|
السید موسى الصدر والإمام الخمینی(قدس) والثورة الإسلامیة فی إیران
ظلّت إلى وقت قریب، وبسبب النقص المریع فی الدراسات التاریخیة والمعلومات التوثیقیة، علاقة الإمام الخمینی(قدس) بالإمام الصدر تکتنفها الکثیر من التعقید والغموض، إنّ السؤال الذی کان یُطرح على الدوام هو: ما هی حقیقة العلاقة بین الإمامین الصدر والخمینی (قدس)؟ سنجیب على هذا السؤال عبر إبراز عدة معطیات یمکن الاستشهاد بها لتحدید شکل العلاقة ومستواها بینهما وذلک بحسب ما ورد فی کتاب " قیام طائفة أمة موسى الصدر" للکاتب صادق النابلسی، أولها : مواظبة الصدر على حضور دروس الإمام الخمینی(رض) فی الفقه والأصول والفلسفة، وهو الذی کان یتمیز ببحثه على أستاذ یوسّع له فی بحثه المعرفی والعلمی، وهذا لم یکن شیئاً عابراً بل یمثل أبرز الوشائج النفسیة بین الطرفین وعن المناخ الذهنی الذی یمتد إلى حقول التجدید فی آفاق المعارف الإنسانیة، والثانی : حضور الإمام الخمینی (قدس) حفل لباس السید الصدر الزی الدینی، وهو المرجع المعروف عنه أنه لا یجامل أو یهادن أحداً فی حدثٍ من هذا النوع الرفیع وفیه إحترام إلى التمیز العلمی والمعرفی والسلوکی الذی کان یتمتع به الصدر، والثالث : إختیار الإمام الخمینی(قدس) للصدر کی یرافقه فی زیارة مقام الإمام الرضا (ع) فی مدینة مشهد، ولیست هذه مرافقة عادیة لو ربطناها بالظروف السیاسیة التی کانت سائدة فی إیران آنذاک.
کل هذه اللمحات التاریخیة تبرز أسس العلاقة بینهم ومن کونها باتت تتسم بالحمیمیة والانسجام فی الرؤى والتفکیر، مع تطور الأحداث فی ایران واشتداد الضغوط المتزایدة على نظام الحکم الملکی، کانت قد تبلورت لدى مجموعة من العلماء مخططات للقیام بانتفاضة شعبیة للإطاحة بنظام الشاه، وقد کان الصدر من ضمن هذه المجموعة، فی هذا السیاق، یقول آیة الله عبد الکریم موسوی أردببلی وهو أحد أصدقاء الصدر فی الحوزة "إنّ نواة الثورة الأولى شکّلها الإمام الخمینی (قدس) ولم یکن یتجاوز عددهم العشرین وعلى ید هؤلاء تأسّست الثورة، والصدر کان فی الصف الأول من بین هؤلاء، إنهم نواة الثورة الأولى وهم المخطّطون للمستقبل وواضعو أساس الثورة لما بعد، والسید موسى کان عضواً بارزاً فیهم".
مساعی الصدر للإفراج عن الإمام
یضاف إلى ذلک قیام السید الصدر بجهود عربیة ودولیة مضنیة لإطلاق سراح الإمام الخمینی (قدس) من سجون الشاه بعد المواجهة الدمویة والساخنة بین الشعب الإیرانی ونظام الشاه فی حزیران / یونیو من العام 1963 والمعروفة بانتفاضة 15 خرداد، بعد انتشار خبر اعتقال الإمام بسرعة فائقة فی أرجاء إیران، خرجت التظاهرات فی کافة المدن، وتصدّت لها قوات الشاه بإطلاق النار علیها، وقد قام الصدر موفداً من السید أبو القاسم الخوئی بزیارة مقر الأمم المتحدة لإجراء الاتصالات اللازمة لعرض الأوضاع فی إیران وشرح القضیة بأبعادها المختلفة، ثم انتقل بعد ذلک إلى الفاتیکان وبعض البلدان الأوروبیة، حیث أمضى خمسة أیام فی روما فی ضیافة الفاتیکان، حیث لقی حفاوة بالغة وتلقّى دعوة رسمیة لحضور حفلة تتویج البابا بولس السادس، وقد جهد الإمام الصدر حتى نقل إلى قداسة البابا قضیة اعتقال الإمام الخمینی (قدس) فی إیران وموقف علماء الدین وموقف الحکم الإیرانی ما أدّى إلى اتخاذ موقف متجاوب من قداسته مع دعوة الإمام الصدر، وقد غادر الإمام روما متوجهاً إلى سویسرا وفرنسا وبلجیکا وإسبانیا، ومنها إلى الجزائر فالمغرب العربی، ثم عاد الإمام الصدر إلى بیروت جواً عن طریق القاهرة بعد جولة استغرقت قرابة الشهرین، وشملت أوروبا والمغرب العربی وکان قد عمل على الاتصال فی هذه الأقطار بکبار الشخصیات وأمهات الصحف العالمیة والفاعلیات فی جنیف وهامبورغ وباریس وبون وغیرها لشرح قضیة اعتقال الإمام الخمینی(قدس) ، وقد أشاد السید الخوئی بالنتائج الایجابیة التی حققتها هذه الزیارة مادحاً الجهود التی بذلها الصدر فی هذا السبیل، وذلک حین أرجع سبب الإفراج عن الإمام الخمینی (قدس)من سجنه إلى حرکة الصدر واتصالاته، فیقول: " إنّ إطلاق سراح السید الخمینی یعود الفضل الأکبر فیه إلى رحلة السید موسى الصدر".
