أخلاقنا الإسلامية
الوفاق/ وكالات
التضحية والإيثار
الإيثار من محاسن الأخلاق الإسلامية، وهو مرتبة راقية من مراتب البذل، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء. ويعدّ الإيثار أحد أبرز الفضائل والقيم الإنسانية.
جاء استعمال لفظ الإيثار ومشتقّاته في النصوص الإسلامية بمعنيين متضادّين، إذ يُستعمل تارة بمعنى التقديم الإيجابيّ الذي يعدّ بدوره من أعظم القيم الأخلاقية وأسماها، كما في قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾. كما يستعمل بمعنى التقديم السلبيّ كما يقول تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
ومن هنا يفهم أنّه ليس مطلق التقديم هو ما يحقّق الإيثار المطلوب في الآيات والروايات لأنّ التقديم في غير محلّه لا يعتبر ذا قيمة أخلاقية، بل لابدّ من أن يكون تقديم الشيء بحقّه. كما ورد في مصباح الشريعة عن الإمام الصادق (ع) قال: "أصل الإِيثارِ تَقديمُ الشَّيءِ بِحَقِّهِ"، فأصل الإيثار هو تقديم الآخر أو الغير على النفس ولكن بشرط أن يكون هذا التقديم في طريق الحقّ لا الباطل وإلّا يصبح من الإيثار السلبيّ.
إنّ الإيثار كما تقدّم قيمة أخلاقية ومرتبة راقية من البذل، كذلك هو مذهب أخلاقيّ يرى أنّ الأفراد لديهم التزام أخلاقيّ لمساعدة الآخرين أو خدمتهم أو نفعهم، إذا لزم الأمر، في التضحية بالمصلحة الذاتية. الإيثار المتعلّق بالخلق له صور ومصاديق متعدّدة أهمّها:
الإيثار في المال
قال أبا عبد الله الحسين (ع): "امْتَحِنُوا شِيعَتَنَا عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ كَيْفَ مُحَافَظَتُهُمْ عَلَيْهَا، وَإِلَى أَسْرَارِنَا كَيْفَ حِفْظُهُمْ لَهَا عَنْ عَدُوِّنَا، وَإِلَى أَمْوَالِهِمْ كَيْفَ مُوَاسَاتُهُمْ لِإِخْوَانِهِمْ فِيهَا". إنّ موادّ الامتحان التي حدّدها الإمام (ع) لشيعته ثلاث: المحافظة على أوقات الصلاة، حفظ الأسرار، المواساة بالأموال.
الإيثار في النفس
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
من أبرز مصاديق الإيثار بالنفس الجهاد في سبيل الله, وما يتبع ذلك من تعريض النفس إلى مخاطرٍ عدة كالإصابة في أرض المعركة، فضلاً عن الوقوع في الأسر، وصولاً إلى القتل في سبيل الله. فأمثال هؤلاء يؤثرون بأنفسهم ويقدّمون أسمى وأرقى مصاديق الإيثار في دفاعهم عن بيضة الإسلام.
الإيثار في الدعاء
أي تقديم الآخرين على أنفسنا كما هو منهج أهل البيت (ع) فقد كانوا يؤثرون الآخرين على أنفسهم. فقد كانَت السيدة الزهراء (ع) إذا دَعَت تَدعو لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ولا تَدعو لِنَفسِها، فقد ورد عن الإمام الحسن (ع) قال: "رأيت أمّي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصّبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدّعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدّار".