الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقافة ورياضة
  • سیاحة
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وتسعمائة وستة وأربعون - ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وتسعمائة وستة وأربعون - ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥ - الصفحة ۷

خبيرة لبنانية في علم الاجتماع السياسي للوفاق:

الحرب الدعائية أخطر من الاحتلال.. ومعركة الوعي هي معركة البقاء

عبير شمص

في زمنٍ لم تعد فيه الحروب تُخاض فقط بالمدفع والدبابة، بل باتت العقول والهوية الثقافية والدينية هي الميدان الأشد خطورة، تبرز الحرب الدعائية والإعلامية كسلاح ناعم يستهدف البنية التحتية للوعي الجمعي، ويعمل على إعادة تشكيله بما يخدم مصالح القوى المهيمنة.
وقد شدّد سماحة آيةالله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي في أكثر من مناسبة على أن المواجهة اليوم ليست مجرد اشتباك عسكري، بل هي حرب دعائية واسعة، وأن الدفاع وحده لا يكفي، بل يجب استهداف نقاط ضعف العدو ومهاجمتها. وفي هذا السياق، تتيح لنا هذه المقابلة مع الدكتورة في علم الاجتماع السياسي ليلى صالح فهم أخطر أبعاد الحرب المعاصرة: الحرب الدعائية والإعلامية، وتكشف كيف تحولت المنابر الثقافية والفنية إلى أدوات مقاومة، وكيف يمكن لجبهة المقاومة أن تنظّم صفوفها الدعائية لمواجهة جبهة واسعة تقودها أميركا وتدور في فلكها أوروبا، وفيما يلي نص الحوار:
المقاومة الوطنية بين سطوة السلاح وخطر الدعاية الناعمة
 تُعرِّف الدكتورة صالح المقاومة الوطنية وفق خطاب الإمام القائد على أنها الصمود والثبات في مواجهة كل ضغطٍ يمارسه العدو في أي جانب من جوانب حياة الإنسان، بُغية إجبار الشعب على الاستسلام. وقد يتخذ هذا الضغط أشكالًا متعددة: عسكريًا، اقتصاديًا، إعلاميًا، في الفضاء الافتراضي، أو عبر تجنيد الجواسيس وأدوات الاختراق الأخرى. أمّا في سياق الحرب الإعلامية، فالمقاومة الوطنية تعني الحفاظ على الرواية التاريخية والهوية الثقافية والدينية للأمة في مواجهة الحملات الدعائية المنظمة التي تستهدف تشويه الوعي الجمعي وإعادة تشكيله بما يخدم مصالح القوى المهيمنة. ولهذا تُعدّ الحرب الإعلامية أخطر من الاحتلال العسكري الذي يفرض واقعًا ماديًا قسريًا، إذ إن الدعاية تخترق البنية التحتية للوعي والهوية، وتترك أثرًا أعمق وأكثر استدامة على المدى الطويل. 
الإعلام كسلاح ناعم أخطر من المدفع والدبابة
ترى الدكتورة صالح بأن العدو، بعد أن أدرك استحالة الاستيلاء على البلاد عبر أدوات الضغط الاقتصادية والعسكرية، انتقل إلى خوض حرب دعائية وإعلامية واسعة النطاق، تستهدف ضرب المرتكزات القيمية والمعنوية التي تشكّل مقومات الثبات والصمود لأي شعب، وتهيئة الأرضية للهيمنة دون تكاليف بشرية كبيرة. وقد أصبحت الحرب الإعلامية السلاح الجديد الذي يتميز بكونه سلاحًا ناعمًا، تقوده الولايات المتحدة الأميركية وتدور في فلكها بعض الدول الأوروبية، ضمن جبهة منظمة وواسعة، تتبعها حاشية من المرتزقة والخونة وعديمي الوطنية.

الدعاية وتغيير الهوية.. بين محاولات الاختراق وصمود المقاومة الثقافية
تشير الدكتورة صالح إلى أن الدعاية الإعلامية تعمل على إنتاج سردياتها التاريخية والثقافية والدينية، مستخدمةً مختلف الوسائط للترويج والإقناع، بهدف توهين ثقافة الشعوب المقاومة للاستكبار والنيل من قداسة هويتها، وصولًا إلى إسقاطها وتغيير معالمها. فهي تُسخّر الكاتب والفنان والروائي و«هوليوود» وسائر الأدوات لتغيير ذهن الشباب، والتأثير في القلوب والعقول والأفكار. غير أن الواقع أثبت أن هذه الحرب الدعائية لم تنجح في تطويع المجتمع المقاوم. فالعدو الصهيوني نفسه أقرّ بأن الدعاية الغربية فشلت في تحقيق أهدافها، كما ظهر جليًا في محاولاتهم لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أكدت دراسة أجراها معهد «مسغاف» الصهیوني أن التهديد الحقيقي لا يكمن في الصواريخ وحدها، بل في المجتمع الذي أنتج المقاومة ويواصل إنتاجها. هذا المؤشر وغيره يدلّ على أن العدو لم يتمكن حتى الآن من كسر عزيمة وثبات وإرادة مجتمع المقاومة في مختلف محاورها: من الصمود الأسطوري في غزة، إلى الملحمة البطولية في لبنان، وصولًا إلى الوحدة الاستثنائية في مواجهة العدوان الصهيوني على إيران.
الفضاء الافتراضي.. ساحة معركة بين المقاومة والهيمنة
يتعرض الشباب اليوم لضغط هائل عبر الفضاء الافتراضي، إذ لم يعد حضورهم في المجالس الحسينية والدروس الثقافية كافيًا لتحصينهم من الحملات الدعائية الممنهجة، وفق الدكتورة صالح، فالعدو يهاجم بمنظومات دعائية مركّبة تستهدف أهدافًا محددة، يقودها ليس واشنطن وحدها، بل شبكة معقدة تشمل:
- مراكز الدراسات واللوبيات المؤثرة 
- الشركات التكنولوجية العملاقة 
- المؤسسات الإعلامية العالمية 
- منظمات «المجتمع المدني» الموجّهة 
- حكومات ومؤسسات تابعة للنظام الدولي المهيمن 
ومن هنا، تشدد الدكتورة صالح على أن مواجهة هذه الحرب الدعائية تتطلب تنظيم الصفوف وفقًا لتشكيلة العدو وأهدافه، خاصةً أن الشباب يتعرضون اليوم لشبهات في المعارف الإسلامية والشيعية والثورية، ضمن أوسع جبهة مفتوحة في الفضاء الافتراضي. لذا لا بد من تحصين هذه الجبهة، والحذر من أن يتحول الشباب إلى أدوات لترويج الفكر الغربي والرأسمالي الباطل، خصوصًا في القضايا الحساسة مثل قضية المرأة.
وقد أثبتت التجربة العملية أن الفضاء الافتراضي هو بالفعل ساحة معركة حقيقية، كما ظهر في معركة «طوفان الأقصى»، إذ تمكن رواد هذه الساحة من نقل الحقائق بالشواهد الحية إلى العالم، وتكذيب ادعاءات كبريات المراكز الإعلامية الغربية. هذا التفاعل أدى إلى تغيير ملموس في الرأي العام العالمي، فشهدنا خروج تظاهرات واسعة في جامعات كبرى وعواصم دول الاستكبار، فضلًا عن تجرؤ دولة صغيرة مثل جنوب أفريقيا على رفع دعاوى ضد جرائم العدو من إبادة جماعية وحصار وتجويع أمام المحاكم الدولية.
جبهة المقاومة الإعلامية من الدفاع إلى الهجوم على نقاط الضعف