استمرار التواصل عبر الرسائل
ومع نفی الإمام الخمینی(قدس) إلى العراق بقیت الاتصالات بینه وبین الصدر مستمرة، وقد کُلف الدکتور صادق طباطبائی وهو إبن أخت الصدر بنقل العدید من الرسائل من الصدر والدکتور بهشتی إلى الإمام الخمینی (قدس) فی النجف، کما کان یُرسل الصدر مبالغ مالیة للإمام الخمینی(قدس) التزاماً منه بخط الثورة وتحصیناً لمشروعها .
ثم تتوالى حلقات التواصل والتعاون وبرزت مناسبات عدیدة تبادل فیه الطرفان رسائل مختلفة حول الثورة والتحرکات السیاسیة سواء فی العراق وإیران ولبنان، نقلت إحدى هذه البرقیات تأییداً من الإمام الخمینی(قدس) للصدر على التحرکات الشعبیة التی یقودها الصدر والهادفة إلى رفع الحرمان والمظلومیة عن الشیعة فی لبنان، هذا وبلغ التفاعل بین الرجلین أوجه حین وصف الصدر الإمام الخمینی(قدس) بـ"الصدر الأکبر"، وهو وصف لا یخفی على أحد دلالاته الدینیة والسیاسیة الکبرى.
مساهمة الصدر فی إسقاط حکم الشاه
وکان قد سعى الإمام خلال وجوده فی لبنان لإسقاط حکم الشاه، وکانت الحرب الخفیة بینه وبین المخابرات الشاهنشاهیة على قدّم وساق، یقودها سفیر ایران فی بیروت آنذاک " منصور قدر "، وقد ظهرت هذه الحرب إلى العلن حین أقام الصدر ذکرى أربعین الدکتور علی شریعتی فسحب الشاه الجنسیة الإیرانیة من الإمام الصدر فردّ علیه الإمام قائلاً :" سوف نسحب عرش الشاه من تحته". وکان قد أعلن فی مهرجان التکریم فی العاملیة أنّ المخابرات الإیرانیة تمزّق صفوفنا... وحمّلها مسؤولیة قتل الدکتور شریعتی ونفی الإمام الخمینی(قدس).
وحدة الأهداف والمنطلقات للثورة
فی النتیجة، فإنّ الإمام الخمینی(قدس) لم یتصرّف یوماً تصرّفاً یوحی بوجود خلاف مع الصدر، بل کان متفهماً للطبیعة اللبنانیة المعقّدة، وللظروف الصعبة التی أحاطت إعلان المجلس الشیعی الإسلامی رسمیاً، والمخاطر الشخصیة التی یعیشها الصدر، ومقدراً دوره فی توفیر الحمایة للثوار الإیرانیین ولمساهماته فی إیصال صوت الثورة إلى أوروبا وأمیرکا وسائر أرجاء الوطن العربی.
وضمن هذا السیاق یمکن استحضار کلام الدکتور صادق طباطبائی حول أن الإستراتیجیا التی وُضعت من قبل الإمام الخمینی (قدس) وطلابه قد استهدى بها الصدر ونفذها فی لبنان ولکن بطبیعة لبنانیة، وهذا یدل على وحدة الأهداف والمنطلقات للثورة فی إیران ولبنان، ذلک مع الالتفات لما تنطوی علیه ظروف کل ساحة، عندما تتطلّب تکیفاً موضعّیاّ یخدم القضیة من دون التضحیة والتفریط بالمبادىء.
ختاماً نرى أنّ مساهمة الإمام موسى الصدر فی مساندة الثورة الإسلامیة عبر دعمها فی محاضراته وخطبه وتوجیهاته التی نوّه بها بعظمة الإمام الخمینی (قده)، وبعظمة التحرّک الإسلامی داخل إیران، ساعدت بشکلٍ کبیر جداً فی تحریک الداخل الإیرانی، حیث وجدنا أنّ الإمام موسى الصدر استنفر بکلّ طاقته، وابتدأ یبشّر بهذه الثورة، ویحاضر حول هذه الثورة، وکانت له العدید من المحاضرات فی العدید من الدول حول طبیعة الثورة، وحول أهدافها الإسلامیة داخل الأرض الإیرانیة، هذا التحرّک الواسع، کان من جملة الأمور التی جعلت الآخرین یخططون تخطیطاً ذکیاً من أجل إخفائه، ومن أجل إبعاده، أو التآمر على حیاته.
القدس الموقعیة والتاریخ
الوفاق/ خاص لم تعانِ مدینة من بین مدن العالم الإسلامیّ، بل ومدن العالم قاطبةً، بعضاً ممّا عانته مدینة القدس الغرّاء فی رحلتها المریرة مع الشعوب والأقوام طوال سِنِیّ التاریخ، فما یراه الناظر إلى حالها فی یومنا الحالیّ، من اضطهاد الیهود الصهاینة لها، واستباحتهم حرماتها، وقتلهم الأطفال والنساء فیها، لیس إلّا حلقةً من سلسلةٍ طویلةٍ من أزمات عانتها مدینة القدس وأحاطت بأهلها لعهودٍ طویلة خلت، منذ عصور ما قبل الإسلام وحتّى عصرنا هذا. لا یشکّ عارف بما لهذه المدینة من مزایا وخصائص روحیّة ومعنویّة جعلتها قِبلةً ونقطة لقاء لأهل الدیانات السماویّة قبل الإسلام، فکما تمثّل المدینة للمسلمین رمزًا من رموز القداسة لمّا احتضنته من حرکات الأنبیاء طوال التاریخ، فهی تمثّل لأهل المسیحیّة والیهودیّة رمز القداسة نفسه، إذ کانت أیضًا موطنًا لدیاناتهم وأنبیائهم، ولکنّ المثیر، هنا، هو البون الشاسع بین حال المسلمین القدامى – الذین مثلّت لهم المدینة أولى الأولویّات، واستماتوا غیر مرّة فی الدفاع عنها أو تحریرها من أیدی محتلّیها – وبین مسلمی یومنا هذا، الذین باتوا قریری العین عن احتلال الیهود الصهاینة لفلسطین، التی تشکّل القدس عاصمةً لها، وإنشائهم فیها لدولتهم (دولة إسرائیل) مدّعین أنّ ذلک حقّ شرعیّ لهم، اکتسبوه بأمر الإله الواحد واغتُصبوه سابقًا، وهم الآن استعادوا ما اغتُصِب منهم ظلماً فی أحقابٍ سابقة. ومن هنا، یقدّم معهد المعارف الحکمیّة لقرّائه کتابه هذا بعنوان القدس: الموقعیّة والتاریخ، سعیًا منه لإعطاء المدینة المقدّسة بعض حقّها، وإعادة قضیّتها إلى الضوء بعد ما غیّبتها مساعی الظلم والاحتلال، یتألّف الکتاب من مقالات أربع قدّمها کتّاب من نخبة أهل الاختصاص، یقدّم حسن جابر فی مقالته مقاربةً حول دور القدس المعنویّ کمدینة تقف جنبًا إلى جنب مع مکّة لیشکّلا محور حرکة الإسلام الروحیّة والتشریعیّة؛ ثمّ تطرح المقالة الثانیة، لکاتبها إبراهیم بیضون، عرضًا مسهبًا لواقع المدینة التاریخیّ منذ عهد الحکم الیبوسیّ فیها وحتّى عهد أبناء صلاح الدین الأیّوبی؛ ثمّ یقدّم سهیل زکّار، فی المقالة الثالثة، سردًا تفصیلیًّا لمرحلة ما بعد وفاة صلاح الدین حتّى الحملة الصلیبیّة السابعة؛ وفی المقالة الرابعة والأخیرة، یطرح زهیر جلّول المراحل التتابعیّة لاحتلال الصهاینة للقدس بعد أن یشیر إلى بعض سماتها الحضاریّة. ینشر معهد المعارف الحکمیّة هذا الکتاب ضمن سلسلة أدبیّات النهوض، مساهمةً منه فی تعرفٍ أفضل وأوسع عن مدینة القدس، على أمل أن لا یکون هذا الکتاب آخر ما یصدره المعهد أو المؤسسات الفکریة الأخرى عن القدس وقضیّتها. شهیدة على درب فلسطین
