غيّروا الإسم!.. مشروع البيت «الصهيوني» لا «الإبراهيمي»
منذ فترة ذاع صيت مشروع يدّعي الذين تبنّوه أنّه جاء من أجل تعزيز العلاقات بين أتباع الديانات الإلهية وتعزيز التعايش السلمي بينهم وأصبحت الإمارات المتحدة العربية مركز تنفيذ المشروع في آسيا. يعتقد المفكّر اللبناني والمختص بشأن المشروع الإبراهيمي الدكتور عباس مزهر: تُطلق تسمية الاتفاقيات الإبراهيمية على مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقِدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة.وقد استُخدم الاسم لأوّل مرة في بيان مشترك بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، “في 13 أغسطس 2020”.
تعزيز العلاقات مع الأديان
تعزيز العلاقة بين أتباع الأديان الإلهية والعمل البنّاء على أساس التعايش السلمي بينهم أمر يهمّ كلّ أتباع الديانات الثلاث وهي الإسلام والمسيحية واليهودية وأغلبية العلماء يدعون إلى ذلك الأمر المهم الذي يضمن السلام في مجتمعاتنا البشرية. على سبيل المثال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُقام منذ أكثر من ثلاثين عاماً مؤتمر الحوار بين الأديان برعاية العتبة الرضوية (ع) وهي من أجل التبادل العلمي والبحثي في مختلف المجالات الدينية وطبعاً هذا الأمر ليس مرفوضاً أبداً.
في السياق ذاته قال الدكتور أسعد سحمراني وهو كاتب ومؤلف لبناني في حوار له مع قناة الميادين الفضائية عن موضوع البيت الإبراهيمي: إذا كان المقصود اللقاء مع الآخر، فهناك في الإسلام معايير، وهناك آيتان معياريتان يجب أن يستند إليهما أيّ لقاء هما الآيتان الثامنة والتاسعة من سورة المُمتحنة. وفي هاتين الآيتين قول الله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من الدين أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المُقسطين"، والآية "إنّما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون".
كلمة حق يُراد بها باطل
يعتقد الدكتور سحمراني أنّ مشروع البيت الإبراهيمي عبارة عن كلمة حقّ يُراد بها باطل. الدكتور عباس مزهر وهو مؤسس نظرية الأنتروستوجيا السياسية و مفوّض الشؤون السياسية لمركز بارادايم الدولي في جنيف أنّ المشروع الإبراهيمي لم يأت بهدف تعزيز العلاقات بين أتباع الديانات الإبراهيمية بل جاء بهدف دمج الإسلام والمسيحية واليهودية في دين واحد.
سابقاً قد نُشر في الصحيفة (الوفاق) تقرير كامل عن الأهداف التي وراء مشروع البيت الإبراهيمي وقد تمّت الإشارة إلى بعض الوثائق التي تُظهر أنّ مشروع البيت الإبراهيمي ياتي من أجل تأسيس دين جديد وهذا ما فعله الغربيون خلال عقود ماضية من تأسيس مذاهب وأديان منها الديانة البابية والبهائية والقاديانية وغيرها من الأديان والمكاتب التي جاءت من أجل خدمة مصالح الغربيين والحفاظ عليها في مختلف البلدان.
إبراهيم(ع) حارب الطواغيت ولم يخدمهم
إنّ المتبنّين للمشروع إختاروا "الإبراهيمي" عنواناً لهذا المشروع حيث يريدون أن يظهروا أنّهم متمسّكون بمبادئ النبي إبراهيم(ع) ولكن كلّ إنسان يعرف من خلال نظرة بسيطة على حياته الشريفة أنّه عليه السلام كان يحارب دائماً الأصنام والطواغيت ولم يُعلن حتى يوم واحد عن دعمه ولو بالتلويح لأيّ طاغوت في زمانه بل إنّه فضّل أنّ يُحرق في النار بدل أن يركع أمام الطاغية نمرود.
يعتقد علي ابوالخبر وهو باحث سياسي مصري إنّ مشروع البيت الإبراهيمي هو خديعة ولعبة سياسية ليس لها أصل ديني ولا داعي لأن تكون الإمارات مركزاً له.
وأشار الدكتور علي أبوالخير إلى الأهداف التي وراء كواليس مشروع البيت الإبراهيمي وقال: كون أنّ المركز الثقافي سيكون هو المُقدّمة التي تلغي المراكز الثلاثة، وتبدأ في نشر دين جديد وهوية جديدة والعمل على جعل العرب والمسلمين ينسون القضية المركزية، وهي قضية القدس وفلسطين، وقضية المشرّدين. أنّ إبراهيم عليه السلام جاء ليحارب الأصنام والطُغاة والطواغيت في وقت واحد عندما يكون هناك حوار حقيقي لماذا لا يكون في القدس المحرَّرة؟ لماذا لا يكون في بيت لحم في الأماكن التي تشرَّفت بدعوة أبي الأنبياء وتجلّت به؟ والتوارة تقول إنّ إبراهيم جعله الله أباً لجمهور من الأمم، ولكن الجمهور من الأمم منهم الظالمون، ومنهم القاسطون، ومنهم المُقسطون.
