الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان - ١٣ مارس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان - ١٣ مارس ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

في ذكراها الثانية والثلاثين:

الانتفاضة الشعبانية في العراق ... أسقطت جدار الخوف وأحيت روح الرفض والمقاومة

عبير شمص
في  العام 1991، شنت الولايات المتحدة الأمريكية عملية عسكرية عدوانية ضد العراق وشعبه، التي أطلقت عليها اسم "عاصفة الصحراء"، وكان الهدف المركزي من هذه العملية، هو "تحرير الكويت" من احتلال جيش صدام، انتهت الحرب بهزيمة مريرة لصدام حسين، لكن الخسائر الأكبر كانت على الشعب العراقي، الذي تعرض لخسائر فادحة مادياً وحتى بشرياً، ما أدى إلى تفاقم مشاعر الإحباط والتذمر لدى المواطنين وبين صفوف الجيش العراقي المنسحب، وتنطلق أحداث الانتفاضة العراقية والتي يتزامن ذكرى انطلاقها مع هذه الأيام من شهر أذار من العام1991، والتي انطلقت شرارتها من مدن جنوب العراق وتحديداً مدينة البصرة التي كانت مسرحاً لبدايتها قبل أن يتسع محيطها ويصل لمعظم الأراضي العراقية وسميت بالشعبانية لقيامها في شهر شعبان من العام
الهجري.
انتفض العراقيون فيها ضد النظام الصدامي الذي مارس أبشع المجازر بحق الشعب العراقي، واشترك فيها جميع ألوان وأطياف شعب العراق، والتي هدفت إلى تغيير الحكومة البعثية ومحاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم الإرهابية بحق هذا الشعب. كانت الانتفاضة التي أسقطت جدار الخوف وغيرت مجرى الأحداث في العراق، وأوصت بملامح نهوض حقيقي لشعب العراق.
أسباب اندلاع الانتفاضة
لم يكن الغزو العراقي للكويت السبب الوحيد للأحداث، لأنّ الوضع الاقتصادي السيء للعراق وتهدم البنية التحتية والاقتصادية له على إثر حربه الأولى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالإضافة لتصفية المعارضين للنظام والقمع والاعتقالات العشوائية بالإضافة للإعدامات الكثيرة التي راح ضحيتها الأبرياء، وغيرها من الأسباب، هي التي أدت لاندلاع الانتفاضة.
هذه الانتفاضة العارمة ضد ظلم النظام الصدامي البائد لم يستسغها حكام العرب والدول المحيطة بالخليج الفارسي إذ أصابهم الذعر من هذا التحرك الشعبي في العراق، من هنا تحركوا وضغطوا على المحتلين كي يفسحوا المجال جواً وبراً لصدام وجلاوزته لقمع الانتفاضة، وإطلاق يديه في قمعها بكل وحشية.
مسار الانتفاضة الشعبانية وطرق قمعها
تشكلت شرارة الانتفاضة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت بعد تدمير آلياته العسكرية من قبل القوات الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى عودة الجنود العراقيين للعودة سيراً على الأقدام إلى العراق، وعند وصولهم إلى مدينة البصرة الواقعة في جنوب العراق أظهر بعضهم انزعاجه الشديد وإحباطه من  نتيجة الحرب ووضعهم الراهن وذلك عبر إطلاق عبارات مسيئة  لصدام حسين لتنطلق الانتفاضة الشعبية التي سرت بسرعة كبيرة جداً في أنحاء العراق وامتدت لتشمل أربعة عشر محافظة عراقية من أصل ثمانية عشر عدد محافظات العراق الكلي. وعلى أثر الاضطرابات عيّن صدام حسين، شقيقه علي حسن المجيد الملقب "بعلي الكيمياوي" وكلفه بقمع الانتفاضة الذي استخدم فيها الذخائر وطائرات الهليكوبتر التي أرسلتها الولايات المتحدة الأمريكية للنظام بحجة نقل الجرحى والمصابين من الكويت إلى العراق، ووصل الأمر بالسلطة لاستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين، وتحولت المدن العراقية لساحة حرب شارك فيها مسلحون وعناصر من الجيش العراقي يتقدمهم الحرس الجمهوري ضد عناصر من فيلق بدر التابع للمجلس الإسلامي في العراق إضافةً لقوات البيشمركة والحزب الديمقراطي الكردستاني وكذلك مسلحون من المواطنين العراقيين في الجنوب.
في البداية كان رهان المنتفضين في الجنوب على أنّ الولايات المتحدة ستمنع صدام حسين من  قمعهم لكن ظنهم خاب إذ أصدر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قراراً بعدم دخول العاصمة بغداد وهو ما يعني ضمنياً غض البصر عما سيفعله فيهم صدام حسين.
