|
أبعاد وخصائص لا نظیر لها
زیارة الأربعین من وجهة نظر تاریخیة
ترک استشهاد الإمام الحسین (ع) مع أهل بیته وأنصاره فی واقعة کربلاء فی سنة 61 للهجرة النبویة، آثارا" وانعکاسات دینیة وسیاسیة واجتماعیة وأدبیة وثقافیة وفکریة فی تاریخ العرب والمسلمین، لا تزال أصداؤها متوهجة وملهمة ونابضة بالحیاة حتى یومنا هذا"، فقد استحوذت الثورة الحسینیة على الفکر الاسلامی عامةً والفکر الشیعی خاصةً لما تحمله تلک الثورة من أبعاد وخصائص لا نظیر لها فی التاریخ ولذلک حاول الشیعة استغلال هذا الحدث العظیم فی جمیع أبعاده واستغلوا کل ما یمت إلیه بصلة و منها یوم الأربعین و إحیاء ذلک الیوم. وزیارة "الأربعین" تاریخیاً بدأت على ید الصحابی الجلیل جابر بن عبدالله الأنصاری (رض)، وکان قد کفّ بصره، فقاده غلامه إلى کربلاء حیث اغتسل بماء الفرات، وتطیّب للقاء سبط الرسول (ص)، وحین دنا من القبر ناداه: "حبیب لا یجیب حبیبه". ومن حینها وعلى الرغم من الظروف الضاغطة التی مرت بأهل البیت(ع) وأولیائهم، إلا أن الأئمة شددوا على ربط جماهیر الأمة بالحسین (ع) بشتى الطرق، والباحث فی المصادر الحدیثة والتاریخیة یلحظ ذلک. فقد مرت بأهل البیت وأتباعهم ظروف شدیدة، لم یکن بوسع الواحد منهم أن یذکر شیئاً عن علمهم وفضلهم أو یبدی أی تعاطف معهم. فقد کان الإمام علی (ع) یشتم فی بعض المحافل الرسمیة فی بعض الفترات. و یذکر أبو جعفر الاسکافی "أن بنی أمیة منعوا من إظهار فضائل علی (ع) وعاقبوا على ذلک، حتى أن الرجل إذا روی عنه حدیثاً یتعلق بشرائع الدین لا یتجاسر على ذکر اسمه، فیقول: عن أبی زینب".
زیارة الحسین (ع) فی العصر الأموی والعباسی
من الطبیعی أن الزیارة فی هذه المرحلة، کانت تتم بصورة فردیة حیث کان یخرج بعض الأفراد لزیارته والسلام علیه خفیة" وفی أجواء من السریة والکتمان الشدیدین. ومع بعض الانفراج السیاسی الذی شهده عصر الإمام جعفر الصادق(ع) ، سرعان ما تحولت زیارة الحسین (ع) إلى ظاهرة دینیة وثقافیة عامة.
وإذا أخذنا فی الاعتبار أن الإمام جعفر الصادق(ع) عاصر أواخر الدولة الأمویة وبدایات الدولة العباسیة فإنه یفسر لنا بعض التحول الذی حدث فی ظاهرة الزیارة فی عصره.
ویبدو أن هذا الإقبال العام إلى زیارة الحسین کان یقلق السلطات، لأنها کانت تکرس ربط الجماهیر بأهل البیت وبمنهجهم، الأمر الذی کان یعد - فی بعض الفترات - جریمة" یستحق أصحابها علیها العقاب. ولهذا لا نستغرب إن قرأنا فی التاریخ عن تعلیمات رسمیة بمنع زیارة الامام الحسین(ع) ومعاقبة من یخالفها.،بل بلغ القلق لدى السلطات العباسیة من ظاهرة تجذر زیارة الامام الحسین (ع) حداً یصعب تصوره، وهو أن تجری أکثر من محاولة لهدم القبر الشریف وتدمیره وحرثه وطمس آثاره.
وتکرر ذلک زمن المتوکل العباسی وفی سنة 236 للهجرة أمر المتوکل بهدم قبر الامام الحسین (ع) وهدم المنازل والدور التی حوله، وأن یحرث ویسقى موضع قبره وأن یمنع الناس عن زیارته. کل هذه الإجراءات لم تمنع أتباع أهل البیت (ع) ومحبیهم عن زیارتهم أبداً، فقد کانوا یتحینون الفرص ویخرجون خفیة" ویتکبدون المشاق ویقطعون اللیالی ویضعون علامات خاصة للتعرف على القبر الشریف.
