الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقافة ورياضة
  • سیاحة
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وتسعمائة وخمسون - ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وتسعمائة وخمسون - ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥ - الصفحة ۷

الضفّة الغربيّة؛ جرح فلسطين الخفي في ظلّ هدنة غزّة

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريرًا للخبير في الشؤون الإسرائيلية السيد مصطفى الحسيني يُلقي الضوء على الواقع المتفجّر في الضفة الغربية، كاشفًا كيف تحوّلت الهدنة الهشّة في غزة إلى فرصة ذهبية لتصعيد الاحتلال والاستيطان، في ظل صمت إعلامي دولي وتواطؤ سياسي، وما يرافق ذلك من عنف المستوطنين، وسياسات الفصل العنصري، ومحاولات دفن أي أفق حقيقي لدولة فلسطينية مستقلة.
في عالم تتدفق فيه الأخبار العاجلة والصور المروعة من غزة على شاشات وسائل الإعلام كل يوم، تتنفس الضفة الغربية - هذه الأرض الخضراء والمقدسة من فلسطين - كجرح خفي، في ظلّ صمت إعلامي خانق. لم يُبشّر وقف إطلاق النار الهش في غزة، الذي أُبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بنهاية الصراعات الدموية في جنوب فلسطين فحسب، بل وفّر فرصة ذهبية لنظام الاحتلال الإسرائيلي للمضي قدمًا في احتلاله لشمال فلسطين - الضفة الغربية - بقسوة أكبر. تستعرض هذه المقالة، بناءً على بيانات مُحدّثة من منظمات دولية مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) وتقارير ميدانية موثوقة من مصادر فلسطينية ودولية، القضايا الراهنة في الضفة الغربية وتسلّط الضوء على أولوياتها الجوهرية. إن النص الحالي لا يتحدث فقط عن الإحصائيات المريرة لعنف المستوطنين، بل يدعو إلى التفكير العميق في قضيّة فلسطين. تحتاج الضفة الغربية إلى اهتمام عالمي أكثر من أي وقت مضى؛ لأن حلم الأجيال، أي فلسطين الموحّدة ستضيع من دون هذا الاهتمام، إلى الأبد.
تروي هذه المقالة لجمهورها - من السياسيين الأوروبيين إلى نشطاء حقوق الإنسان الأمريكيين والمفكرين في غرب آسيا - كيف أن احتلال الضفة الغربية ليس حدثًا عابرًا، بل نظام هيكلي وممنهج يدوس على الحقوق الإنسانية لملايين الفلسطينيين. استنادًا إلى أدلة موثقة، فإن صمت وسائل الإعلام ليس إهمالًا عرضيًا، بل أداة واعية لتعزيز المخططات الاستعمارية. إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ليست مطلبًا عاطفيًا، بل حق إنساني بديهي.
الفرصة الذهبية للاحتلال بضوء أخضر من واشنطن
بعد هدنة غزة، صعّد الكيان الصهيوني احتلاله في الضفة الغربية بوقاحة مضاعفة وبضوء أخضر واضح من الولايات المتحدة. لا يقتصر هذا الاحتلال على بناء الجدران الخرسانية ونقاط التفتيش الخانقة، بل يتقدم أيضًا بخطط استراتيجية فتاكة مثل مشروعE1 ، وهو مشروع يربط القدس الشرقية، كجسر استعماري، بالمستوطنات غير القانونية في «معاليه أدوميم»، ما يقسّم الضفة الغربية فعليًا إلى شطرين شمالي وجنوبي منفشصلين، ويدفن إلى الأبد أي إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية متواصلة وذات سيادة.
