كتاب العلم والدين صراع أم حوار:
معالجة فلسفية لإشكالية الصراع بين الدين والعلم
إنّ الدين هو أحد السمات الرئيسية البارزة التي ميزت هذا الإنسان العاقل عن غيره منذ اكتسابه للخصائص الإنسانية، وقد رافقته منذ ذلك الوقت المبكر لنشأته كمحرض وحافز أساسي وهام في حياته البشرية وهو معرفة جاءتنا عن طريق الوحي والإلهام.
والعلم قديم بدأ يوم بدأ الإنسان يفكر في التغلب على مصاعب البيئة التي عاش فيها، واكتسب أهمية عالية عبر الخدمات التي يسديها لبني البشر في الشؤون الحياتية كافة، وهو معرفة نحصل عليها عن طريق التفكير العقلاني والتجربة.
ندرك جميعنا ما للدين والعلم من الأهمية البالغة والتأثير الواسع على مصير الإنسانية والبشرية في الماضي والحاضر، هذا كله إلى جانب عودة الدين وانتشار الصحوة الإسلامية العالمية والانتصارات العلمية المدهشة والتغييرات العنيقة التي أحدثها العلماء في المناخ الفكري المعاصر واعتقاد الكثير من علماء التجربة اليوم بأن العلم التجريبي وحده لا يكفي، ورجوع الكثير من الناس في محاولة لرفع هذا النقص إلى مذاهب عرفانية أو ميتافيزيقية أو دينية تقليدية كل هذا يحثنا لمعالجة هذا الموضوع وطرح هذه التساؤلات: ما هو الدين؟ وما هو العلم؟ وما هي طبيعة العلاقة بينهما؟ وما هو وضع الدين بعد التقدم المذهل الذي حققه العلم؟ هل يتراجع ويتقهقر أم يتنامى ويتعاظم وينشط؟
ما هو وضع العلم والمجتمعات الإنسانية بعيداً عن الدين؟ هل هناك تعارض حقيقي بين العلم والدين أم أنه ظاهري لا يمس العمق والمضمون؟ هل نستغني عن أحدهما بالحصول على الآخر؟ وهل تغنينا المعرفة الدينية عن المعرفة العلمية وبالعكس، أم لا ؟ هل يتغايران ويسلك كل منهما اتجاهاً يختلف عن الآخر؟ أم أنهما يتعاونان وينسجمان ويتكاملان نحو الوصول إلى غاية وحقيقة واحدة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة الهامة ما سيعالجه كتاب " العلم والدين صراع أم حوار" لمؤلفه الدكتور محمد شمص، ليتبين للكاتب بعد مناقشة ماهية الدين والعلم والنسب الممكنة بينهما والمباني المعرفية المستندة إليها ومدى الانسجام والتعاون بينهما وذلك عبر عرض تفصيلي لثمان نظريات ورؤى تناقش وتثبت هذا التعاون والتكامل بينهما.
أمّا فيما يتعلق بالمنهجية المعتمدة في هذه الدراسة ، فيعتبر موضوع العلم والدين واحداً من الموضوعات المشتركة بين فلسفة الدين والكلام الحديث (الإلهيات الحديثة)، حيث تقسم المسائل الدينية إلى داخل دينية وخارج دينية، والمسائل الداخل دينية هي المسائل التي يرجع فيها إلى النص الديني لمعرفة صدقها أو كذبها، ومناهجها: العقل، النقل، التجربة والشهود، وهي على قسمين: خاصة ومشتركة.
الأولى: وهي خاصة بعلم الكلام الحديث كالإمامة والعصمة والوحي والملائكة والجنة والنار وغيرها.
الثانية: وهي مشتركة بين فلسفة الدين وعلم الكلام الحديث كالبحث عن : خلود الروح، العالم الآخر، العلم والدين، جوهر الدين وصدقه، ماهية الإيمان، أخلاقية العالم وغائيته... وغيرها. أمّا المسائل الخارج دينية وهي من اهتمامات فلسفة الدين فلا يمكن الرجوع فيها إلى النصوص الدينية لتقييمها ويعتبر ذلك دوراً، بل يكون للعقل وحده أن يحكم كإثبات أو نفي وجود الخالق، علاقة العلم بالدين، حاجة البشر إلى الدين، منشأ الدين، تعدد وتكثر الأديان... وغير ذلك، وبما أن موضوع العلم والدين يشترك بين فلسفة الأديان وعلم الكلام الحديث. اعتمد الكاتب في هذا الكتاب منهجية فلسفة الأديان الناظرة إلى الدين من خارجه وأحياناً منهجية الإلهيات الناظرة إلى الدين من داخل مكوناته وعناصره.