زیارة الأربعین فی المئة عام السابقة
تکررت محاولات منع الزوار من إحیاء یوم الأربعین بل وحتى زیارة المراقد المقدسة إذ حاولت بعض الحکومات منعهم بفرض ضرائب مالیة، ولما لم تُجدِ فرضت علیهم عقوبات بربریة، مثل قطع الأیدی، فکانوا یضحون بأیدیهم من أجل الوصول للقبر الشریف. والمؤکّد أن مثل هذه الحملات ستؤدی حتماً إلى زیادة أعداد الزائرین. لهذا راینا أنه لم تتوقف قوافل الزوار فی زمن الحرب أو السلم، وفی 1977، حاول النظام الصدامی وهو فی ذروة سطوته، أن یمنعهم بالقوة، فقابلته الجماهیر بالتحدی، فأطلق النار علیهم، وکانت تلک أحد الأسباب التی عمّقت حالة القطیعة والکراهیة للنظام، حیث برزت صورته کمعادٍ شرسٍ للإسلام.
بعد سقوط النظام الدکتاتوری، عادت الزیارة للظهور بمستوى أوسع، لتمثل ظاهرة کبرى، یتناولها الإعلام الأجنبی فی تغطیاته، وأتیحت لها عشرات الفضائیات الجدیدة الخاصة، بینما لم تکن تحظى بتغطیة أیة إذاعةٍ أو محطةٍ أرضیةٍ فی العقود الماضیة.
ختاما"إن المعاناة الکبیرة ظلت تصاحب زوار الشیعة إلى قبر الإمام الحسینی (ع) وإحیاء ذکرى أربعینه ویعیشونها على مضض، وکانت تترى على عصور التسلط، ونیر الحاکمین، منذ المتوکل العباسی، فالسلاجقة، والعثمانیون، حتى زمن النظام الصدامی ولکننا نجد إن کل تلک الممارسات الجائرة شکلت عاملاً إضافیاً فی تعمیق الشعور الجمعی لدى أتباع أهل البیت علیهم السلام بصدق قضیتهم وعمق ظلامتهم، وفی الوقت نفسه کانت تسهم فی تجذیر المودة والولاء لأهل البیت علیهم السلام والإصرار على التمسک بهم وبنهجهم والتشبث بکل ما یرمز إلیهم.
السید حسن نصر الله؛ القیادة وفعل الإستنهاض
الوفاق / خاص یعرَّف علماء الاجتماع الإنسان على أنّه اجتماعیّ بطبعه، وبالتالی لا یمکنه أن یعیش بمفرده دون الحاجة إلى التواصل والتعارف وتبادل الخبرات. من أجل ذلک، یحتاج فی مسیرته وحیاته إلى توجیهٍ وإرشاد وإلى مشورة نفسه والآخرین فی جمیع أموره. وفی هذا السبیل، کان من الضروریّ أن یکون فی کلّ مجموعة فردٌ یتصدّى لقیادة تلک المجموعة، بمثابة الراعی لها أو المدبّر، فالقیادة هی القدرة فی التأثیر على مجموعة من الأفراد على نحوٍ یدفعهم إلى التعاون الاختیاریّ بمحض إرادتهم بغیة الالتحام وتحقیق أهداف المجموعة ککلّ، وهذا التأثیر له مقوّماته المتعلّقة بالشخص القائد، کما وتُعرف المجموعات من خلال قادتها.
والکتاب الذی بین أیدینا السیّد حسن نصر الله، القیادة وفعل الاستنهاض للدکتور غسان طه یأتی ضمن هذا السیاق، حیث یستعرض فی ثلاثة فصول ما یتعلّق بمفهوم القیادة وغیرها من الأمور.
ففی الفصل الأوّل والذی یحمل عنوان "القیادة: محدّدات وأنواع"، یعرض الکاتب مفهوم القیادة ویفترض لها وجود طرفین: القائد أو الزعیم الذی ینبغی على الجماعة أن تدین له بالولاء والطاعة وهو بدوره یضمن تماسها وتضامنها، والجمهور أو الشعب أو الأمّة التی تسلّم بوجود هذه القیادة وتذعن لتوجیهاتها ولأوامرها.
ثمّ یستعرض أنواع القیادة من القیادة الرئاسیّة، إلى الدینیّة وصولاً إلى القیادة الکاریزمیّة، أمّا فی الفصل الثانی "القیادة ومحدّدات الاستنهاض"، فیشیر إلى أنّ المرحلة التاریخیّة التی انطلقت خلالها المقاومة الإسلامیّة فی لبنان شکّلت مرتکزاً أساسیّاً فی الالتفاف الجماهیریّ حولها فی سائر الأقطار العربیّة والإسلامیّة. وقارب فی شخصیّة السیّد حسن نصر الله کقائد ورمز دینیّ للقیادة لما لشخصه وللدور والوظیفة التی یضطلع بها کرجل دین ولما للرأسمال الدینیّ من دور فی عملیّة الجذب وشدّ الأفراد إلیه وتکریس موقعه القیادیّ، فضلاً عن الآلیّة التنظیمیّة التی تحدّد قواعد الطاعة وإظهار الولاء.