في آب/ أغسطس 2025، منحت حكومة نتنياهو الموافقة النهائية لبناء أكثر من 3400 وحدة سكنية جديدة في منطقة E1 الحساسة؛ وهو إجراء كان قد توقف في السابق حتى في عهد الحكومات الإسرائيلية السابقة بسبب الضغوط الدولية. لكن هذه المرة، لم تكتفِ إدارة ترامب بتجنّب الاعتراض إطلاقًا، بل إن السفير الأمريكي الجديد في «تل أبيب»، مايك هاكبي - وهو سياسي وصهيوني مسيحي يصف الاستيطان بأنه «حق إلهي لليهود» - دافع علانية عن هذا المخطط ووصفه بأنه «خطوة ضرورية لأمن «إسرائيل»». لقد بعث الدعم الصريح من هاكبي والصمت المليء بالدلالات من وزارة الخارجية الأمريكية برسالة واضحة إلى نتنياهو: لديكم كامل الصلاحيات لتنفيذ مشروع E1 وقطع الشريان الحيوي للضفة الغربية. هذا الدعم غير المشروط هو الدعامة القوية التي أشار إليها قائد الثورة الإسلاميّة في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025: «هجمات الكيان الصهيوني على لبنان، وعدوانه على سوريا، وجرائمه في الضفة وغزة التي يشاهد حالها العالم بأسره، ذلك كله يحدث بدعم أمريكي، ولقد خسرت أمريكا في هذا المضمار بالمعنى الحقيقي للكلمة وصارت ممقوتة».
هذا الكلام يرسم بدقة واقع الضفة الغربية اليوم: كل جرافة تسوي الأرض في منطقة E1 لبناء مستوطنة جديدة، تعمل بالدولارات الأمريكية وبموافقة السفير الأمريكي. كل ترخيص يُصدر، يكون مصحوبًا بضمان الفيتو الأمريكي المحتمل في مجلس الأمن. إن هذا الدعم اللامحدود من أمريكا لم يمنح الكيان الصهيوني الجرأة لمواصلة جرائمه فحسب، بل أدى إلى تخدير الضمير العالمي تجاه الكارثة التي تحدث في صمت. 
سجنٌ مفتوح بجدران ارتفاعها 9 أمتار
بالإضافة إلى الاستيطان المتسارع، حوّل نظام الاحتلال الضفة الغربية إلى سجن مفتوح بشبكة من الجدران الخرسانية التي يبلغ ارتفاعها 9 أمتار وأكثر من 700 حاجز تفتيش دائم ومتحرك. هذا الجدار، الذي أعلنت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2004 أنه «مخالف للقانون الدولي» والذي طالب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (ES-10/15) بهدمه فورًا، لم يوسعه الكيان الصهيوني فحسب، بل ربط حرية حركة ملايين الفلسطينيين بإذن لحظي ومهين من جنود الاحتلال عبر إصدار بطاقات صفراء وخضراء تمييزية. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة في عام 2025، يقضي الفلسطينيون ساعات يوميًا في طوابير مهينة عند نقاط التفتيش، وتُمنع سيارات الإسعاف من المرور، وتلد النساء الحوامل ويموت المرضى. هذا النظام، كما شهد المقرر الخاص للأمم المتحدة، «لم يُصمم للأمن، بل لتثبيت الفصل العنصري المكاني»، وفتت الضفة الغربية إلى أكثر من 165 جزيرة محاصرة ومنفصلة. إن هذه الجدران ونقاط التفتيش، هي سلاسل حديد على أيدي الشعب الفلسطيني وأرجله، تتغلغل كل يوم بعمق أكبر في لحم الأرض وعظامها، وتمحو إلى الأبد الخريطة الجغرافية لدولة فلسطينية متواصلة، أكثر من كونها أدوات دفاعية. 
الصمت الإعلامي تواطؤ مع الجريمة
إن صمت وسائل الإعلام تجاه هذا الاحتلال ليس عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية الكيان الصهيوني. بينما تسيطر صور دمار غزة على العالم كل ليلة، تُهمّش أخبار الضفة الغربية، بما في ذلك هدم مئات المباني السكنية في عام 2025 وفقًا لتقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). هذا الاستغلال يدفع أي شخص للتساؤل: كيف يمكن تصور عالم يغض الطرف عن أحد أكبر انتهاكات القانون الدولي، وهو احتلال الضفة الغربية المستمر منذ 60 عامًا؟ الحجة القانونية بسيطة: تحظر اتفاقية جنيف الرابعة (1949) صراحة بناء المستوطنات غير القانونية، وقد أدانها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 (2016). مع ذلك، وفي عام 2025، وافقت «إسرائيل»، متجاهلة هذه الأحكام، على آلاف الوحدات السكنية الجديدة في مناطق «ج» بالضفة الغربية. هذه الإحصائيات ليست مجرد أرقام باردة، بل هي رمز لمعاناة ملايين الفلسطينيين الذين يفقدون منازل أجدادهم. الحقيقة المُرّة هي أنه من دون اهتمام عالمي فوري، سيتوقف قلب فلسطين النابض، الضفة الغربية، عن النبض. 
الممارسات الوحشيّة للمستوطنين تحت المظلة الحكومية
إذا كان الاحتلال الحكومي للضفة الغربية هو جذر شجرة سامة، فإن وحشية المستوطنين هي أغصانها الشائكة. في عام 2025، وصلت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مستوى قياسي غير مسبوق. وفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ، كان تشرين الأول/ أكتوبر 2025 أكثر الشهور دموية في ما يتعلق بعنف المستوطنين منذ عام 2006، مع تسجيل أكثر من 260 اعتداء، ما يشير إلى متوسط يزيد على 4 حوادث يوميًا، بدءًا من حرق أشجار الزيتون وصولًا إلى الهجوم المسلح على المزارعين العُزل. في عام 2025، سجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أكثر من 178 حالة قتل لفلسطينيين، كثير منها مرتبط بعنف المستوطنين والقوات العسكرية. هذه الهجمات ليست عشوائية، بل هي جزء من نمط ممنهج أثر على أكثر من 80 قرية ومدينة فلسطينية.
تخيلوا المزارعين الفلسطينيين في موسم قطاف الزيتون - رمز الهوية الذي يعود إلى آلاف السنين - وهم يواجهون مستوطنين يحرقون الأشجار ويدمرون الحقول. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أحرق المستوطنون مسجدًا في الضفة الغربية، وحذرت الأمم المتحدة من أن «هذا التصاعد الحاد في العنف» هو جزء من التطهير العرقي. صورت وسائل إعلام مثل «واشنطن بوست» و«الجزيرة» لحظات تدمير الحقول والخرائط الموسعة لهجمات المستوطنين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما يشير إلى توسع العنف الجغرافي. هذه الإحصائيات الواردة من تقارير دولية وفلسطينية موثوقة تجعل الجمهور يقبل هذه الحقيقة: إن عنف المستوطنين ليس دفاعًا عن النفس، بل هو حرب منظمة للاستيلاء على الأرض. الفلسطينيون ضحايا هذه الوحشية، وعلى العالم أن يرى هذه المعاناة، لا أن يسمع عنها فحسب، بل يجب أن يتقبلها بعينين مفتوحتين.
الإعدام الإجباري: الفصل العنصري يتجلى علنًا
في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، صوّت الكنيست الإسرائيلي بغالبية 39 صوتًا لمصلحة القراءة الأولى لمشروع قانون «الإعدام الإجباري» المثير للجدل، وهو مشروع قانون يُطبَّق عمليًا فقط على الفلسطينيين المتهمين بشن هجمات ضد الإسرائيليين. هذا المشروع، الذي يدعمه إيتمار بن غفير - وزير الأمن القومي اليميني المتطرف - يجعل عقوبة الإعدام إلزامية «للفلسطينيين»، بينما لا توجد آلية لمعاقبة المستوطنين الذين يقتلون الفلسطينيين. ردت منظمة العفو الدولية فورًا: «على «إسرائيل» أن توقف هذا المشروع التمييزي فورًا»، ووصفتْه بأنه «خطوة نحو الفصل العنصري القانوني».