يقول سماحة القائد:« لا تكتفوا في مواجهة العدو بالدفاع عما يثير حوله الشبهات. طبعاً، الدفاع ضروري، ويجب دحض الشبهات التي يثيرها العدو، ولكن لدى العدو كثيراً من نقاط الضعف، استهدفوا نقاط الضعف تلك، هاجموها». تلفت الدكتورة صالح إلى أن سماحته وفق هذا القول يُشير إلى أن الجهاد الذي أدّته السيدة فاطمة الزهراء(س)، الذي كان مقاومة فكرية وثقافية واجهت بها السلطة الجائرة والظالمة، يوازي المقاومة العسكرية في أهميتها. والإسلام يزخر في هذه المجالات بمعارف ونقاط قوة، مؤكداً بأن جبهة المقاومة تمتلك أدوات إعلامية قد تضاهي جبهة الغرب إذا أحسنا استخدام وتوظيف نقاط قوتنا، وتوجيهها باستراتيجيات أهدافها ممنهجة، تتكامل بتضافر الجهود، وتحتل ظاهرة «المديح والرثاء» مكانةً خاصةً بين الأدوات المهمة لتقدم البلاد، ويضيف سماحته أنهم يعملون ويبذلون الجهد، ولكن لا بدّ من تقييم هذا العمل، والعثور على سبل تطويره، ينبغي إعداد محتويات مناسبة، وربما ألحان ملائمة، لنحافظ على ظاهرة «المديح والرثاء»، ونبقيها حيّة وفاعلة، ونطوّرها ونستفيد منها بما يخدم أهداف الأمة وقيمها».
كما دعا سماحته إلى أن تُغذّى هذه الجبهة بالمعارف العميقة، مشيرًا إلى أن الحوزات العلمية تزخر اليوم بكثير من الفضلاء الذين أنتجوا أعمالًا فكرية وثقافية قيّمة في هذا المجال. ويمكن لمجتمع المدّاحين أن يستفيد من هذا الزخم، خاصةً مع الإقبال الكبير للشباب على المجالس الحسينية، بما يتيح فرصة ثمينة لتوظيف هذه الطاقات في بناء خطاب دعائي مقاوم، يجمع بين الأصالة والفاعلية، ويستثمر نقاط قوة الأمة في مواجهة جبهة الهيمنة.
المدّاحون والكتّاب والفنّانون.. منبرٌ لبناء خطاب دعائي مقاوم
تقول الدكتورة ليلى صالح:» إن تأثير المرثية الحسنة الصياغة، العميقة المضمون، التي تُتلى من على المنبر، قد يكون في قلب المتلقي أعمق وأبقى من تأثير خطاب فلسفي أو منطقي مطوّل. هذه الظاهرة تدخل ضمن استراتيجية إعلامية متكاملة، تقوم على العمق الثقافي، والرواية الأخلاقية، والتضحيات المشروعة، حيث يتحول التشكيل الإعلامي إلى هجوم مباشر على العدو، عبر تبيين المعارف الدينية والنضالية والثورية».
وتضيف: «لا ينبغي الاكتفاء بالدفاع عن الشبهات التي يثيرها العدو، بل يجب التركيز على نقاط ضعفه الكثيرة، ومهاجمتها حتى في المفاهيم الشعرية. وأن تشحن منابر «المديح والرثاء» بمعارف نقاط قوة الإسلام، سواء في المسائل الشخصية، أو في المسائل الاجتماعية، أو في السياسة، أو في مواجهة العدو.
فيمكن تحويل «المديح والرثاء» إلى أداة فعالة ومهمة لترويج الدين ونشر المفاهيم الدينية والقضايا الثورية؛ بتوسيعه وتقويته وتعميمه، وليكن حاضرًا في المجالات كافة، لتقدم سردية جاذبة ومقنعة وصادقة من أدب الإعلام المقاوم، إلى الدعاية الإعلامية المقاومة».
معركة الوعي.. الثمن الحقيقي لحماية الهوية 
تؤكد الدكتورة صالح إلى أن الهزيمة الثقافية تؤدي إلى فقدان الشرعية الشعبية، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وتسهيل عودة الهيمنة بأشكال جديدة، والنصر في هذه المعركة يتطلب صبراً وإبداعاً واستعداداً لدفع الثمن المادي والمعنوي، لأنها معركة على مستقبل الأمة وهوية الأجيال القادمة، فقد يحصل العدو على إنجازات في الحرب الناعمة أو الحرب المعنوية، خسرها في المعركة العسكرية، فالمعركة الدعائية معركة وجودية حول هوية المجتمع وبقائه وأولويته الاستراتيجية.
إذ أصبحت المعركة الدعائية والإعلامية جزءاً لا يتجزأ من أي صراع، وغالباً ما يكون الفوز فيها حاسماً لتحقيق النصر الاستراتيجي الشامل، حتى أكثر من الانتصار العسكري المؤقت.
ختاماً إن معركة الوعي هي معركة البقاء، والانتصار فيها هو الضمانة الحقيقية لصمود الأمة. فالحرب الدعائية أخطر من السلاح، والمقاومة الوطنية هي السدّ المنيع أمام محاولات الهيمنة الناعمة.

البحث
الأرشيف التاريخي