وینتقل الکاتب فی فصله الثالث والأخیر "القیادة والخطاب السیاسیّ" إلى التوجّه نحو دراسة الخطاب السیاسیّ للمقاومة واستراتیجیّتها الاستنهاضیّة انطلاقاً من کلام السیّد نصر الله نفسه والاطلاع على مضمونه.
وقارب هذا الخطاب من زوایا ثلاث هی: الهویّة وحقل السلطة وصولاً إلى وظیفته فی التواصل الداخلیّ والخارجیّ، فحین یتوجّه خطاب حزب الله للمسلمین، فهو یتحرّک باتجاه الأبعاد الانتمائیّة العامّة المتجسّدة فی واقع الحال دون أن یهدف إلى استیعابها فی الدائرة الولائیّة الخاصّة التی تتحرّک فی إطار ولایة الفقیه.
فالدور القیادیّ للسیّد نصر الله لیس مقروناً بموقع رئاسیّ حتّى یقتضی الطاعة بمعزل عن حال الإقناع أو عدمه کما فی الدول التسلّطیّة أو الدیمقراطیّة.
«مهدی یاغی» .. شهید لیلة القدر
الوفاق / خاص ولد الشهید مهدی یاغی فی الیوم الخامس من شهر شعبان، ونشأ وترعرع فی مدینة بعلبک، وکانت أمه، وهی من أهل السُنة، من قریة عرسال، مدیرة لمستشفى الحیاة، وقد أولت وزوجها أولادهما عنایة خاصّة وحرصت على تأمین أفضل الخدمات لهم، وعلى تعلیمهم فی أفضل المدارس.
الإلتزام الدینی
کان مهدی، ومنذ التاسعة من عمره، یقوم بجمیع الفرائض على أکمل وجه، بل ویلحقها بالمستحبات، حتى أن صلاة الصبح کان یصلیها فی المسجد، وغالباً ما أسرّ لوالده عن حسرته لأن ما یقوم به لا یُسجّل فی صحیفة أعماله لأنه لم یبلغ الحلم بعد، حتى إذا ما تجاوز سنّ التکلیف عبّر عن سعادة کبیرة لأنه صار مسؤولاً، فی هذه الحیاة، عن کل ما یقوم به، وکانت نفسه رقیبة علیه، إذ اجتهد قدر الإمکان فی الابتعاد عن مواضع الشبهات، ولم یکن هذا بالسهل على شاب کانت الدنیا بکل زخارفها ملک یمینه، ولکن حسابات مهدی کانت مختلفة جداً، لأن قیاسها لدیه کان مقدار القرب من الله أو البعد عنه.
القدرات القتالیة
ما إنْ أنهى مهدی المرحلة الثانویة من دراسته حتى التحق مباشرة بمعسکرات التدریب، فخضع لدورات عالیة المستوى وظهرت لدیه قُدُرات قتالیة أثنى المدرّبون علیها، ولهذا کانت توکل إلیه مهامّ حسّاسة وخطیرة. حقّق مهدی أمنیة والدیه بمتابعة دراسته الجامعیة، إذ انتسب إلى الجامعة فی اختصاص هندسة کومبیوتر، ولکن ظروف عمله حالت دون ذلک.
تزوج مهدی ورُزق بولدین، وکان خلال هذه الفترة یُشارک فی الحرب ضد التکفیریین، ولکن أحداً من أهله لم یعرف بذلک، حتى عندما أصیب إصابة حساسة فی رأسه خضع على أثرها إلى عملیة جراحیة، عاد إلى المنزل، وقال لأهله إنّه تعرض لحادث سیر، وسرعان ما عاد إلى المحور بعد أن تماثل للشفاء.
شهادة فی أیام مبارکة
فی رحلته الأخیرة إلى سوریا اتصل مهدی بزوجته وأوصاها بنفسها وبولدیه، کرّار وآدم الذی ولد قبیل استشهاده بشهرین تقریباً. وکانت المرة الأولى له منذ زواجهما، فهو لم یکن یتصل أبداً وإنْ سنحت له الفرصة لذلک.
وکانت أیام شهر رمضان المبارک، وکانت لیلة التاسع عشر عندما قال له صدیقه: "ما رأیک بالشهادة هذه اللیلة؟" ردّ علیه مهدی: "لا.. أریدها فی لیلة الواحد والعشرین، فهی أهم". وکان له ما تمنى، فبعید وقت الإفطار لیلة الواحد والعشرین، بدأت المعرکة التی ارتفع على أثرها شهیداً عطشانَ فی لیلة مبارکة، ودفن لیلة الثالث والعشرین، فکان یوم ولادته ویوم شهادته ویوم دفنه من أعظم الأیام وأشرفها.
|
|
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
|