انتخابات تركيا.. هل ينتصر البصل على الغواصة؟
حسني محلي
كاتب ومحلل سياسي
عندما يتحدث كليجدار أوغلو وزعماء المعارضة عن البصل، الذي لم يعد في مقدور ذوي الدخل المحدود شراؤه بسبب ارتفاع أسعاره باستمرار، يقول إردوغان ووزرائه وإعلامه مستهزئين: "هم يتحدثون عن البصل وهو بقدر ذكائهم، ونحن نتحدث عن الغواصات والسيارات الكهربائية وحاملات الطائرات والمقاتلات النفاثة واستخراج الغاز، وهي جميعاً صناعة وطنية 100%". وهو ما يصدّقه أتباع إردوغان وأنصاره، بفضل سيطرته على الإعلام الحكومي، و90% من الإعلام الخاص، والذي لا هم له إلّا تسويق هذه المقولات، التي تقول عنها المعارضة إنها مبالغ فيها، أو هي كاذبة تماماً. وهذه هي الحال بالنسبة إلى السيارة الكهربائية، التي يتغنى بها إردوغان، وبطاريتها من الصين، والمحرّك ألماني، والتصميم إيطالي، والبعض من أقسامها بريطاني. وهذا هي الحال بالنسبة إلى المسيّرات التركية، التي يصنعها صهر الرئيس إردوغان، وتقول المعارضة إن مجموعة من أقسامها صناعة أجنبية، ومنها كندية وسويسرية وبريطانية.
أمّا ما يقوله إردوغان عن الغاز المستخرج من البحر الأسود، وسيغطي احتياجات تركيا، فأكد خبراء الطاقة أنه من ضرب الخيال، وليس له علاقة بالدراسات والأبحاث الجيولوجية، التي تكذّب ادّعاءات إردوغان، الذي يتحدث يومياً وفي كل خطاب عن هذا الموضوع، وذلك لمنع الشعب من التفكير في همومه اليومية، وأهمها الغلاء الفاحش والتضخم العالمي والبطالة، وانعكاسات ذلك على الواقع، اجتماعياً ونفسياً وأخلاقياً. يتزامن كل ذلك مع تركيز المعارضة على قضايا الفساد الخطيرة جداً، والتي تقول المعارضة إن إردوغان وأفراد عائلته والمقربين منه تورَّطوا فيها، وزاد حجمها على مئات المليارات من الدولارات. كما زادت الديون الخارجية للبلاد على 450 مليار دولار، وتراجع احتياطي المصرف المركزي من العملات الصعبة إلى ناقص 160 مليار دولار، بينما قال وزير الاقتصاد السابق وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، "إن إردوغان أوصل الخزانة العامة إلى حافة الإفلاس، ودمّر جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها وأجهزتها". ولم يكُن كل ذلك كافياً للرئيس إردوغان لضمان فوزه في الانتخابات، وهو ما تبيّنه كل استطلاعات الرأي التي تتوقع لكليجدار أوغلو الفوز من الجولة الأولى، بفارق 5 نقاط تقريباً.
ويدفع مثل هذا الاحتمال الرئيس إردوغان إلى مزيد من التصعيد، بما في ذلك البعض من العمليات الإرهابية خلال الأيام المقبلة لمنع الناخب من التصويت لكليجدار أوغلو، بحجّة "ضمان الاستقرار". هذه التجربة، التي يتوقع البعض لها أن تتكرر، وضع الجميع عدداً من السيناريوهات لمواجهة احتمالاتها والاحتمالات الأخرى من أجل منع عمليات التزوير واحتمالات إعلان المفوضية العليا للانتخابات إردوغان فائزاً ليلة فرز الأصوات. وهو ما قد يضع تركيا أمام سيناريوهات خطيرة جداً، لا يمكن لأحد أن يتوقع تبعاتها، في بلد يعيش كثيراً من التناقضات العرقية والطائفية والدينية، والآن السياسية والاجتماعية، ما دام أتباع إردوغان وأنصاره ينظرون إلى المعارضة العلمانية كأنها عميلة وخائنة وكافرة وعدوة الأمة والدولة التركية المسلمة، وكأنهم هم فقط أصحاب البلد والدولة والقومية والدين.