استمرت الانتفاضة لمدة الشهر، قام صدام وجلاوزته وفلوله المهزومة بمواجهة الثوار في المدن العراقية، فاقتحمها واستباحها مرتزقته وانتهكوا المقدسات وارتكبوا أفظع الجرائم بحق الشعب العراقي، ابتداءً بهدم الأماكن المقدسة وحرق المكتبات العامة المحتوية على كنوز هائلة من المخطوطات العلمية التي تشكل تراثاً إسلامياً نفيساً وانتهاءً بالقتل والإبادة الجماعية. وقد تعرضت مدينة النجف الأشرف إلى أقسى ما مرت به، فلم يترك جلاوزة صدام عملاً وحشياً إلاّ وارتكبوه بحق المدينة وأهلها وانتهكوا الحرم المقدسة في النجف وفي كربلاء المقدسة بمختلف الأسلحة الفتاكة والثقيلة على الرغم من وجود جماهير غفيرة التجأت إلى تلك المراقد والعتبات المقدسة، ظناً منهم بأنهم سيكونون في مأمن من القتل، فحصدوهم بالدبابات والرشاشات وسفكوا دماءهم بجوار الأضرحة المقدسة، واختارت دول العالم العربي والغربي السكوت على هذه الجرائم الوحشية.
استهداف المرجعية الدينية أثناء الانتفاضة
قام المجرمون بعد تلك الأحداث الدامية بحملة اعتقالات واسعة طالت جميع قطاعات الشعب المظلوم، وفي ظل هذه الأجواء وجد المجرمون الطغاة فرصتهم  للقضاء على الحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف فقاموا باعتقال المنتسبين إلى الحوزة العلمية من علماء ومجتهدين وأساتذة ومدرسين وطلبة، وقد اعتقلوا  زعيم الطائفة في حينها المرجع السيد الخوئي والسيد مرتضى الخلخالي وكانا قد تجاوزا التسعين من عمرهما الشريف، كما اُعتقل السيد السيستاني مع العديد من العلماء مثل الشيخ الشهيد مرتضى البروجوردي، إذ تعرضوا للضرب والتعذيب في فندق السلام ومعتقل الرضوانية، ليفرج عنهم في وقتٍ لاحق. وكذلك قام النظام الصدامي المجرم بإبادة الأسر العلمية باعتقال كبيرها وصغيرها كالسادة من آل الحكيم وبحر العلوم.. والتي لم يبق من بعض هذه العائلات سوى الأطفال الصغار والنساء، وبقوا مغيبين في غياهب السجون تحت التعذيب، ومن دون معرفة مصيرهم، وبعد فترة هُجرت أقاربهم وعوائلهم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. انتهت الانتفاضة مع سيطرة الحرس الجمهوري على المدن في منتصف شهر نيسان بعدما قُتل العديد من المنتفضين واعتقل العديد منهم أيضاً مكبلين الى سجون بغداد أو إلى تنفيذ حكم الإعدام وفي ذاك الوقت لجأ باقي الثائرين إلى دول الجوار لتنتصر الحكومة البعثية الصدامية وتفشل مساعي الانتفاضة التي خلفت وراءها مئات الآلاف من الضحايا وعشرات الآلاف من المهجرين.
أسباب فشل الانتفاضة
هنا يتبادر أهم الأسئلة الملحة؛ من الذي أوقف زحف الانتفاضة؟ لماذا لم تنجح في إسقاط النظام؟ وغيرها من الأسئلة...  لعّل من أهم أسباب عدم نجاح الانتفاضة داخلياً أنها كانت عشوائية شعبية دون قائد يديرها مع غياب التنظيم والقيادة الموحدة للعمليات العسكرية على مستوى العراق بمختلف أنواعها بسبب التدمير الكامل للبنية التحتية العراقية. وثانياً لكونها حملت صبغ طائفية نتيجة التعصب الديني لسكان المنطقة ما سهل عملية الانقضاض عليهم، بالإضافة لغياب وسائل الاتصال وانعدام الإعلام المستقل الناقل لأحداثها بحيادية عطفاً على انبساط أرض الجنوب كونها أرض سهلية ما سهل للطائرات قصف المدن والمناطق على عكس المناطق الشمالية ذات التضاريس الوعرة. أما خارجياً فلابد من القول إنّ أمريكا أجهضت الانتفاضة بدعمها لصدام، عبر السماح لطيرانه بالتحليق، وتدمير المدن والثوار، وكذلك ضرب المدن المقدسة بالصواريخ.
نتائج الانتفاضة
 بعد الانتفاضة بدأ الآلاف من المواطنين المعارضين والجنود المنشقين بالهرب من السلك العسكري والتوجه نحو الأهوار خوفاً من انتقام النظام منهم، ولكن لاحقهم الحرس الجمهوري العراقي وقتل واعتقل العديد منهم، وفي الوقت نفسه تم تجفيف أهوار العراق عبر تحويل تدفق نهري دجلة والفرات بعيداً عنها مع نقل السكان المحليين من المناطق المخلاة. ختاما ًلقد تعرضت مدن العراق لأبشع هجوم لم يشهد له العراق مثيلاً، لقد فاق هجوم هولاكو على بغداد في شراسته وقساوته، كانت محرقة كبرى بحق أبناء الشعب العراقي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف ضحية في أسابيع معدودة. قام النظام الصدامي بسحق الانتفاضة بالدبابات والطائرات وصواربخ أرض أرض فلم ينجو أحد من جرائمه البشعة التي قتل فيها الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز، ودفن الأحياء في مقابر جماعية، ولم يترك شبراً إلا وناله الخراب والدمار حتى تمكن صدام وجلاوزته من القضاء على الانتفاضة، لكنه لم يتمكن من القضاء على روح الرفض والمقاومة التي ورثها العراقيون جيلاً بعد جيل.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي