هل تقهقرت ”القوات اللبنانية” أمام التفاهمات الدولية؟
د. زكريا حمودان
موقع العهد الإخباري
المرحلة التي ولَّت كانت مرحلة الزخم لدور "القوات اللبنانية" بعدما اتت الاشارة الخارجية، فتحركت جماهيرها في الشوارع من الشمال الى صيدا مرورًا بطريق دولي مقطوع شمالًا عبر قطاع طرق. بعد قطع الطرقات كانت مرحلة الطعن السياسي فانقلب حزب "القوات اللبنانية" على أخيه المسيحي وضرب "اوعا خَيَّك".
استطاع الزخم الكبير الذي تم ضخه لاسقاط لبنان أن يؤمن بعض النفوذ لحزب "القوات اللبنانية"، بالتزامن مع كميات هائلة من المال السياسي وأخطاء بعض القوى السياسية. جميع هذه العوامل لم تسمح لـ"القوات اللبنانية" أن تحقق ما وعد به الغرب وبعض دول الخليج الفارسي من تسونامي يستطيع تغيير المعادلة اللبنانية.
في المقابل أتت بداية المفاوضات الجدية التي قادت الى التفاهم الايراني - السعودي من جهة والتقارب السعودي - السوري من جهةٍ أُخرى كضربة لحزب "القوات اللبنانية" التي دخلت مرحلة ساخنة جدًا، فهي حتى اليوم لم تتقبل هذا الواقع الجديد وترفض التعايش معه، كما أنها بدأت تعيش أزمة مالية مستجدة بسبب توقف الدعم المالي السعودي بحسب مصادر واسعة الاطلاع، اضافة الى ترهل الموقف السياسي وضياع البوصلة التي كانت تغذي الخطاب الفتنوي ضد المقاومة من جهة، والجمهورية الاسلامية في ايران من جهةٍ أخرى.
السحر الذي صنعته "القوات اللبنانية" منذ سنوات عاد لينقلب عليها اليوم، فهي لا تستطيع تحديد خياراتها السياسية بالتزامن مع التبدلات الدولية من جهة، بالاضافة الى توجهها نحو خطاب متطرف داخليًا من خلال المناداة بالتقسيم عبر طرح الفدرالية بشكل علني من خلال النائب ملحم رياشي الذي كان ضيف إحدى القنوات التلفزيونية الاسبوع المنصرم. أما المؤسف فكريًا في خطاب ملحم رياشي فهو قوله إن من يريد أن "يتزوج مدني بيتفضل لعندهم" (أي المنطقة المسيحية)، وهو اذا كان يدل على شيء واضح لدى الشخص المعني، فهو يدل على نقص كبير في العديد من المفاهيم على الشكل التالي:
١- توجد مشكلة لدى ملحم رياشي في فهم معايير الزواج لدى كنيسته التي ينتمي اليها قبل توجهه للحديث عن الآخر وتحديدًا المسلمين.
٢- توجد أزمة لدى ملحم رياشي في فهم الفدرالية والتي يبدو لديه انها فقط ذات معيار يتعلق بالزواج، الأمر الذي يؤكد ان العقدة الطائفية ما زالت تسيطر على منهج هذا الفريق.
٣- توجد أزمة تقبل للمتغير الدولي، الأمر الذي جعل "القوات اللبنانية" تعترف برفضها للطائف الذي تعتبره السعودية ركيزتها في لبنان.
في الخلاصة، لم تتحمل "القوات اللبنانية" العيش في كنف الدولة الا سنوات، ثم استحضرت عاداتها القديمة في أسوأ مرحلة عاشها لبنان. لكن اليوم، السحر لم يعد فعالًا، وتقهقر "القوات اللبنانية" وبُعدها عن الواقعية السياسية سيضعها في مكانٍ أبعد بكثير من أن تكون شريكة مع أبناء الوطن، فهي اختارت أن تقف حيث لا يقف الوطنيون.