الانتخابات التركية في نقاط ثلاث!
رانا أبي جمعة
كاتبة ومحللة سياسية
تعيش تركيا منذ أسابيع على وقع حملة انتخابية محمومة لا تقتصر على إعلان البرامج إنما تتعداها لتصل إلى ما يشبه الحرب الكلامية، تُستخدم فيها كل الأدوات المشروعة وغير المشروعية كهرطقة الاتهام الآخر بالـ "كافر"، والكلام لرئيس حزب اليسار الديمقراطي أوندير أكساكال، أو وصم شريحة مجتمعية بأكملها عبر ربطها بالإرهاب. والسؤال هنا ماذا سيقال لهذه الشريحة وهم الكرد في صباح الخامس عشر من أيار/مايو؟ وكيف سيتمّ التعامل معهم كمواطنين أتراك قبل أي شيء آخر؟
لا شكّ بأن الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في الرابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل مهمة وقد تكون مفصلية، ولكن وصفها بالتاريخية فيه شيء من المبالغة المفرطة، فالنتيجة هي التي ستفرز التوصيف الأنسب لهذا الاستحقاق الذي يأتي في وقت تمر فيه تركيا بأزمات متعددة أسوأها الأزمة الاقتصادية، وقد زاد زلزال السادس من شباط/فبراير الماضي من تفاقمها بلا أدنى شك.
وعلى بُعد عشرين يوماً من الانتخابات، ثلاث نقاط لا بدّ من الإشارة إليها:
أولاً: برغم وجود أربعة مرشحين للرئاسة التركية إلا أن الأسماء المرشحة للفوز والأكثر حضوراً تتمثّل بالرئيس رجب طيب إردوغان مُمثّلاً لتحالف الشعب، وكمال كليجدار أوغلو ممثّلاً لتحالف الأمة ومرشحاً لطاولة الست المعارضة.
تختلف استطلاعات الرأي تبعاً لخلفيّتها السياسية، بعضها يشير إلى تقدّم الرئيس إردوغان وأخرى إلى كليجدار أوغلو. فعلى سبيل المثال، أظهر أحدث استطلاع أجرته شركة المسح Areda وتناقلته معظم الصحف الموالية للحزب الحاكم فوز الرئيس إردوغان بنسبة 50,8 في المئة من الأصوات، في وقت حصل كمال كليجدار أوغلو على 43,1 في المئة منها.
وبهذا التوزيع للأصوات وفق استطلاع الرأي تقدّم الرجلان بفارق كبير على المرشح الثالث وهو مرشح حزب البلد محرم إينجه، والذي كان مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة في الانتخابات السابقة وحظي بنسبة 4,5 في المئة من الأصوات بحسب الاستطلاع، في حين حصل مرشح اليمين وعضو حزب الحركة القومية سابقاً سنان أوغان على 1,6 في المئة فقط وهو مرشح عن تحالف الأجداد (ATA).
استطلاع رأي آخر حظي باهتمام الصحف المعارضة والإعلام الغربي يشير إلى نتائج مغايرة تماماً. فنقلاً عن شركة أكسوي وفي آخر استطلاع أجرته خلال هذا الشهر يتبيّن فوز كليجدار أوغلو بنسبة 47,8 في المئة من الأصوات مقابل 38,4 في المئة للرئيس إردوغان. وفي حين حصل محرم إينجه على 9 في المئة من الأصوات نال سنان أوغان 4,8 في المئة من الأصوات.
خلاصة نتائج استطلاعات الرأي بأنّ الفارق قد يكون ضئيلاً بين المرشحين الأوفر حظاً، ولكنّ الأهم أنه لا يمكن الركون إليها لمعرفة رئيس جمهورية تركيا المقبل.
ثانياً: أصبح من المعروف أنه إذا لم ينجح أي من المرشحين في الحصول على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، فحتماً هناك جولة ثانية بعد أسبوعين من الجولة الأولى، ما يجعل نتيجة الانتخابات البرلمانية ذات تأثير كبير عليها، فالأغلبية ستعطي الأفضلية لهذا المرشح أو ذاك. وعزّز هذا السيناريو ترشّح محرم إنجه وسنان أوغان للسباق. وهنا نذهب إلى اختلاف آخر، وهو مصدر الأصوات التي سيحصل عليها كل منهما.
ففي حين تقول بعض الدراسات بأنهم ستُقتطع من حصة إردوغان، تذهب أخرى الى أنهما سيحصدان أصواتهما بشكل رئيسي من مرشح المعارضة الأساسي كليجدار أوغلو. أما المرجح فهو أنّنا إذا ما عدنا إلى استطلاعات الرأي من أي جهة كانت وبالمقارنة مع الأصوات التي كان يحصدها إردوغان سابقاً، ففي انتخابات العام 2018 حصل إردوغان على 52,5 في المئة من الأصوات بينما حصل منافسه محرم إينجه على 31,7 في المئة.
فمن الواضح أن الأصوات المقتطعة هي من حصته وليس من حصة كليجدار أوغلو الذي يظهر أن أرقامه متقدّمة كمرشح ومنافس حقيقي عما سبق من الاستحقاقات. وهنا تجدر الإشارة الى أن سنان أوغان كان قد طرد من حزب الحركة القومية، وهو الحزب المتحالف مع إردوغان، في العاشر من آذار/مارس من العام 2017 مع ثلاثة من نواب الحزب لتصويتهم بـ "لا" في الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي نقل البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.
ثالثاً وأخيراً، لا يمكن الحديث عن الانتخابات في تركيا من دون ذكر ثلاث فئات مجتمعية، القوميين الأتراك والكرد والطبقة العاملة. لقد أشبع المواطن التركي من خطابات القومية والإرهاب والمحافظين المتدينين والعلمانيين، يبقى الوتد الأخير وهو الطبقة العاملة التي يُنتظر أن تتوجّه إليها الخطابات في المقبل من الأيام، في أحسن الأحوال بالخطوات العملية لمن هم في السلطة وفي أسوئها بالوعود لمن هم في صفوف المعارضة. فمنطق الأمور يقول إنّ من سيستحوذ على المزاج الانتخابي لما يقارب 70 في المئة من المجتمع سيكون رئيس جمهورية تركيا.