمهورية، ومنهم أحمد داوود أوغلو وزعيمة الحزب الجيد مارال أكشنار وآخرون، لا يخفون انزعاجهم من تفاصيل العلاقة الشخصية بين الرئيسين بوتين وإردوغان.
وتتحدَّث معلومات أخرى عن وعود من واشنطن وبعض العواصم الغربية بدعم المعارضة ضد إردوغان مقابل ابتعاد أنقرة عن موسكو بعد فوز كليجدار أوغلو في الانتخابات، وهو ما تسعى له واشنطن وعواصم غربية، منها باريس وبرلين ولندن، منذ فترة طويلة، عبر دعم بعض الأحزاب اليسارية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، بامتداداته في سوريا، حيث التحالف بين قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، أي وحدات حماية الشعب الكردية. وفي جميع الحالات، ومع الانتقادات الموجهة إلى المعارضة، أي كمال كليجدار أوغلو، بعدم الإعلان رسمياً عن سياساته الخارجية المستقبلية، يعلّل البعض ذلك بالتناقضات المعروفة داخل تحالف الأمة الذي يضم 5 أحزاب يمينية وقومية ودينية في مقابل حزب واحد اشتراكي ديمقراطي، خصوصاً أن زعماء الأحزاب الخمسة، ومعهم رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة، سيصبحون نواباً لرئيس الجمهورية. وقال أحمد داوود أوغلو إن كليجدار أوغلو لن يستطع اتخاذ أي قرار إستراتيجي على الصعيدين الداخلي والخارجي من دون موافقتهم، على الرغم من أن الدستور يمنح كل الصلاحيات للرئيس وحده. ويعرف الجميع أنَّ كليجدار أوغلو ضد سياسات إردوغان الخارجية جملة وتفصيلاً، وخصوصاً بعد ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، ومن دون أن يكون واضحاً كيف سيتسنى له تغيير هذا السياسات الإقليمية والدولية.
ي