سياسة إنهيار القيم الإجتماعيةعبر فرض «الصدمة الإقتصادية»
الوفاق/ خاص
الدکتور شاهر عماد
إنّ كلّ مجتمع يملك قيماً إجتماعية يتمسك بها وينظر إليها كخطوط حمراء لأنها تضبط الحياة الإجتماعية نحو النمو الأخلاقي والتنمية البشرية. هناك سؤال يخطر ببال كلّ من يرى إنهيار القيم الإجتماعية عند المجتمعات بغض النظر عن تمسكهم بالديانة الإسلامية او غيرها من الديانات والمكاتب وهو ما الشيء الّذي يدفع الناس للتخلي عن قيمهم في حال كانوا ينظرون إليها كقضية مهمة وخطوط حمراء سابقاً؟
بإمكاننا أن نحصل على احد الأجوبة المهمة لهذا السؤال من خلال قراءة كتاب «عقيدة الصدمة» للمؤلفة الأمريكية ناعومي كلاين والتي كشفت عن كواليس وراء إنهيار القيم الإجتماعية وحتى القيم الدينية عند بعض المجتمعات.
صدمة المجتمع، أفضل فرصة
إنّ علماء علم النفس مثل الدكتور كامرون والذي كان يتولّى سابقاً رئاسة منتدى «علماء نفسيون» في الولايات المتحدة الأمريكية أنّ الصدمة والمفاجئة يستطيعان أن يفرضا على المجتمعات الإنسانية وعلى الأفراد ضغوطا قصوى تجعلهم يتخلّون عن مبادئهم و قيمهم الأخلاقية كما يتخلّى السجناء عن قيمهم السياسية وينكرونها تحت التعذيب الذي يجري عليهم في السجون.
لو تراجعون الكتب التأريخية أو ذكريات السجناء الذين قضوا فترة من أعمارهم في سجون الأنظمة الظالمة والذين تخلّوا عن مبادئهم ومعتقداتهم يقولون أنهم قبلوا التخلّي عن القيم والمعتقدات الحزبية أو السياسية بسبب مواجهة الصدمة والمفاجئة لهم لأنّهم في فترة التعذيب لم يكونوا يشعروا بشيئ إلّا المعاناة الجسدية والنفسية الصعبة ولم يجدوا بها حلّاً إلّا الركوع امام التعذيب.
من هي «ناعومي كلاين»؟
هي مؤلّفة وصحفية أمريكية وُلدت في عام 1970 .م وتُعرف بمقالتها وكتبها المناهضة للسياسات النيوليبرالية والتحليلية لسياسات الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية. تنحدر كلاين من عائلة ذات خلفية في النشاط النقابي والنسوي والمضاد للحرب. وهي متزوجة من آفي ليوس الاعلامي ومخرج الأفلام التسجيلية.
إكتسبت كلاين شهرة عالمية بسبب تأليف كتبها والتي ألفتها بطريقة حداثوية نحو كتابها «بلا شعار» (1999) ومن ثم فيلمها الوثائقي الهدف (2004) الذي تمحور حول مصانع الارجنتين المحتلة، والذي كتبته كلاين وأخرجه زوجها أفي لويس؛ إلا أن شهرتها العالمية لم تصل إلى أعلى مستوياتها حتى إصدارها لكتاب عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث (2007)، الذي كان بمثابة تحليل نقدي لتاريخ الاقتصاد النيوليبرالي، والذي استُلهم منه فيلمًا تابعًا له لكل من الفونسو وجوناس كوارون، قبل أن يتحول كتابها هذا إلى فيلم وثائقي طويل لمايكل وينترباتم. كتابها تحت عنوان «عقيدة الصدمة» تُعتبر أهم أعمالها والتي تطرقت فيه لمناقشة موضوع تخلّي المجتمعات البشرية عن قيمهم إثر مواجهتهم عقوبات إقتصادية قاسية. تعتقد ناعومي كلاين إنّ المشاكل الإقتصادية القاسية التي يفرضها الغرب على البلدان الأخرى لجعلها تركع أمام سياساتها التوسعية.
صندوق النقد الدولي وتركيع المجتمعات
من أهم الأنظمة التي تحاول تركيع المجتمعات وتوجيه الصدمة لها هي منظمة صندوق النقد الدولي حيث تعمل إقتصادياً من خلال تقديم قروض للدول بفرض شروط تؤدي إلى إنهيارها إقتصاديّاً أو تفرض عليها حالة الإجبار للتخلّي عن بعض الملفات الدولية.