إن هذا التصويت، أكثر من كونه قانونًا قضائيًا، هو رمز لانعدام المساواة الممنهج. بينما يُعدم الفلسطينيون دون محاكمة عادلة، يتمتع المستوطنون بحماية حكومية كاملة. هذه العقوبة «تُطبق فقط على الفلسطينيين»، ووصفها المنتقدون بأنها «عنصرية». الحجة القانونية بسيطة، هذا المشروع ينتهك المادة 6 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) التي تضمن الحق في الحياة. مع ذلك، في عام 2025، يُعد هذا المشروع جزءًا من موجة أكبر من القوانين التمييزية التي ترسخ الفصل العنصري في الضفة الغربية. تخيلوا طفلًا فلسطينيًا يُحكم عليه بالإعدام بتهمة «الإرهاب» - دون دليل - على العالم أن يسمع صوت هذا الظلم وأن يتخذ إجراءً تجاهه. 
سجناء دون اتهام: التنفس ممنوع أيضًا
ليست الجدران ونقاط التفتيش مجرد أقفاص جسدية؛ فكيان الاحتلال يكبل أيضًا حياة ملايين الفلسطينيين ومستقبلهم عبر الاعتقالات الواسعة وغير المحدودة. وفقًا لتقارير هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني (الضمير)، اعتُقل حتى نوفمبر 2025، أكثر من 10500 فلسطيني في السجون الإسرائيلية بتهم «أمنية»، منهم أكثر من 3500 في الاعتقال الإداري - دون تهمة أو محاكمة - وفي آب/ أغسطس 2025، اعتُقل مئات من الفلسطينيين، ومنذ أكتوبر 2023، سُجّل أكثر من 17000 حالة اعتقال في الضفة الغربية. تظهر تقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أنه حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، هناك حوالى 3368 شخصًا قيد الاعتقال الإداري، واحتُجِز عدد من الأطفال المعتقلين دون توجيه تهم إليهم. هذه الاعتقالات التعسفية، التي تعبّر عنها الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال الفلسطينيّين كما يلي: «نصف الأطفال الفلسطينيين المعتقلين محتجزون دون اتهام»، تدفع أي شخص إلى التفكير. إن الاعتقال الإداري، الذي يمكن أن يستمر لأشهر دون دليل، هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. في تموز/ يوليو 2025، سُجّلت مئات الاعتقالات، ويستمر هذا الأمر في عام 2025. يسلُب هذا الضغط الحياة الطبيعية ويهمش الفلسطينيين. من دون إنهاء هذه الاعتقالات التعسفية، لن يكون السلام الدائم ممكنًا.
تضم الضفة الغربية أكثر من 2.8 مليون فلسطيني وتشمل 60% من المياه والموارد الطبيعية لفلسطين. من دونها، تبقى قضيّة فلسطين ناقصة. تشدد تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) على أن الممارسات العنيفة في عام 2025 قد أثرت على أكثر من 80 منطقة، ما يضاعف أهمية ذلك. إن الاهتمام العالمي ليس تفضلًا، بل هو واجب أخلاقي. يطالب قرار الأمم المتحدة 242 (1967) بالانسحاب من الأراضي المحتلة. على العالم أن يرى الضفة الغربية، لأن إنقاذها هو إنقاذ لفلسطين.
إذا ماتت الضفة الغربية، تُدفن فلسطين
لكن هذه ليست نهاية القصة؛ فجرح الضفة الغربية يغور كل يوم، وكل لحظة من الصمت العالمي تعني استسلامًا آخر للاحتلال. اليوم، بينما تتنفس غزة في ظل الهدنة، تنزف الضفة الغربية تحت نير الاستيطان ووحشية المستوطنين. إذا استمر العالم في الاكتفاء بالمشاهدة والتفرج، فلن يبقى غدًا لا غزة ولا ضفة غربية؛ وستبقى فلسطين محتلة، بل وسيُنسى اسمها أيضًا. هذا ليس مجرد تحذير، بل حقيقة مُرّة تؤكدها إحصائيات الأمم المتحدة والتقارير الميدانية وصيحات الملايين من الفلسطينيين. لقد حان وقت العمل؛ فالصمت تواطؤ مع المحتل. فلسطين الموحدة هي حق مؤكد للشعب الفلسطيني، ولا يمكن لأي مخطط استعماري أن يدوس على هذا الحق. على العالم أن يستيقظ قبل فوات الأوان.

 

البحث
الأرشيف التاريخي