تابع الدكتور علي ابوالخير: نحن نريد حواراً حقيقياً، أعتقد أنّ السبب الحقيقي في تأسيس البيت الإبراهيمي أو الإبراهامي، أو البرامي في أبو ظبي ما هو إلا مقدّمة حقيقية ثقافية لزيادة أسُس التطبيع، وحرب ناعمة جديدة، وليس فيها صِدام حضارات. وكان المفترض لو كانت الإمارات تريد أن تقيم مجلساً للحوار يكون حواراً إسلامياً إسلامياً أولاً لرفض العنف، ورفض الإرهاب، ودعم القضية الفلسطينية. ثم نتحاور مع الغير، ونتحاور مع أنفسنا أولاً. ثمّ علينا أن نتذكّر أنّ السائح الإسرائيلي الذي يأتي إلى الإمارات لا يهمّه دين ولا غيره، والأخبار التي تواردت إلينا من دبي أنّ السائحين الإسرائيليين يسرقون كل شيء من الفنادق التي يقيمون فيها، يسرقون المناشف والمناديل، ويسرقون كل شيء لدرجة أنّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني طلب منهم أن يكونوا قدوة حسنة للشعب الإسرائيلي.
"الصهيوني" ولا "الإبراهيمي"
نظراً إلى خدمة المشروع للكيان الصهيوني المحتلّ وتمهيد الطريق للإعتراف بهم والسماح بالإستمرار بسياساتهم التوسعية ونظراً إلى عدم وجود أدنى ملائمة بين النبي إبراهيم(ع) وحياته المناضلة للطواغيت والأصنام وبين ما أهداف مشروع البيت الإبراهيمي من الأقرب إلى الحقيقة أن يُختار "الصهيوني" عنواناً له نظراً إلى الفحوى الحقيقي للمشروع لا الإبراهيمي الذي يُعارض المشروع.
نعم للتقارب والحوار، لا للمشروع الخبيث
وقال السيد الغريفي و هو رجل دين كبير المستوى في البحرين، أثناء حفل أُقيم بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز: إنّ “شعار “الإبراهيمية” (“اتفاقات أبراهام” التطبيعية مع كيان الاحتلال الصهيوني) الذي يُروَّج له في هذه الأيّام هو شعارٌ يستبطن أهدافاً لا علاقة لها بتقارب الأديان بقدر ما هو مدفوع بأهداف مُهَنْدَسة في مصانع السياسة وأغراض السياسة”.
وفيما أكد عدم رفض “أيّ تقارب بين أديان السماء”، بيَّن أنَّه “حينما يكون التقارب من إنتاجات أغراض السياسة في هذا العصر، هذه الأغراض التي تزدحم في داخلها كلّ ألوان الشرّ والعبث بمصالح الشعوب، هنا يجب الحذر من أيّ شعار حتى لو تقمَّص عناوين الدين”. وأضاف السيد الغريفي: "لسنا دعاة تطرف ولا إرهاب، ولسنا صُنّاع عنف ودمار، نحن دعاة محبَّة وتسامح ووحدة وتآلف، نحن أبناء دين وحرّاس وطن”، مستدركاً بقوله: "مطلوبٌ منّا ونحن حرّاس الوطن ونحن الأمناء على الوطن أنْ نُكرِّس المفاصلة بكلّ مساحاتها مع صهاينة هذا العصر."
الهدف ليس الحوار بل تمهيد للقتل والإحتلال
قال الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، في تأريخ مايو 2022 إنّ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ نكبة عام 1948 وحتى اليوم (داخل وخارج فلسطين) بلغ نحو مائة ألف شهيد، فيما بلغ عدد الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى 11 ألفا و358 شهيدًا، خلال الفترة 29 سبتمبر 2000 وحتى 30 أبريل 2022.
بمتابعة يوميّة بسيطة جداً نعلم أنّه بشكل يومي يسقط شباب فلسطيني وبناتها على الأرض أو يُصابون برصاصات الإحتلال الصهيوني وما مرّ على الشعب الفلسطيني يوم منذ عام 1948 إلّا وتلقّى أخبار إقتحام وهدم المنازل وإحتلال المزارع والبيوت وتوسيع المستوطنات وغيرها من إنتهاكات التي يرتكبها الكيان العنصري الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
الإنسان الذي يملك أبسط قوة تحليلية يعلم أنّ مشروع البيت الإبراهيمي لم يأت من أجل تعزيز العلاقة والحوار بين أتباع الديانات الإبراهيمية لأنّه يُمهّد لإضفاء الشرعية للكيان الصهيوني العنصري والذي يريد أن يحتلّ البلدان الاسلامية من نهر النيل إلى الفرات كما هو مشهور في روايته الخبيثة.