ابواق الفتنة في العالم الافتراضي
الوفاق/ خاص
نسرين نجم
مما لا شك فيه ان مواقع التواصل الاجتماعي أضحت الرفيق الدائم لأغلب الشباب والمراهقين نظرا لمحتواها الغني بالمواضيع والصور والفيديوهات وحتى المعلومات والشخصيات المتنوعة، والأهم لكونها أصبحت بمتناول الجميع كبارا وصغاراً، فمنذ ان يستيقظ الفرد الى حين نومه هذا الهاتف بين يديه، يقلب صفحاته، يسافر بين عوالمه وألوانه الخضراء والزرقاء والحمراء (اي الوان الواتساب والفايسبوك والانستغرام) والبعض يندهش بما يراه، ويتأثر بما يسمعه، يحفظ ما يتردد أمامه، والعديد يقلدون ويتماهون مع ما يرونه سيما عند فئة الشباب والمراهقين ممن اصبح هذا العالم عند اغلبهم المساحة التي يعبروا فيها عن مكبوتاتهم واسقاطاتهم، هواجسهم، مخاوفهم، آمالهم واحلامهم خاصة الفئة التي تعاني ما تعانيه من مشاكل أسرية وتفكك عائلي أو تعنيف او حتى غياب للحوار والتفاهم والاستيعاب لهم من قبل الأهل او حتى مصادقتهم، فيلجأون الى هذه العوالم للتعويض عما ينقصهم...
وهنا الخطورة ان هذه الفئة التي تعتمد عليها المجتمعات والدول لتنمية اقتصادها، والاستفادة من طاقاتها وقدراتها، واستثمارها بالشكل المناسب لتحريك العجلة الاقتصادية، وللتطور والتقدم، نجد بأن قوى الاستكبار العالمي تعمل على استقطابها من خلال هذه العوالم الافتراضية بأسلوب مرن سلس فيه الكثير من دس السم في العسل، ويحاكي رغباتهم ونزواتهم وأحلامهم عبر تقديم شخصيات «البلوغرز» من نفس عمر المستخدمين الشباب، يختارونهم ضمن معايير محددة اما على مستوى من الجمال والجاذبية، اما بمواصفات رياضية مثالية معينة، والاغلب يأتون بهم من بيئات فقيرة ليتحكموا بهم اكثر هذا برأيهم، ومن خلال هذه الشخصيات يبثون الافكار التي يريدونها، والتي أهمها سلخ هؤلاء الشباب عن المنظومة القيمية الدينية والمجتمعية السائدة، لا بل صناعة وتكوين اتجاهات تتناسب وسياساتهم القائمة على تفريغ هؤلاء الشباب من أي محاولة للتفكير أو للانتاج، وجعلهم بحالة استيلاب واندهاش بهذه الشخصيات المصنوعة والمدفوعة الاجر، وبالتالي يتحول المتابع الى مستهلك ببغائي في هذه العوالم، الامر الذي خلق هوة كبيرة بين العالم الواقعي لهؤلاء المراهقين والشباب والعالم الافتراضي، الامر الذي اوصل بالعديد منهم الى حالات من الأكتئاب، العزلة، القلق الدائم، عدم انتظام النوم...
اغلب هؤلاء البلوغرز يصورون الحياة بأنها وردية، والمال والمظاهر هي سر السعادة... البلوغرز وطبعا ليس الكل توظفهم مجموعات تعمل لقوى الاستكبار فتدربهم وتقوم بدعوتهم للسفر الى اماكن مختلفة وفيها يلتقون ببعضهم البعض، ويتم توزيع الادوار بكيفية ايصال الرسائل السياسية بأسلوب فكاهي يستقطب الشباب، تماما كما فعلت السفارة الاميركية في لبنان حين التقت منذ فترة بمجموعة من البلوغرز الذين يعملون بطريقة او بأخرى معها وهؤلاء لديهم الآف المتابعين يعني كمية التأثير كبيرة بالمجتمع... او كما حصل مع احدى الشخصيات الرياضية لاعب كرة قدم في ايران حيث قامت بعض قوى محور الشر بالأهتمام والرعاية الأفتراضية به من خلال شراء متابعين (وهو امر سهل على مواقع التواصل، فخلال دقائق يمكنك ان تشتري عشرة الاف متابع او اكثر) ومن خلال التسويق له بأنه القدوة التي يجب الأحتذاء والتماهي بها، وعملوا من خلاله على نشر بعض المفاهيم الزائفة عن الحرية والديموقراطية وما الى ذلك لقلب الشارع الايراني في الأحداث الأخيرة على نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي يعمل بمبادىء الاسلام المحمدي الاصيل، الا انهم فشلوا وعادوا الى جحورهم منكسرين منبوذين مصدومين من وعي الشعب وحكمة القيادة ...
اذن استخدام بعض البلوغرات من قبل اجهزة الاستخبارات والسفارات ليس بالأمر العابر والهين، فهم يلجأوا من خلالهم الى اغراء العقول بمشاهد مزيفة وقيم مضللة، وبالطبع البلوغرات المدفوعة الأجر يقومون بتسويق كيف يجب ان تعيش وما عليك ان تأكل وتلبس ليكون لك هذه المكانة، وصولا وهنا الخطورة واللعب على الوتر النفسي بأنهم اي البلوغرز يبدأون بإعطاء النصائح والارشادات النفسية فيشعر المتابع بالراحة النفسية والقرب من هذه الشخصيات الأمر الذي يدفع المتابع للتعلق بها لا بل وتقليدها والتماهي بها واعتبارها الانا الاعلى الموجهة لسلوكهم وحياتهم دون ان يلتفتوا الى ما هم عليهم وما عندهم من طاقات ومهارات وكفاءات قد تختلف عن هؤلاء البلوغرز لا بل قد تكون افضل منهم... ولا بد من الأشارة ان ما يقدموه من مضمون تمثيلي سيما فيما يخص ادعاؤهم بالحياة السعيدة مع شركائهم هو في الواقع العكس تماما، فالكثير منهم حياتهم الاجتماعية ما دون الصفر وحتى العاطفية وحتى المهنية والعلمية، فهذا يرفع عليه دعاوى بتهمة التجسس وذاك بتهمة النصب والأحتيال وتلك وصلت الى الطلاق بعد تعنيف وخلافات حادة مع زوجها....
اذن هي استراتيجية تمثيلية محكمة التأثير على كافة الصعد ادت وتؤدي وستؤدي ان لم نضع لها حدا لوقوع شبابنا في مشكلات نفس اجتماعية لا حصر لها.... خاصة ان هذه المظاهر المضللة والمزيفة تقتل لدى الشباب السعي للكفاح والعمل على تطوير الذات والصبر على الشدائد وتحمل مصاعب الحياة، وحتى تبعدهم عن الله عز وجل نتيجة تفكيرهم غير السليم بعدم وجود عدالة الهية، وعدم الرضا والقناعة...
لمواجهة هذه الحرب الشعواء التي تخوضها قوى الأستكبار والأستعمار بأدواتها الملونة تبدأ المقاومة من التربية السليمة وزرع القيم الدينية وما تحويه من مفاهيم انسانية واخلاقية، واعتماد الحوار الدائم الهادىء المتزن ليكونوا هم القدوة لابنائهم وإشباعهم بطريقة صحيحة بالعاطفة والأمن والأمان، اضف الى ذلك دور المدرسة والأعلام ورجال الدين، أي هي مسؤولية الجميع لمواجهة هذه التحديات التي تواجهنا وسننتصر
بإذن الله.