الوفاق / خاص ولدت الشهیدة سکنة مشهور شمس الدین فی سوریا فی العام 1961، نشأت وترعرت فی الشیاح وسط عائلة متواضعة، تلقت دراستها الإبتدائیة فی مدرسة ابن خلدون فی منطقة الشیاح، وبعدها انتقلت إلى مدرسة الشیاح الرسمیة للبنات حتى الصف الأول متوسط، بعد المرحلة المتوسطة تعلمت التمریض لمدة سنتین فی مرکز الإنعاش الاجتماعی، وأیضاً حصلت على شهادة اسعافات أولیة من المرکز نفسه، کانت فتاة نشیطة وبارّة بوالدتها، ما إن تعود من المدرسة وقبل أن تتابع دروسها الیومیة، کانت تحرص على مساعدة والدتها بالأعمال
المنزلیة.
تمیّزت الشهیدة سکنة بتعدد المهارات، فتعلمت حرفة التریکو فی جمعیة الزهراء(ع) وحصلت على شهادة، فی العام 1976 سافرت مع عائلتها إلى الکویت لمدة ثلاثة أشهر، بعد عودتها من الکویت عملت مع الهیئات النسائیة فی حزب الله کمتطوعة لا تتقاضى أجراً، إضافةً لعملها فی مکتب الراحل سماحة السید محمد فضل الله للخدمات الإجتماعیة، و کانت تعمل أیضاً فی مرکز الإمداد فی خدمة العوائل الفقیرة والأیتام، فتجول على البیوت المطلوبة وتوزع مغلفات المساعدات المادیة لتعود إلى المنزل وقدمیها تؤلمها من المسیر، عندما مرضت والدتها بقیت ملازمة لها وعملت کممرضة لها، عاشت انطلاقة المقاومة ولم تتقاعس منذ البدایات عن مؤازرتها عند کلّ محطة، کانت مواظبة على المشارکة فی المسیرات العاشورائیة والمظاهرات التی تدعو لها قیادة المقاومة، فقبل 26 عامًا، وتحدیداً فی 13 عشر من شهر أیلول/ سبتمبر دفع النهج الثائر ضدّ اتفاقیات الذلّ والتحالف مع الصهاینة فی مرحلة التسعینیات الشباب المؤمن للنزول الى الشوارع ورفض کلّ معاهدات التسویة مع الاسرائیلیین، انطلقت المظاهرة من مسجد الإمام المهدی (عج) فی الغبیری باتجاه جسر المطار للاحتجاج على الخیار الاستسلامی العربی المتمثل باتفاق "أوسلو" بین منظمة التحریر الفلسطینیة والکیان المؤقت، هرعت سکنة للمشارکة فی المظاهرة وخرجت الى الشارع کما العشرات من الأخوات اللواتی تکاتفن ومشیْنَ فی الطرقات لإعلاء أصواتهن والاعتراض على الخیانات العربیة وطعن القضیة، حملت سکنة لافتات المقاومة، واجهت بجسدها الطاهر وعباءتها الزینبیة ما أُرید للأجیال الإذعان له، وهناک وبالتحدید عند جسر المطار صوبت السلطة سلاحها على المتظاهرین ومن بینهم سکینة وصدیقتها الشهیدة صباح حیدر اللتان لم تنسحبا رغم الرصاص الموجّه إلیهما، لم تخشیا مصیرهما، صرختا، عارضتا، حتى ارتفعتا شهیدتین مع سبعة شهداء من المتظاهرین، کان ذنبهم الوحید أنهم کانوا یهتفون فقط، آنذاک، ضدّ الکیان المؤقت یُریدون فلسطین، کلّ فلسطین، کانوا غرباء فی منطقة قرّر حکّامها المضی فی "مقرّرات مدرید" للسلام، تظاهروا دفاعاً عن الأرض، السیادة، الأمّة، وعن مصیر الأجیال.
|
|
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
|