في السياق ذاته قالت النائب البرلماني الأسبق الأستاذة مباركة براهمي في حوار خاص مع الوفاق: أنا لو كنت في مكانة الرئيس قيس سعيّد لرفضت شروط المصرف الدولي كما هو فعل ذلك لأننا جميعاً نعلم وراءها شيئ آخر. كلّ الشروط الضاغطة التي يفرضها المصرف الدولي كما قلتُ سابقاً لاتقلّل من حجم المشكال الإجتماعية التي يعاني منها الشعب في تونس بل تزيد منها حتى نصل إلى مرحلة تريدها أمريكا فما هي هذه المرحلة؟ نصل إلى هذه النقطة يُقال لنا: كلّ الأبواب أمام تونس شعباً وحكومة مسدودة إلا باب واحد يمكن أن يخرجوا منه ليحلّوا مشاكلهم وهو التطبيع مع الكيان الصهيوني. سوف يُقال لنا: أنتم بعيدون عن الكيان الصهيوني ولاتوجد بينكم خطوط تماس فاطمنئوا بأنّ هذه العلاقة لاتضرّكم.في قادم الأيام سيظهر هذا الخيار بالتأكيد لأنّ كلّ الدوائر المالية بالعالم بصدد الضغط الأكثر على تونس. تقول ناعومي كلاين في كتابها «عقيدة الصدمة: «إنّ الدول الغربية والشركات الإستثمارية العملاقة تعمل على أساس توجيه الصدمات الإقتصادية غير الطبيعية والقاسية للمجتمعات حتى تتمكّن من السيطرة عليها في حال يبحث الناس في المجتمع عن مفتاح حلّ للخلاص من الأزمة التي فرضها اصحاب رؤوس المال عليهم من وراء الكواليس.»
صندوق النقد الدولي يقدّم قروضا بشروط صعبة وربح كثير للدول وحينما تعجز دولة ما عن دفع التكاليف للقروض تُجبر إزاءها على التخلّي عن القيم والملفات الدولية التي تهم الغرب.
إنهيار القيم في المجتمع
بعض علماء الإجتماع وعلماء نفسيين يضربون مثلاً ويقولون: «تخيّلوا أنّ مجتمعا ما يواجه الحصار الإقتصادي وغلاء الأسعار بشكل غير مسبوق والذي لايطيقه وغيرها من المشاكل الإقتصادية فهل أمام المجتمع الغريق، حلّ إلّا التشبث بالحشيش؟».
تقول ناعومي كلاين:»إنّ هذه السياسة فُرضت على تشيلي قبل عقود فإنهارت الدولة وتخلّى الشعب عن قيمه».
كورونا والأزمة الإجتماعية
يعتقد الكثير من علماء الإجتماع و علم النفس أنّ وباء كورونا أُنشئ وتأسس من أجل إيجاد أزمات إقتصادية في العالم والتي تُجبر الشعوب والدول أن يعيشوا بطريقة غير ماعاشوا عليها سابقاً ومن هنا يتحدّثون عن النظم الإجتماعية الجديدة للعالم ما بعد كورونا حيث أصبح الكثير من الدول فقيرة وأصحاب المصانع الصغيرة خسروا ماكانوا يملكونه وبعض الشعوب يبحثون عن حلّ فوريّ.
الأزمات الإجتماعية ومفتاح الحل
من الأمور التي تسبب حالة عدم تخلّي المجتمعات عن قيمهم الإجتماعية وتتصدّى للعولمة الإجتماعية، هو تحقيق الإكتفاء الذاتي إلى أقصى حدّ ممكن. اليوم يعاني الكثير من المجتمعات البشرية من الأزمات الإجتماعية التي وقعت فيها نحو غلاء أسعار السلع الأساسية وأزمة الزواج وعدم توفير الكهرباء في حال يلعب الغرب وعلى رأسه أمريكا بهذه الورقة وتحاول إثارة مشاكل إقتصادية بهدف ضرب القيم الإجتماعية للمجتمعات وعولمة القيم الإجتماعية التي تفرضها هي.
لبنان والأردن نموذجاً
إنّ من أهم الدول التي تحاول الولايات المتحدة تركيعها هي لبنان وشعبه الذي يتمسّك بالقيم العربية والإجتماعية والدينية والذي يشكّل من أهم الحواجز امام العدو الصهيوني. أصبح الزواج صعب والأسعار غالية والعملة منهارة وحسب ما قاله علماء علم الإجتماع إنّ أمريكا لن تتوقف عن فرض هذه الضغوطات على لبنان إلى حدّ يصبح لبنان خاضعاً أمام أيّ سياسة أمريكية تفرضها عليه والحلّ الوحيد هو بذل الجهد لنيل الإكتفاء الذاتي.
مثل هذه الأزمة التي تُفرض على لبنان، فرضت ولازالت تُفرض على الأردن خاصّة بعد رفضه الإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونفس السياسة تُفرض على مصر وغيرها من الدول.
يُتبَع..